معارك "كونية" في الكونغرس الأميركي لحسم مصير الاتفاق النووي

معارك "كونية" في الكونغرس الأميركي لحسم مصير الاتفاق النووي

04 اغسطس 2015
رفع البيت الأبيض نبرة المواجهة ضد المعرقلين (Getty)
+ الخط -
لا تهدأ الاتصالات الهاتفية المناهِضة للاتفاق النووي مع إيران في مكاتب أعضاء الكونغرس الأميركي، على مدار الساعة. كما لا تهدأ خلية النحل التي تديرها لجنة الشؤون العامة الأميركية ــ الإسرائيلية (إيباك)، التي قرّرت خوض معركة مباشرة مع إدارة الرئيس باراك أوباما في أروقة الكونغرس. جمعت اللجنة، الأسبوع الماضي، السفراء الأوروبيين المعتمدين لدى واشنطن، وتستقبل هذا الأسبوع، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو.

هي معركة كونية بامتياز في الكونغرس الأميركي، كما أنّها آخر أوراق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لإجهاض الاتفاق النووي مع إيران. وبالتالي، هناك إجماع بين حلفاء واشنطن الأوروبيين، أنه يجب المساعدة بكل الوسائل الدبلوماسية المتاحة ليعبر الاتفاق النووي، الكونغرس بأقل خسائر ممكنة. حتى الساعة، مهما حصل في الكونغرس، سيكون "فيتو" البيت الأبيض بالمرصاد. كما تسعى إدارة أوباما إلى كسب المعركة بأكبر قدر ممكن من الإجماع بين أعضاء الحزب الديمقراطي قبل دخول مجلس الشيوخ في إجازته الصيفية في العاشر من الشهر الحالي.

كانت آخر محاولات إدارة أوباما، طلب مساعدة سفير بريطانيا، بيتر ويستماكوت، وسفير ألمانيا، بيتر ويتيغ، وسفير فرنسا، جيرار آرو، وسفير الاتحاد الأوروبي لدى واشنطن، ديفيد أوساليفان. كانت الغاية الرئيسية من هذه الاجتماعات المغلقة، إيصال رسالة إلى الكونغرس مفادها أن التسوية مع إيران هي اتفاق دولي وليس صنيعة إدارة أوباما. يقضي هؤلاء السفراء، منذ أسابيع، وقتاً كبيراً من جدول أعمالهم، في جلسات ثنائية مع أعضاء الكونغرس لتفسير تفاصيل الاتفاق وأهمية الإجماع الدولي حوله، بالتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية ضمن خطة متقنة لتسويق الاتفاق.

على الجبهة المناهضة، هناك السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، رون ديرمر، الذي يقضي وقته أيضاً في إقناع أعضاء الكونغرس، بأنها ليست نهاية العالم، إذا ما تمّ وقف الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في 14 يوليو/تموز الماضي.

يوم غد الأربعاء، سيكون موعد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مع أمانو، كي يشرح لهم في جلسة مغلقة، ماهية الاتفاق الذي وقعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع إيران. كما سيتطرق أمانو إلى هواجس أعضاء اللجنة حول وجود أي قطبة مخفية في هذا المجال من دون الكشف عن المعلومات التي أودعتها طهران خلال زيارة أمانو الأخيرة إلى إيران، والمتعلقة بأنشطة الأخيرة النووية السابقة وبآلية زيارة مفتشي الوكالة للمواقع النووية الإيرانية. لكن إدارة أوباما نأت بنفسها عن زيارة أمانو إلى واشنطن، مشيرة إلى أن "وكالة الطاقة مؤسسة مستقلة ونحن لم نشجعها أو نثنِها عن هذه الخطوة".

على مستوى حسابات المعركة في الكونغرس، لم تتغير الصورة بعد. في حال صوّت الكونغرس ضد الاتفاق، سيكون "فيتو" أوباما جاهزاً. حينها، سيحتاج الكونغرس إلى ثلثي أصوات الأعضاء لتجاوز الـ"فيتو"، أي تحتاج إدارة أوباما إلى 44 صوتاً ديمقراطياً في مجلس النواب و13 صوتاً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ كخط دفاع. لا يوجد مفاجآت كبيرة في مجلس النواب الذي دخل في عطلة الصيف الأسبوع الماضي. فالقيادات الديمقراطية الرئيسية فيه متماسكة مع أوباما حول الاتفاق النووي، وبالتالي لن يملك الجمهوريون على الأرجح ثلثي الأصوات. تتركز المعركة على 15 سيناتوراً ديمقراطياً متردداً في مجلس الشيوخ الذي سيدخل عطلة الصيف أيضاً، مع نهاية الأسبوع الحالي.

اقرأ أيضاً: نووي إيران في الكونغرس

لم يعلن، حتى الساعة، أي سيناتور ديمقراطي على لائحة المترددين، رفضه الصريح للاتفاق، لكن هناك شكوكا حول مدى التزام السيناتور البارز عن ولاية نيويورك، اليهودي الأميركي، تشاك شومر، بقرار الحزب.

عنونت صحيفة "النيويورك بوست"، المحافظة، على صفحتها الأولى، "أين تشاك"؟ في إشارة إلى غيابه التام وصمته وسط حملة غير مسبوقة من المجموعات اليهودية الأميركية في نيويورك ضد الاتفاق النووي. لكن هناك ضغطا مضادا من القيادات الديمقراطية في الكونغرس على الأعضاء المترددين، ما قد يدفعهم إلى التفكير بمستقبلهم السياسي. تردُّد شومر، يرتبط أيضاً بكونه أحد أبرز المرشحين لقيادة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ عام 2017. هناك أيضاً السيناتور الديمقراطي كريس كون، الذي أقنعه أوباما شخصياً بالتصويت على الاتفاق النووي، أصبح متردداً الآن، نتيجة الضغوط المنظمة التي يتعرض لها في ولايته ديلاوار.

القيادات الديمقراطية في الكونغرس مرتاحة لحسابات الفوز، وتتمنى أن يتم التصويت اليوم قبل أي يوم آخر، لأنها تخشى من تغيّر موقف أعضاء الكونغرس خلال العطلة، إذ يتوقع أن يتعرضوا لضغوط عند العودة إلى ولاياتهم عبر اتصالات هاتفية وعروضات ولقاءات شعبية تنظمها مجموعات الضغط على المستوى المحلي. يعود الكونغرس من العطلة في 8 سبتمبر/أيلول المقبل، وسيكون لديه مهلة حتى 17 سبتمبر/أيلول للتصويت على الاتفاق النووي.

كما دخل أوباما أيضاً على خط الناشطين المؤيدين للاتفاق، إذ أجرى اتصالاً، نهاية الأسبوع الماضي، مع عدد كبير من أعضاء مركز "التقدم الأميركي" (مركز أبحاث في واشنطن يميل إلى اليسار)، وحثّهم على العمل لصالح الاتفاق. وأشار أوباما إلى أن معارضي الاتفاق ينهالون بالاتصالات الهاتفية على مكاتب أعضاء الكونغرس، ويصرفون 20 مليون دولار على الإعلانات التلفزيونية. كما ذكر أوباما أن الأصوات ذاتها التي كانت مع غزو العراق عام 2003، ترفض الآن الاتفاق النووي مع إيران.

في المقابل، رفع البيت الأبيض نبرة المواجهة، تعليقاً على الأموال المخصصة لرفض الاتفاق النووي، إذ صرّح المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، أنّ أوباما فاز في انتخابات عامي 2008 و2012، على الرغم من أنّ المعارضة أنفقت ملايين الدولارات ضده".

كما بدأ، هذا الأسبوع، أغلبية الأعضاء الجدد في الكونغرس (أكثر من 60 عضواً) زيارة تمتد لأسبوع إلى إسرائيل. هي زيارة سنوية تنظمّها "إيباك" على نفقتها، ويتوقع أن تغتنم المنظمة الفرصة لتشجع الأعضاء على رفض الاتفاق. خصصت "إيباك" حوالي 40 مليون دولار على حملات إعلانية في أكثر من 40 ولاية، فيما خصّصت منافستها الليبرالية "جاي ستريت"، 5 ملايين دولار فقط، على الرغم من أنّ أكثرية اليهود الأميركيين، ذات ميول ليبرالية وتؤيد الاتفاق النووي (48 مقابل 28 في المائة) بحسب استطلاع لمجلة "لوس أنجلس" اليهودية. في وقت يضخ الملياردير شيلدون أديلسون، المقرب من نتنياهو، أموالاً طائلة لتسويق رفض الاتفاق عبر "إيباك" و"اللجنة اليهودية الجمهورية" الأكثر تشدداً في هذه القضية.

اقرأ أيضاً: يهود أميركا يعارضون الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي

المساهمون