عقد على مجزرة شفاعمرو... إرهاب المستوطنين يتمدّد

عقد على مجزرة شفاعمرو... إرهاب المستوطنين يتمدّد

04 اغسطس 2015
الأحزان لم تفارق عائلات الشهداء (العربي الجديد)
+ الخط -

عشرة أعوام من الألم والحزن اللامتناهي، تعشّش في قلوب ذوي شهداء مجزرة شفاعمرو، التي ارتكبها المستوطن عيدن ناتان زادة، في الرابع من أغسطس/آب 2005، داخل حافلة كانت قد وصلت لتوها من مدينة حيفا إلى مدينة شفاعمرو، فقتل أربعة من أهالي شفاعمرو وجرح آخرين. ويستعد أهالي المدينة لإحياء ذكراهم بمسيرة ومهرجان خطابي مساء اليوم الثلاثاء.

فايزة تركي والدة الشهيدتين دينا وهزار تركي، اللتين قُتلتا في مجزرة شفاعمرو إضافة إلى ميشال بحوث ونادر حايك، يعيد إليها استشهاد الشاب الفلسطيني ليث الخالدي، الأحزان التي لم تفارقها طيلة عشرة أعوام، وتقول لـ"العربي الجديد": "على مدار 10 سنوات لم تغب هزار ودينا عن قلبي ولا عقلي ولا لساني. أدخل إلى غرفتهما أتنقل بين سريريهما، وأستشعر وجودهما".

ليس غريباً أن يكون من أحرقوا الطفل علي دوابشة ومن قبله الفتى محمد أبو خضير، وتسببوا بمقتل ليث، ينتمون إلى بيئة المستوطنين التي خرّجت من قبل قاتل دينا وهزار تركي.

خلال حديث فايزة تركي لـ"العربي الجديد"، انضمت إليها هزار ودينا تركي، حفيدتاها اللتان تحملان اسمَي عمّتيهما الراحلتين، ضمتهما الجدة بقوة كأنها تستشعر فيهما ابنتيها وتستنشق منهما رائحة الراحلتين.

بيت إقبال بحوث، شقيق الشهيد ميشال، لا يختلف في الحزن عن بيت تركي، ويروي إقبال لـ"العربي الجديد" أن والدته أنيسة لم تعد في حالة جيدة، "فهي لم تعد تميّز أحداً من الناس"، مضيفاً: "منذ استشهاد شقيقي لم يشغلها شيء آخر. عندما كانت في وعيها كانت تتحدث دائماً عن المجزرة وتعي تفاصيلها، لكن الحزن على ميشال نهش صحتها، وسرّع في ضياعها، فغدت منذ نحو عامين لا تعرف أحداً ولا تعي شيئاً. بقيت تبكي طالما كانت في وعيها".

ما إن استذكر شقيقه حتى فاضت عينا إقبال بالدموع، قائلاً: "أنا الشقيق الأصغر للشهيد وجمعتني معه ذكريات كثيرة، فقد كنا مقربين جداً وتجمعنا مغامرات مشتركة. عشر سنوات مرت ولكن كأنها اليوم، فشريط الأحداث لا يغادر قلوبنا ويعتصر فيها ألماً ويبث فيها حزناً". ويشير إقبال إلى أن الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين تهزّه من الداخل، ولكنها تهزّه أكثر عندما يرتكبها مستوطنون، "ففاشيتهم وجرائمهم مستمرة، وليس هناك من يردعهم".

أما نزيه حايك، شقيق الشهيد نادر حايك، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه "بعد عقد من الزمان على مجزرة شفاعمرو، تسوء الأمور أكثر يوماً بعد يوم، فالجرائم مستمرة وآخرها إحراق بيت عائلة دوابشة وقتل الرضيع"، مضيفاً: "المستوطنون لا يكفّون عن جرائمهم. أما نحن كفلسطينيين في الداخل، فقد أثبتت مجزرة شفاعمرو، أن مستقبلنا غامض ويبقى على كف عفريت، على الرغم من كوننا أهل البلاد والوطن. فنحن دائماً معرّضون لعمليات إرهابية".

ويرى حايك أن "العدالة لا تتحقق عندما نكون نحن الضحية والفاعل يهوديا. المؤسسة تكيل بيننا وبين اليهود بمكيالين، ولا أرى أبداً أن نهج الحكومات الإسرائيلية يتغيّر للأفضل. فقدنا أحبّتنا في مجزرة شفاعمرو وهناك آخرون معرّضون لفقدان أحبتهم طالما لم يتحسن أي شيء".

اقرأ أيضاً: محرقة نابلس: إرهاب المستوطنين يحصد علي في مهده

معتقلون ظلماً

عندما كان الإرهابي ناتان زادة يطلق نيرانه على جميع من في الحافلة بعشوائية لإدراكه أن جميعهم عرب، وبعد أن أردى عدداً من الركاب وأصاب آخرين، تشجّع البعض لصده، منعاً لسفك المزيد من الدماء، وكان أن انتهى الأمر بمقتله تحت أقدام من حاولوا صده، أو أولئك الذين تدافعوا لإخراج الشهداء والجرحى.

"العدالة" الإسرائيلية حوّلت الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد، فبدل أن تُحاكم وتُلاحق البيئة التي خرج منها الإرهابي الذي كان أيضاً بزيّه العسكري يوم ارتكابه المجزرة، صبّت جهودها في ملاحقة من اعتقلوه أو زعمت أنهم قتلوه، واعتقلت سبعة شبان، ادّعت ضلوعهم في مقتله، كان بينهم جميل صفوري، الذي خرج قبل نحو شهرين بعد قضاء ثلثيّ محكوميته بشروط مقيدة، ليبقى رهن الحبس المنزلي كل يوم ابتداء من الساعة الثامنة مساء وحتى السادسة صباحاً، لمدة ستة أشهر.

يقول صفوري لـ"العربي الجديد" إنه كباقي المعتقلين الذين بقي منهم اثنان خلف القضبان، سُجنوا ظلماً، "فادعاءات المؤسسة الإسرائيلية باطلة. أما اليوم، فإن وضعي قيد الإقامة الجبرية في المنزل من ساعات المساء وحتى الصباح زيادة في الظلم والعدوان. إنها فترة صعبة، يبدو فيها كأنني حصلت على حريتي لتواجدي في البيت لكن الواقع هو غير ذلك فأنا مقيّد".

ويضيف صفوري: "الإرهابي ناتان زادة ليس مجرد شخص في نظرنا لكنه مؤسسة بحد ذاتها مع الكثير من أمثاله، الذين يتحينون الفرصة لقتل العرب لمجرد كونهم عرباً مثلما حدث في شفاعمرو. وبعد هذا نحن من نُحاكم فيما يبقى المجرمون الحقيقيون طلقاء، والمجرم لم يغرد خارج السرب فإسرائيل تربي على العنصرية وتشجع جرائم المستوطنين". ويشدد على أن "قضية شفاعمرو هي قضية جميع الفلسطينيين، وحان الوقت لنفكر بطريقة أخرى، فمن حقنا التوجّه لمؤسسات دولية دفاعاً عن حقوقنا، إذا لا نزال نُقتل بدم بارد وتُهدم بيوتنا وتُصادر أراضينا ويُشرد أبناء شعبنا، وكل هذا مرتبط ببعضه وهنا لا يوجد من يحمينا".

وحدة في وجه الظلم

من جهته، يقول عضو بلدية شفاعمرو واللجنة الشعبية مراد حداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد عشر سنوات على مجزرة شفاعمرو، فإن ناتان زادة لم يمت فعلياً، إذ إن ما يُسمى بعمليات جباية الثمن، التي تستهدف الفلسطينيين ومقدساتهم وبيوتهم، لا تزال مستمرة، وإحراق الطفل الشهيد علي دوابشة وأفراد أسرته يؤكد أن الفكر العنصري والفاشي متجذر عند مجموعات المستوطنين". ويرى أن "المطلوب اليوم هو وحدة الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه. ووحدتنا كفلسطينيين في الداخل لنتمكّن من التصدي لهذه الجرائم ورد الصاع صاعين"، مضيفاً "بعد عشر سنوات على المجزرة الأمور تزداد سوءاً، بل إن للإرهاب والتطرف حكومة رسمية تحميه وترعاه".

في السياق نفسه يتحدث عضو اللجنة الشعبية وبلدية شفاعمرو زهير كركبي لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "مر عقد من الزمان على المجزرة لكنها لا تزال راسخة في أذهاننا. ومن مآسينا أنه لا يزال هناك معتقلان يقبعان في السجن ظلماً، في ظل تحويل المؤسسة الإسرائيلية الضحية إلى جلاد". ويضيف: "أحداث دوما أكدت مجدداً، أن الحكومة تشجع المستوطنين وتدفعهم إلى ارتكاب المجازر، فالبيئة الحاضنة نفسها التي خرج منها منفذ مجزرة شفاعمرو، لا تزال نشطة في أماكن أخرى، فيما لا يقوم (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو وزمرته بصدهم ولا يقوم القضاء الاسرائيلي بملاحقتهم، ولذلك لا أمل في العدالة الإسرائيلية".

ويؤكد كركبي أن "قضية شفاعمرو قضية جميع الفلسطينيين، فهي نتاج الحقد والعنصرية والكراهية"، داعياً فلسطينيي الداخل إلى أكبر مشاركة في إحياء ذكرى المجزرة مساء اليوم الثلاثاء.

اقرأ أيضاً: الصحف الإسرائيلية تقرأ جريمة نابلس: حكومة نتنياهو المسؤولة