أزمة "البيت الشيعي": الانقسامات والإصلاحات تهدّد التحالف العراقي الحاكم

أزمة "البيت الشيعي": الانقسامات والإصلاحات تهدّد التحالف العراقي الحاكم

28 اغسطس 2015
التظاهرات والإصلاحات ساهمت في تفجر الخلافات داخل التحالف(فرانس برس)
+ الخط -
تتعدد الأزمات التي مرّ بها التحالف الوطني في العراق منذ تأسيسيه قبل أكثر من عشر سنوات، وتحوله إلى الكتلة الأكبر سياسياً منذ الاحتلال الأميركي في مارس/آذار 2003 لغاية اليوم، لكنها دخلت مرحلة جديدة أخيراً. 
ويواجه التحالف تصدعاً في صفوفه على خلفية التظاهرات الحالية التي يشهدها العراق، والتي يتوقع أن تكون تظاهرات اليوم أكبرها، وخصوصاً بعد الخلافات التي فجّرتها الإصلاحات التي ينفذها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وقد ساهمت إصلاحات العبادي، التي تشمل إقالة نواب رئيسي الجمهورية ورئيس الوزراء، فضلاً عن ترشيد عدد الوزارات وإجراءات أخرى، في تحريك مياه الفساد الراكدة، وإعادة إظهار فشل التحالف في إدارة أمور البلاد الأمنية والسياسية، حيث ظل الطابع الطائفي يحكم سياسته العامة.

توحّد بقوة الفتاوى الدينية

على خلاف باقي الكتل السياسية العراقية الأخرى، ظلت الكتل والأحزاب الشيعية موحدة ضمن مشروع تم إطلاقه في العام 2004 تحت مصطلح "البيت الشيعي العراقي". ويضم هذا التحالف كتلاً كبيرة وأخرى صغيرة، أبرزها حزب الدعوة بزعامة نائب رئيس الجمهورية المُقال، رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، فضلاً عن المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وحزب الفضيلة بقيادة عمار الطعمة ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري وحركة مستقلون بزعامة حسين الشهرستاني.
يشغل هذا التحالف 180 مقعدا في البرلمان العراقي من مجموع عدد المقاعد البالغة 328، ويأتي بعده بالترتيب تحالف القوى الوطنية (الكتل السنية)، في حين يحل ثالثاً التحالف الكردستاني. وتتنافس باقي الكتل والأحزاب الصغيرة في ما بينها على مقاعد لا تتجاوز 10 في كل دورة انتخابية.
يلتزم أعضاء التحالف الوطني بفتاوى دينية من مراجع النجف تحرّم فيها تفككهم ودخولهم بالانتخابات على شكل أحزاب منفردة، وذلك لضمان بقاء منصب رئاسة الحكومة بيد هذا التحالف. ويتهم خصوم التحالف الفتوى بأنها طائفية موجهة ضد الآخرين وترسّخ لحالة الانقسام الحاصلة في البلاد اليوم.

اقرأ أيضاً: نواب الرئيس العراقي يتمرّدون على إصلاحات العبادي ويتمسّكون بمناصبهم -

خلافات متعددة

يدور الخلاف الحالي، وحتى السابق، بين أعضاء التحالف حول نقاط عدة، كل طرف في التحالف يعتبرها مفصلية. ويشار إلى أن المالكي، كان ولا يزال مهندس تلك الخلافات. وسبق أن اتهم التيارُ الصدري المالكي بأنه مهندس الفرقة والمشاكل في العراق بشكل عام والتحالف على نحو خاص. وتهدد بعض تلك المشاكل بانشقاق التحالف.

يقول مصدر رفيع داخل التحالف الوطني لـ"العربي الجديد" إنّ الخلافات كبيرة ولم يعد بالإمكان إخفاؤها أكثر، وهناك طروحات تخوين واتهامات بين القادة قد تتطور إلى انقسامات بين الحشد الشعبي، إذ تتبع الفصائل العاملة في الحشد الشعبي لكتل وأحزاب مختلفة داخل التحالف. وتساهم مليشيات الحشد الشعبي، إلى جانب الجيش العراقي، في المعارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكنها تتهم بارتكاب انتهاكات وجرائم واسعة في ظل غياب أي رقابة أو محاسبة لها.
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الخلافات الأبرز هي آلية توزيع المناصب الحكومية بين مكونات التحالف. حزب الدعوة بزعامة المالكي يسيطر على منصب رئيس الوزراء منذ نحو 10 سنوات بينما يتولى أعضاء التيار الصدري الوزارات الخدمية. في المقابل يحظى المجلس الأعلى بوزارة سيادية وأخرى من غير حقيبة، في حين تُمنح الكتل الصغيرة مناصب رئاسة الهيئات والسفراء ووكلاء الوزارات". ووفقاً للمصدر نفسه فإن "هناك مِن داخل التحالف من يرى أن القسمة غير عادلة، ويطالب بإعادة النظر فيها".
ويشير المصدر إلى مشكلة أخرى يواجهها التحالف تتمثل في اختيار رئيس للتحالف. ولا تزال هذه المشكلة قائمة للعام الثاني على التوالي، إذ لا يوجد رئيس للتحالف على عكس باقي الكتل النيابية. ويتنازع على منصب رئيس التحالف كلّ من عمار الحكيم ونوري المالكي. وسبق أن رفضت بعض الأطراف داخل التحالف مقترحاً إيرانياً بأن يكون المنصب دورياً، بما يتيح اختيار رئيس جديد كل ستة أشهر وبالتناوب. ويوجد انقسام بين أعضاء التحالف على الحكيم والمالكي.
ومن المشاكل الإضافية، تبرز أيضاً الخلافات حول إدارة المراقد الدينية في النجف وكربلاء وبغداد، فضلاً عن مشاكل ثانوية داخلية عدة وتاريخ مليء بالتنافس والعداءات الشخصية.
كما يتبادل الشركاء في التحالف التهم بالمسؤولية عن خسارة الحليف الكردي القوي الذي مثل "بيضة القبان" في كل دورة انتخابية منذ الاحتلال الأميركي للعراق. إذ لطالما صوت الأكراد لصالح التحالف في تسلّمه منصب رئاسة الوزراء مقابل الجمهورية للأكراد بينما رئاسة البرلمان تكون من حصة السنة. ولا يبدو أن هذا التقسيم الطائفي الذي درج العراق عليه منذ نحو 13 عاماً سيبقى على حاله في حال استمرت الخلافات الداخلية داخل التحالف، فضلاً عن استمرار التوتر بين التحالف والأكراد، على غرار الوضع الراهن. وتعد ملفات تصدير النفط الكردي، المناطق المتنازع عليها، ومسألة سحب منصب رئاسة أركان الجيش من الأكراد أخيراً عقب إقالة الفريق بابكر زيباري من المنصب، أبرز عناوين الخلاف بين التحالف الوطني والأكراد.

اقرأ أيضاً: اللافتات عنصر أساسي في تظاهرات العراق

أزمة إصلاحات العبادي

إلا أن المشكلة الجديدة المتمثلة في إصلاحات العبادي وإطاحته بالمالكي ودخول إيران على الخط تعد الأخطر، إذ فجرت الخلافات داخل التحالف  على نحو غير مسبوق. وفي السياق، تكشف مصادر حكومية عراقية عن وقوع خلاف حاد بين قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، وبين ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على خلفية قرارات الأخير الإصلاحية وإقالته شخصيات سياسية بارزة تمثل الجناح الموالي لإيران في بغداد، يتقدمهم نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي فضلاً عن إجراء رئيس الوزراء العراقي لتغييرات كبيرة في قيادة الجيش ووزارة الداخلية، عبر إقالة ضباط كبار من دون استشارة طهران.

ويوضح وزير عراقي بارز، تحدث لـ"العربي الجديد" هاتفياً، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن الزيارة الأخيرة لسليماني إلى بغداد لحل الأزمة السياسية داخل التحالف الوطني لم تكن موفقة. ويلفت المصدر إلى أنّ نسبة التوتر بين العبادي وسليماني ارتفعت على خلفية رفض الأول ضغوط الثاني لتعديل ورقة الإصلاح التي أطلقها رئيس الحكومة العراقي وشملت شخصيات بارزة مقربة من طهران، فضلًا عن قيام العبادي بإيقاف تحويلات مالية إلى دمشق عبر البنك المركزي العراقي لأسباب مجهولة.
من جهته، يعزو القيادي في كتلة الأحرار الصدرية، حميد الكاظمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الخلافات الحالية إلى "ضغط الشارع ومحاولة كل حزب وكتلة النجاة بنفسها والنأي عن فشل التحالف الوطني في إدارة الوطن بالنحو الصحيح"، مبيناً أنّ أياً من الكتل لا تمتلك الشجاعة لتعلن أمام جمهورها أنّها مقصرة.
ويرى الكاظمي أن التظاهرات التي تخرج حالياً "موجهة بشكل خاص نحو التحالف الوطني الحاكم، فهو من يمتلك مقادير البلاد وحتى الآن لا أمن، لا ماء، لا كهرباء، لا استقرار، فضلاً عن انتشار الجوع والفقر والتشرد. ويضاف إلى ذلك طائفية وإرهاب يحرق البلاد، وجماعات مسلحة". ويخلص القيادي في كتلة الأحرار الصدرية إلى القول "علينا أن نكون صادقين في هذا التوصيف، فلا السنة ولا الأكراد كانوا أصحاب قرار بفعل أن الحكم كان للتحالف الوطني وليس لهم".

اقرأ أيضاً الفساد في العراق بالجملة: 90 باباً للسرقة

أما الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المنتمية إلى المذهب الشيعي، حسين مؤمن الموسوي، فيعتبر أنّ الخلافات داخل التحالف الوطني أعمق من مسألة توزيع المناصب أو إصلاحات العبادي". ويتحدث الموسوي من بغداد لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، قائلاً إن "هناك خلافات أيديولوجية حادة داخله، فنصف التحالف يتبنى مشروع الوصاية الإيرانية، ويضم هذا التيار حزب الدعوة وحزب الفضيلة ومنظمة بدر وأهل الحق، بينما يعارض كل من المجلس الأعلى والصدريون والمستقلون أن تكون الإرادة السياسية في العراق محكومة من إيران". ووفقا للموسوي يرى التيار المعارض للوصاية الإيرانية أنّ "العلاقة لا يجب أن تكون مبنية على التبعية بقدر ما هي تعاون وتحالف في قضايا مهمة". ويشير الموسوي إلى أنهم "يعترضون على إقحام إيران في كل قضية من قبل الطرف الأول، كما حصل أخيراً مع المالكي الذي ذهب شاكياً لطهران ما أقرّه العبادي من إصلاحات".

يعتبر الموسوي أن وجود المرجع الديني البارز علي "السيستاني حالياً هو من يمنع انهيار هذا التحالف بفعل فتوى دينية منه. وفي حال وفاة الرجل الذي تجاوز عقده الثامن فإن التحالف سيتفكك بلا أدنى شك".
ولأول مرة منذ اشتعال الأزمة تبادل أطراف التحالف الاتهامات العلنية حول ارتكاب كل طرف منهم لانتهاكات ومخالفات قانونية تتعلق بقضايا وجرائم فساد وقتل. وهو ما أدى إلى تأجيل اجتماع التحالف، الذي كان مقرراً عقده منذ الحادي عشر من شهر آغسطس/آب الحالي. وارتفع عدد مرات التأجيل إلى ست مرات بسبب مقاطعة بعض ممثلي الكتل لاجتماع التحالف. وقد اتهم نائب رئيس الجمهورية المُقال نوري المالكي، رئيس لجنة التحقيق بسقوط الموصل، القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، بأنه وضع اسمه ضمن المتورطين إرضاءً للآخرين، ملمحاً إلى ارتكاب الزاملي جرائم طائفية وأخرى متعلقة بفساد مالي في العام 2006 عندما كان وكيلاً لوزير الصحة بقول المالكي "الذين زجوا باسمنا هم أنفسهم متهمون بجرائم قتل طائفية وسرقة". ورد الزاملي على المالكي، متهماً الأخير بأنه "تسبب بتمزيق العراق وانتشار الطائفية ودخول داعش وتنفيذ جرائم قتل طائفية بحق متظاهرين ومواطنين ومعتقلين في السجون".

انقسامات علنية

يقول محمد الساري، عضو التحالف الوطني السابق عن الدورة الانتخابية الماضية، في حديث لـ"العربي الجديد" إن التحالف أصبح منقسماً إلى فريقين بلا أدنى شك بفعل التطورات الأخيرة، معتبراً أن محاولات إيجاد تسوية للخلافات لا تزال متأخرة بفعل تزمت وإصرار بعض كتل التحالف، محذراً من أن "طول أمد الأزمة ليس من صالح الجميع".

ويعرب الساري عن خشيته من انتقال الخلافات إلى الأجنحة العسكرية للتحالف المتمثلة بالحشد الشعبي، إذ إن حدوث مثل هذا التطور سيصب في صالح تنظيم "داعش"، ولا سيما مع استمرار انهيار المنظومة العسكرية العراقية، مشيراً إلى أنّ هناك أصواتا من أنصار الطرفين لوّحت بالأمر بشكل أو بآخر ضمن لعبة الضغوط المتبادلة. ويلفت الساري إلى أنّ إيران فشلت في إقناع التيار الصدري والمجلس الأعلى في حل بعض الخلافات، في سابقة تسجل في التحالف الذي حظي منذ بداية تأسيسه بدعم طهران.
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين العراقية، فاهم العبيدي، أنّ "أزمة التحالف الحالية تتعلق بكل العراق وليست شأناً داخلياً كون الحكم قائم داخل هذا التحالف السائر نحو التفكك".
ويلفت العبيدي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "جميع قادة التحالف متفقون على أهمية عدم خروج منصب الحاكم منهم لكنهم يتصارعون عليه بشكل أو آخر، لذا نجد أن تحالفات داخلية حصلت داخل التحالف الوطني، ووضحت أخيراً". ووفقاً لأستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين، فإن العبادي متجه للالتصاق بالصدريين والمجلس الأعلى وهو قريب من التحالف معهما، معتبراً أن هذا الأمر "ينذر بتفكك حزب الدعوة نفسه الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي".

اقرأ أيضاً: خبراء إيرانيون يهيمنون على سلاح الجو العراقي

المساهمون