محضر اعترافات الأسير: خبايا معركة عبرا وتفاصيل الهروب

محضر اعترافات الأسير: خبايا معركة عبرا وتفاصيل الهروب

18 سبتمبر 2015
اعترافات الأسير تتضمن تفاصيل المواجهة مع الجيش(محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -
وصل الشيخ الموقوف أحمد الأسير إلى المحكمة العسكرية في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الثلاثاء الماضي مُنهكاً بعد تحقيقين طويلين أجراهما معه جهازا استخبارات الجيش والأمن العام بعد توقيفه في 15 أغسطس/آب الماضي. 
"العربي الجديد" حصلت على نسخة من ملف التحقيق مع الأسير لدى استخبارات الجيش، الذي يضم 34 صفحة، وذلك بعدما تسلمته استخبارات الجيش في 19/8/2015 من دورية تابعة للأمن العام "بناءً على إشارة النيابة العامة العسكرية" ليتم اختتام التحقيق الذي يحمل إمضاء الأسير باسم "أحمد محمد هلال الأسير الحسيني" يوم 22/8/2015.كما يضم التحقيق 6 صفحات خصصها المحقق العدلي العسكري للموقوفين المعتصم بالله عبد الرحمن الشامي، وخالد محمد أوزعر، بتهم "النيل من هيبة الدولة" و"الاعتداء على المواطنين" وإقدام الثاني والثالث (المعتصم وخالد) على إيواء الأول (الأسير) ونقله، ونقل أسلحة ومتفجرات لصالحه. ويتميز التحقيق باسترسال الأسير في الإجابة عن 11 سؤالاً وجهها له المُحقق العدلي العسكري في الملف الذي يحمل رقم 49241.
اقرأ أيضاً: اعترافات أحمد الأسير في لبنان...هل اعتقل نتيجة "خيانة"؟


تقاسم تركة الأسير الأمنية

يركز التحقيق الذي تم في وزارة الدفاع في منطقة اليرزة شمالي بيروت، بشكل خاص على دور الأسير في معركة عبرا في صيدا جنوبي لبنان، والتي خاضتها مجموعات مسلحة تابعة له مع الجيش اللبناني في الشهر السادس من العام 2013، على خلفية احتكاك وقع بين أتباعه وحاجز ظرفي للجيش اللبناني، على مقربة من مسجد بلال بن رباح في منطقة عبرا والذي حوّله الأسير خلال أشهر قليلة من منبر دعوي إلى مربّع أمني.

كما يتطرق التحقيق إلى تدخل الأسير في المجريات العسكرية في منطقتي القصير وجوسية السوريتين، لكن في الأجزاء المُتعلقة بالإعداد العسكري لأفراد المجموعات التي قاتلت الجيش في عبرا فقط من دون التوسع في دوره فيها. ولا يتناول التحقيق الفترة المُمتدة منذ انتهاء معركة عبرا بفرار الأسير في العام 2013 حتى توقيفه قبل قرابة شهر.

وتشير معلومات "العربي الجديد" إلى تقاسم ملفات الأسير بين جهازي الاستخبارات والأمن العام، فتم حصر تحقيقات الاستخبارات مع الأسير بمعركته ضد الجيش، في حين توسع تحقيق الأمن العام معه ليطاول الجوانب السياسية والأمنية التي سبقت ورافقت وتلت معركة عبرا وتخفّي الأسير عن الأنظار حتى اعتقاله قبل شهرين.

يُثبت المحقق العدلي العسكري بدايةً "إخضاع الأسير لفحص طبي من قبل طبيب السجن الذي وجده بصحة جيدة وصالحا لدخول السجن" قبل أن يتوسع في التحقيق معه بشأن حياته الخاصة وتحولاته الفكرية والعملية التي "حولته من داعية ديني إلى رئيس مجموعة مسلحة قاتلت الجيش اللبناني وأدّت إلى استشهاد عدد من عناصره وجرح آخرين ومقتل مدنيين"، بحسب أحد الأسئلة التي وجهها المحقق. كما يتطرق التحقيق إلى علاقة الأسير بفضل شمندر (المعروف بفضل شاكر)، وكيفية مغادرتهما لمنطقة عبرا خلال الاشتباكات حتى وصوله "إلى منزل (الشيخ) سالم الرافعي في مدينة طرابلس شمالي لبنان"، بحسب اعتراف الأسير.

من الدعوة إلى الحرب

يشير الرجل الخمسيني إلى مرحلتي "اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري" و"اندلاع الثورة السورية وتأييده لها" كمراحل مفصلية في حياته، نقلته من الدعوة الدينية الخالية من المواقف السياسية إلى خطيب سياسي من الطراز المُباشر والصريح قبل التحول إلى قائد مجموعة مُسلحة.

وقد شكلت التظاهرة التي دعا إليها الأسير في مسجد عبرا أواخر العام 2011، وشارك فيها 700 شخص (بحسب ما يقول الأسير في المحضر)، ثم إعلان فتواه التي تحضّ "أهل السنة" في لبنان على الجهاد في مدينة القصير السورية لحظات مهمة في تحديد مسار الرجل.

كما يتطرق التحقيق إلى تحولات الشكل التنظيمي لأتباع الأسير الذين "كانوا يتوزعون على حوالي عشرين مجموعة دعوية تضم كل منها 7 أشخاص فتحولوا إلى مجموعات عسكرية تضم قرابة 300 شاب انتسبوا إلى (كتائب المقاومة الحرة) التي أنشأتها بعد سقوط القصير بيد الجيش السوري وعناصر حزب الله اللبناني عام 2012"، على حد قوله.

وبحسب ما يشير إليه التحقيق، فقد ضمت تشكيلات الأسير مجلس الشورى، الجهاز العسكري، المسؤول الأمني والعسكري لكتائب المقاومة الحرة، جهاز الحماية الشخصية، مسؤول التدريب، ومسؤول مخزن السلاح.

يذكر الأسير خلال التحقيق حوالي 56 من أعضاء هذه التشكيلات. أبرزهم أبناؤه الثلاثة (عبد الرحمن، عمر، ومحمد)، فادي السوسي (المسؤول الأمني والعسكري الذي نعاه الأسير عبر موقع تويتر في يناير/كانون الثاني 2014 بعد مقتله في سورية)، محسن الشعبان (مسؤول التنسيق بين الأسير وكتائب الفاروق السورية)، نادر البيومي (عضو مجلس شورى مسجد بلال بن رباح الذي سلم نفسه للجيش اللبناني العام 2013 لتُعلن قيادة الجيش مقتله خلال التوقيف نتيجة نوبة قلبية).

أما عدد غير اللبنانيين بين أتباع الأسير، فلا يتجاوز الخمسة، أحدهم سوري يُلقّب بـ"الكيماوي"، اعترف الأسير بـ"طلب إرساله من سورية لتدريب عدد من شباب المجموعات المسلحة على صناعة المواد المُتفجرة واستخدامها، وذلك أخذاً برأي فادي السوسي". علماً أن عدد الموقوفين في ملف "أحداث عبرا" لدى المحكمة العسكرية يبلغ 72 موقوفاً. وقد أصرّ الأسير خلال التحقيق على الإشارة إلى السوسي بوصفه القائد العسكري لمعركة عبرا وواضع "خطة الدفاع عن المربع الأمني".

اقرأ أيضاً: اعتقال أحمد الأسير... هل يفضح الشيخ اللبناني المتنكّر السياسيين؟


محضر 


زيارات إلى سورية

شكل التحقيق مع الأسير في أحداث معركة عبرا مدخلاً لسؤال المحقق عن كيفية تمويل وتسليح وتدريب المجموعات المسلحة التي قرر الأسير إنشاءها. يؤكد الأسير في إجابته على "إرسال مجموعتين من لبنانيين وفلسطينيين إلى منطقة جوسيه السورية المحاذية للحدود اللبنانية للتدريب والمشاركة في القتال في مدينة القصير السورية، بالتنسيق مع السوري أحمد سيف الدين، المُلقبّ بـ"السلس". وقد تعرض الأخير للخطف قبل أشهر أثناء تجوله في بلدة عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية من قبل مسلحين تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) نتيجة خلافات مع التنظيم.

يوضح الأسير في معرض إجابته أن الهدف من إرسال المجموعتين هو "التدرب على السلاح وقتال الجيش السوري في منطقة القصير، لكن المجموعة الأولى لم تتمكن من الوصول إلى القصير، فيما أصيب كل من الشيخ أحمد الحريري ومصعب قدروة (من المجموعة الثانية) بجروح في أرجلهم نتيجة قصف الجيش السوري للمنطقة قبل الاستيلاء عليها".

كذلك يؤكد الأسير زيارة ريف القصير و"الاطلاع على محاور القتال خلال وجود المجموعة الأولى في جوسيه، وقد سلمت السلس مبلغ 10 آلاف دولار أميركي لأمور الجهاد، وأطلقت النار من سلاح (بي كا سي) على موقع للجيش السوري في المنطقة، ثم عدت إلى عرسال بعد أقل من 24 ساعة بمساعدة محسن الشعبان".

ووفقاً للأسير، ساعد الشعبان في "تأمين موقع لتدريب أنصاري على السلاح في جرود عرسال حيث تدربت مجموعتان (تتألف كل واحدة من 10 شباب)، قبل نقل التدريب إلى مبنى مجاور للمسجد في عبرا بسبب صعوبة الوصول إلى المنطقة".

وقد شارك كل أعضاء المجموعات التي زارت جوسيه وجرود عرسال في قتال الجيش اللبناني خلال معركة عبرا، على الرغم من تأكيد الأسير أن "قتال الجيش لم يكن بقرار مُسبق إنما نتيجة التطورات في محيط المسجد".

"شعرت بتحضير أمر ما ضدي"

سبقت اشتباكات عبرا بين الجيش ومجموعات الأسير سلسلة أحداث وصفها الأخير بـ"الاستفزاز الذي تلا سقوط مدينة القصير". يعود الأسير مع المحقق العدلي العسكري إلى الاشتباك المحدود الذي وقع بين مرافقيه وعناصر من "سرايا المُقاومة" التابعة لحزب الله في منطقة تعمير ــ عين الحلوة في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2012 وأدى إلى مقتل كل من: لبنان العزي وعلي سمهون، وهما من أنصار الأسير. ثم يتحدث الأسير في التحقيق عن "معركة الشقق" التي وقعت قبل أسبوع من معركة عبرا "بسبب تمركز عناصر من سرايا المُقاومة في شقق مواجهة لمسجد بلال بن رباح، فوقعت اشتباكات معهم، شارك فيها فضل شمندر (المعروف بفضل شاكر) مع مجموعة مسلحة مؤلفة من 13 شخصا، وتخلل المعركة قصف تعرض له المسجد من منطقة حارة صيدا (ذات الأغلبية الشيعية) في صيدا".

وقد دفعت هذه الأحداث بالأسير إلى "أمر السوسي بشكل واضح باستنفار المجموعات واستدعاء العناصر بواسطة رسائل نصية وتوزيعها وفق الخطة الدفاعية المرسومة، التي تضمنت الانتشار على أسطح المباني والتوسع خارج المربع الأمني للمسجد ورمي الزيت المحروق على الأرض لإعاقة حركة الأعداء"، وفقاً لما يرد من أقوال للأسير في التحقيق.

اقرأ أيضاً: أحمد الأسير في وصيته يستنجد بـ"المجاهدين في العراق والشام"

"لم آمر باستهداف الجيش"

يعترف الأسير في التحقيقات بأن "الأحداث دفعت الجيش اللبناني لنشر حواجز عدة في المنطقة، وقد أحسست أن شيئاً ما يُحضر ضدي". لكن العلاقة مع الجيش كانت إيجابية، فالأسير أفاد بـ"استجابة الجيش لطلب الشيخ أحمد الحريري الذي أرسلته للطلب من آمر أحد الحواجز القريبة من المسجد نقله لأنه يُسبب الإزعاج للمصلين".
وتزامن نشر الحواجز العسكرية في عبرا مع إيعاز الأسير للسوسي بـ"الإسراع في أعمال التحصين بمحيط المربع الأمني واستعجال تأمين نواقص السلاح والذخيرة، وقد أخبرني أنه بصدد وضع خطة جديدة للانتشار والتسلح في محيط المسجد أفضل من السابقة".
ويكشف الأسير في محضر التحقيق، أنه كلف السوسي شراء السلاح من عرسال وطرابلس فاشترى 250 بندقية "كلاشنكوف"، 7 قواذف "آر بي جي"، رشاش "بي كا سي" عدد 1، رشاش "ماغ" عدد 2، مدفع هاون عدد 1، رشاشا ثقيلا "دوشكا" عدد 1، مدفع "بي 10" عدد 1، رشاشين عيار 14.5 ملم عدد1، وكميات كبيرة من الذخائر والقنابل اليدوية.

ويعترف الأسير بأنه ترأس اجتماعين، الأول لمجلس الشورى قبل معركة "الشقق" والثاني لـ"الجهاز العسكري" بعد المعركة نفسها، "وكان سبب الاجتماع شعوري بأن شيئاً ما يُحاك بغية الإيقاع بي، فعرضت على المُجتمعين، وعددهم حوالى 30، موضوع كيفية التصرف مع الجيش اللبناني في حال حاولت أي فئة الإيقاع بيننا أو قرر الجيش إزالة ظاهرة الأسير نتيجة عمل أو فبركة ما خططت لها هذه الفئة (حزب الله)، وبعد التشاور أجمع الحاضرون على قرار الدفاع عن النفس ومقاتلة الجيش في حال حاول الدخول إلى المربع الأمني للقضاء على المجموعة وعدم التسليم أو الاستسلام له".

ثم يعود الأسير لنفي وجود أي نية مُسبقة لقتال الجيش، خلال رده على سؤال آخر خلال التحقيق قائلاً "أخبرتكم صراحة أنه لم يوجد أي نية لقتال الجيش اللبناني سوى قرار محاربته في حال محاولة دخوله المربع الأمني في عبرا لتوقيف أو القضاء على المجموعة".

ولدى مواجهته من قبل المحقق العدلي العسكري بتسجيلات كاميرات المراقبة من مسجد بلال عبرا التي صادرها الجيش بعد المعركة "وتتضمن إعطاءك أوامر باستهداف ملالة للجيش اللبناني"، ينفي الأسير الأمر قائلاً "أنا أعطيت أوامر باستهداف كافة مصادر النيران التي تستهدف المسجد وكان الجيش أحدها، إلى جانب إطلاق النار من الشقق المقابلة للمسجد ومن حارة صيدا".

ينتقل سياق التحقيق إلى مغادرة الأسير للمنطقة بعد يوم واحد من اندلاع الاشتباكات. ويقول الأسير للمحقق إنه أخبر الشبان الذين كانوا معه صباح اليوم الثاني للمعركة أنه "سيستشهد في المكان" قبل أن يبدل رأيه سريعاً.

يقول الأسير للمحقق إنه رفض في البداية عرضاً من فضل شمندر لمغادرة المنطقة معه، وقال له: "ما بترك مسجدي وبفضل موت هون... ثم تبعت شمندر بعد ساعة إلى أحد المنازل في المنطقة برفقة زوجتي الاثنتين وأولادي وشقيقي .. حلقت لحيتي .. طلبت من زوجاتي العودة إلى أهاليهن .. انتقلت من عبرا إلى الهلالية فشرق صيدا ــ طريق لبعا، لحين وصولي إلى طرابلس ــ البحصاص، وتحديدا منزل (رئيس هيئة علماء المسلمين السابق، الشيخ) سالم الرافعي وفق ما ذكرته في محضر الأمن العام".

العلاقة مع فضل شاكر

تخلل الاستجواب سؤال المحقق العدلي العسكري، وجهه للأسير عن علاقته بفضل شمندر (المعروف بفضل شاكر)، قبل أن يشير الأسير إلى "انقطاع العلاقة مع فضل شاكر بعد افتراقنا إثر معركة عبرا".

ويؤكد الأسير أنه قبل اندلاع معركة عبرا بأسابيع طلب من شاكر مغادرة محيط المسجد، بعدما كان الأخير قد اشترى شقة واستأجر مواقف أسفل الأرض وشققاً لمجموعته، بسبب الإشكالات التي افتعلها شبانه غير المُنضبطين مع المدنيين في المنطقة وتخللها انتشار مُسلح. ويوضح الأسير أن مشاركة الشباب المحسوبين على شاكر في معركة الشقق حسّنت العلاقة بينه وبين شاكر ولا سيما بعدما وعده "بعدم الإقدام على أي تحرك إلا بعد مُشاورتي".

‏اقرأ أيضاً: لبنان: تأجيل محاكمة أحمد الأسير إلى الشهر المقبل