سعد دوابشة شهيداً

سعد دوابشة شهيداً

09 اغسطس 2015
تردّت حالة سعد قبل استشهاده أمس (الأناضول)
+ الخط -
بعد ثمانية أيام على جريمة إحراق منزل آل دوابشة، وإحراق الرضيع علي دوابشة، دفنت قرية دوما أمس السبت، الأب سعد، الذي استشهد متأثراً بجراحه، قرب قبر ابنه. غير أن حالة من الشك والخوف تسود الشارع الفلسطيني، في ظلّ الخشية من أن يقوم الاحتلال بنشر خبر استشهاد العائلة بصورة متفرقة، للتخفيف من ردّ الفعل على جريمته، في الوقت الذي يتصاعد فيه إرهاب المستوطنين، ويقابله إفلاس تام في الردّ من جانب السلطة الفلسطينية، التي حصرت خياراتها بـ"التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومجلس الأمن وطلب حماية دولية"، وكلها خطوات غير محددة بسقف زمني معيّن.

من جهتها، لا تثق عائلة دوابشة المكلومة بأي معلومة ترشح عن أي مصدر، حول مصير الأم ريهام والابن أحمد، اللذين يرقدان في مستشفى إسرائيلي. ويقول يوسف دوابشة، عم سعد، لـ"العربي الجديد"، إن "مخاوفنا سيطرت علينا من اليوم الأول، من أن يكون وضع العائلة في موت سريري، ويتمّ إخفاء الأمر عنا، وتزويدنا بخبر موتهم على جرعات".

ويضيف بكثير من الصدمة "سمعنا تصريحات لوزير الصحة الفلسطيني جواد عواد يوم الجمعة، من أن هناك تحسناً طفيفاً على حياة سعد وزوجته وابنه، فاستغربت هذه التصريحات، لأنني كنت أعلم منذ أيام عدة أن وضع سعد يتردى، ومساء الجمعة توفي سريرياً، كما أخبرني ابن أختي الموجود في المستشفى". ويشدد على "ضرورة ذهاب وفد طبي فلسطيني إلى المستشفيات الإسرائيلية، وتزويدنا بتقرير يومي عن وضع ريهام وأحمد، ولا نسعى وراء زيارات بروتوكولية للمسؤولين الفلسطينيين فقط".

في السياق، يبدو المشهد الفلسطيني قاتماً، في ظلّ استقواء غير مشهود من قبل المستوطنين، الذين لم يتوقفوا منذ تنفيذ الجريمة يوم الجمعة 31 يوليو/تموز الماضي، عن مواصلة اعتداءاتهم في تحدٍّ سافر لكل شيء. وذلك على الرغم من التوتر الكبير الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، والذي أسفر عن اندلاع التظاهرات في أكثر من مكان، سقط خلالها شهيد وأصيب العشرات، فضلاً عن تنفيذ عملية دهس فلسطينية ضد ثلاثة من المستوطنين في أول رد فعل فلسطيني على الجريمة قبل يومين.

اقرأ أيضاً: استشهاد والد الطفل الشهيد علي دوابشة متأثراً بجراحه بالضفة 

ويقول الناشط الحقوقي في مؤسسة "حاخامين من أجل حقوق الإنسان"، زكريا السدة، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ تنفيذ جريمة الحرق في دوما، يستمر التصعيد الواضح من المستوطنين، فكل يوم هناك اعتداء على المواطنين كما في بلدة قصرة، كما تمّ خلع وحرق أشجار في قرى ترمسعيا والمغير قرب رام الله، وحاولوا قتل سائق على طريق نابلس، وأخيراً سعوا مساء الجمعة لإحراق عائلة المواطن محمود كعابنة جنوب نابلس".
في الجانب الآخر، تبدو السلطة الفلسطينية في حالة إفلاس كامل، وحصرت تحرّكاتها على الصعيد الدولي فقط، عبر المطالبة بـ"تقديم قرار عربي أمام مجلس الأمن ضد الاستيطان، ومناشدة العالم لتوفير حماية دولية"، فضلاً عن التوجّه للمحكمة الجنائية الدولية، وتقديم الجريمة أمامها. وكلها خطوات تحتاج إلى وقت طويل في حال نجحت. ما يعني بقاء الفلسطينيين مكشوفي الظهر أمام 750 ألف مستوطن، ثلثاهم من المسلّحين، ويعيشون في مستوطنات وبؤر استيطانية مصنّفة حسب مؤسسات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية ودولية، بأنها "خطيرة وتؤوي مستوطنين شرسين".

وفي هذا الصدد، يقول الخبير في القانون الدولي رزق شقير لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد سقف زمني لتقديم الجرائم والنظر فيها من قبل الجنائية الدولية، لأنه قبل تقديمها يجب استيفاء كل إجراءات المحاكم التي تقوم بها إسرائيل، فدور المحكمة تكميلي، أي يأتي بعد المحاكم الوطنية وهي المحاكم الإسرائيلية في هذا السياق".

وكان الرئيس محمود عباس، قد طالب في كلمته في الخامس من الشهر الجاري، أمام لجنة متابعة مبادرة السلام العربية (لجنة المتابعة) في القاهرة، بـ"حماية دولية للشعب الفلسطيني الذي بات المستوطنون يحرقون أفراده وهم على قيد الحياة".

ويشير مصدر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كل دعوات الرئيس والقيادة الفلسطينية لم تجد صدى في الشارع الفلسطيني، الذي كان ينتظر قراراً بإنشاء لجان حراسة شعبية تحمي المواطنين من إرهاب المستوطنين، ولعل جريمة دوما كانت أكبر محرك لهذا القرار". ويضيف "نعلم أن الأمر شائك بسبب اتفاقية أوسلو، لكنْ هناك طرق كثيرة لتشكيل لجان فاعلة".

وإلى جانب عدم تشكيل لجان مقاومة شعبية أو دعم تشكيلها بشكل غير مباشر، تنشط السلطة بالتنسيق الأمني، وقامت الأجهزة الأمنية بإعادة ثلاثة مستوطنين ضلّوا طريقهم في الضفة الغربية، بعد أقلّ من 48 ساعة على تنفيذ الجريمة. كما أثارت تصريحات قادة حركة "فتح" التي جاءت عقب جريمة دوما، ودعت إلى تسليح الشعب الفلسطيني، موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويقول في هذا السياق، رئيس مجلس قروي قرية قصرة جنوب نابلس، عبد العظيم وادي، لـ"العربي الجديد": "جلسنا مع الرئيس محمود عباس في الثاني من أبريل/نيسان 2014، وشرحنا له خطورة الوضع الذي تعيشه القرية والاعتداءات اليومية التي يتعرّض لها المواطنون من حرق البيوت والمسجد، والمركبات، وطالبنا بضرورة دعم لجان حراسة شعبية، لكن دون جدوى".

وتابع "لقد تواصلنا مع كل مستويات القيادة من اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير والحكومة ووزرائها، وأيضاً دون جدوى، لذلك أخذت القرية على عاتقها تشكيل لجان مقاومة شعبية على ودون أي دعم رسمي". ويتابع "نعم هناك تخلّ كامل عنا، وقريتنا مهمشة وليست على جدول أولويات السلطة".

ويضيف "لا نريد أن ننتظر إلى الأبد، لذلك شكّلنا لجان حراسة من شباب القرية، والعدد يقل ويزيد حسب توفر الشباب، الذين يتراوح عددهم من ثمانية شبان إلى 30 شاباً في عطل نهاية الأسبوع". ويتسلح هؤلاء الرجال بالعصي والهواتف الخلوية، أمام المستوطنين المسلحين بأكثر الأسلحة الأوتوماتيكية تطوراً، إذ يقوم الشبان في حال وجود هجوم من قبل المستوطنين على القرية بالاتصال بمؤذّن الجامع، الذي يبدأ بتوجيه نداء لأهالي القرية البالغ عددهم 6400 نسمة، ليخرجوا من منازلهم بالعصي والحجارة لمواجهة المستوطنين.

المساهمون