14عاماً على 11 سبتمبر: حروب أميركية لا تنتهي

14عاماً على 11 سبتمبر: حروب أميركية لا تنتهي

11 سبتمبر 2015
توقّعات باستمرار الولايات المتحدة في حروبها الخارجية (Getty)
+ الخط -
فرضت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 نفسها كمحدد أساسي للتحركات العسكرية والسياسية الأميركية على مدى السنوات الماضية، بعدما أدخلت الولايات المتحدة نظريات مثل "الحرب الوقائية" و"الحرب الاستباقية" حيز التطبيق الفعلي وبشكل مكثّف بدءاً من أفغانستان، حيث التدخل العسكري المباشر في عام 2001، مروراً بغزو واحتلال العراق في عام 2003، فضلاً عن التدخل العسكري المتواصل، إلى اليوم، في عدد من البلدان الأخرى، لتبدو الولايات المتحدة الأميركية، بعد 14 عاماً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، آخذة في توسيع تدخلها العسكري في دول ومناطق مختلفة من دون أي استراتيجية واضحة.

وعلى الرغم من أن أراضي الولايات المتحدة لم تشهد عمليات مشابهة أو قريبة في حجمها وخطورتها من أحداث سبتمبر/أيلول، إلا أن عمليات الجيش الأميركي أخذت في التوسع، فيما ساهمت حروب واستراتيجيات الإدارات الأميركية المتعاقبة في خلق أوضاع كارثية، يرى بعضهم أنها "تُفرّخ المزيد من التنظيمات المتطرفة، وتقوّي عود الأنظمة الدكتاتورية الحليفة لها، من دون أن تزيل بالضرورة عنها الأخطار المحدقة بها".

وبعد أن خصصت واشنطن مليارات الدولارات سنوياً لمكافحة "الإرهاب"، من تنظيم "القاعدة" بفروعه المنتشرة في عدد من البلدان وصولاً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أخيراً، بدا أن استراتيجيات "الحرب على الإرهاب"، المستمرة منذ أن أعلن عنها الرئيس السابق، جورج بوش الابن، بعد هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001، تغذي التطرف بدلاً من أن تخمده أو تحد من توسعه على الأقل.
وبات واضحاً، الآن، أن ذريعة "الحرب على الإرهاب" والخطاب المرافق لها، يُستخدمان من الولايات المتحدة وحلفائها لتنفيذ أجندات أخرى، وأن "الإرهاب"، الذي يُصوّر على أنّه الخطر الأكبر، هو في الوقت نفسه، عملة ثمينة يدر تداولها واستخدامها أرباحاً سياسية وعسكرية.

وأدى صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، واستمرار توسّعه على الرغم من الحرب عليه، والتي تتركز في العراق وسورية، إلى حديث جهات عديدة في الإدارة الأميركية عن أهمية تحديد أولوياتها حول أي التنظيمات عليها أن تحارب، "داعش" أم "القاعدة"؟

وتفيد تقارير إعلامية أميركية وتصريحات باحثين في مجال السياسة والأمن الأميركي، أن هذا الجدل له أهميته الشديدة وعلى أصعدة عدة، أولها أنه سيقرر وجهة مليارات الدولارات التي تُصرف سنوياً في المجالات الاستخباراتية الأميركية المختلفة.
وتصل ميزانية الأجهزة الاستخباراتية الأميركية المختلفة إلى أكثر من 50 مليار دولار سنوياً، يذهب ثلثها على برامج "مكافحة الإرهاب". كما يشير تقرير صحفية "نيويورك تايمز"، إلى أن ربع الموظفين في المؤسسات الاستخباراتية المختلفة والذين يصل عددهم إلى حوالي 100 ألف، يعملون بشكل أو بآخر في برامج "مكافحة الإرهاب".

اقرأ أيضاً: أميركا: محاولات إعادة اتهام السعودية بأحداث 11 سبتمبر

إضافة إلى مسألة الميزانية، فإن القرار بتركيز الجهود على محاربة تنظيمي "داعش" أو "القاعدة" سيحدد كذلك استراتيجيات التحالف الأميركي على الأرض في الشرق الأوسط وعلاقات الولايات المتحدة بحلفائها.
وفي السياق ذاته، يشير خبراء عسكريون أميركيون، بينهم موظفون سابقون في وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، إلى أن التغيير في السياسة والتركيز على محاربة "داعش" أو "القاعدة"، متعلق بنوعية الخطر والتهديد الذي تراه الإدارة الأميركية يحدق بها.
ويبدو أن الكفة تميل للتركيز على تنظيم "داعش" لأن الأصوات داخل الإدارة الأميركية التي ترى أنه يهدد أمن الولايات المتحدة الداخلي آخذة في الاتساع، بحسب تأكيدات أكثر من مصدر أميركي أخيراً.

إلا أن متاهات الولايات المتحدة لا تقتصر على "داعش" و"القاعدة" وإن اقترنت بالتنظيمين. ففي كتاب صدر، أخيراً، للصحافي والباحث الأميركي، نيك تورس، تحت عنوان "صراعات الغد: حروب أميركا بالوكالة وعملياتها السرية في أفريقيا"، يتحدث الكاتب عن توسّع الولايات المتحدة العسكري، منذ هجمات سبتمبر/أيلول، وحضورها في القارة الأفريقية وتستر الإدارة الأميركية على ذلك.

ويلفت الكاتب في مقابلة أجراها موقع "هافنغتون بوست" معه، إلى أن القارة الأفريقية قبل أحداث سبتمبر/أيلول 2001 لم تكن تعرف انتشار التنظيمات المتطرفة على النحو المتواجد بها الآن، وأن "الحرب على الإرهاب" أدت إلى تفريخ "تنظيمات وجماعات إرهابية" في أفريقيا، وازدادت قوتها بعد الحرب التي قادتها دول التحالف لإسقاط نظام العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، وتفكيك الدولة الليبية وانتشار السلاح. ويتوقع تورس أن تُوسّع الولايات المتحدة من عملياتها العسكرية في أفريقيا وحتى دول أخرى: "أعتقد أن التوسّع في العمليات لا يشكل موجة مؤقتة، بل إنه يمتد إلى المستقبل".

وتجهل الغالبية العظمى من المواطنين الأميركيين أن لمؤسسات بلدهم العسكرية حضوراً في معظم الدول الأفريقية، ولديها عشرات القواعد والمؤسسات العسكريّة من شرق القارة إلى غربها، وأنها تقوم بعمليات بناء وتدريب وتعاون وعمليات عسكريّة سريّة. ويمكن قياس التضخم في الحضور الأميركي في القارة الأفريقية بمقارنة عدد العمليات التي نُفذّت تحت مظلة القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" في عام 2008، وبلغت 172 عملية. لكن، وبحسب تورس، "في العام الماضي قامت "أفريكوم" بـ674 مهمة في أفريقيا، أي بمعدل مهمتين في اليوم الواحد".
ووفقاً لصاحب كتاب "صراعات الغد: حروب أميركا بالوكالة وعملياتها السرية في أفريقيا"، فإن ارتفاع وتيرة العمليات بمثابة "تطور تصاعدي في السنوات الأخيرة ولا أرى أي دليل على أنهم سيبطئون في أي وقت قريب".

وإذا كانت الهجمات التي تشنها جماعات مثل حركة "الشباب" في الصومال وفروع "القاعدة" في أماكن أخرى، هي المبرّر لهذا الوجود العسكري والاستخباراتي الأميركي، وخصوصاً في ظل الغارات من دون طيار التي تحولت إلى أبرز سلاح تستخدمه الإدارة الأميركية لتصفية من تعتقد أنهم يشكلون خطراً عليها، فإن حجم التغلغل العسكري الأميركي في بلاد أخرى ليس مرتبطاً بـ"الإرهاب" والحرب ضده، بل بتموضع الولايات المتحدة الاستراتيجي في هذه القارة المهمّة وبالحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى، وخصوصاً أن الصين تبسط نفوذها اقتصادياً عن طريق المشاريع والقروض والدعم الذي تقدّمه لكثير من البلدان.

هكذا يمكن قراءة تكثيف الحضور الأميركي العسكري في أفريقيا تحت مظلة "الحرب ضد الإرهاب" كمثال على الأرباح السياسية والاستراتيجية التي تجنيها الولايات المتحدة من حرب على "إرهاب" تدور رحاه بعيداً عن أراضيها وضحاياه ليسوا من مواطنيها.

اقرأ أيضاً: لائحة أميركية بأهداف لـ"داعش" خارج العراق وسورية

المساهمون