حرب التهجير: مجازر الغوطة لرسم "سورية المفيدة"

حرب التهجير: مجازر الغوطة لرسم "سورية المفيدة"

24 اغسطس 2015
يقوم النظام بعملية تطهير ديمغرافي في الغوطة (الأناضول)
+ الخط -
يرى كثيرون أن "المخطط الإيراني" في سورية، القاضي بإجراء تغيير ديمغرافي ضمن ما تسمّيه طهران "سورية المفيدة"، تحوّل من مجرّد تكهنات وتحليلات إلى واقع علني. يُمكن فهم المجازر الكبيرة في غوطة دمشق الشرقية، التي تركّز على استهداف المدنيين، ضمن سياق هذا المخطط، والتي كان آخرها المجزرة في دوما أول من أمس، والتي راح ضحيتها نحو خمسين قتيلاً من المدنيين. يحدث ذلك بعد فشل كل محاولات تهجير السكان من محيط دمشق، سواء من خلال الهِدَن والمصالحات بعد إحكام الحصار أعواماً عدة، ومن ثم إخراج السكان من مناطقهم كبند أساسي من بنود الهدنة، وهو الأمر الذي لم ينجح إلى الآن في محيط دمشق، وبشكل خاص في غوطتها الشرقية.

وباتت الأدلة كثيرة على أن المخطط الإيراني يقوم على تأمين المناطق التي تقع ضمن ما يُسمّى "سورية المفيدة" سواء من الناحية العسكرية، أو من الناحية الديمغرافية، وتضمّ الساحل السوري، وكلّاً من محافظتي حمص ودمشق. وقد أشار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في حديثه الأخير، إلى أن "هناك مناطق تتمتع بأهمية أكثر من مناطق أخرى، الأمر الذي يجعل قواته تضطر للتخلي عن بعض المناطق غير المهمة لحماية المناطق الأكثر أهمية". ويشير الأسد بذلك إلى أن المناطق "الأكثر أهمية"، هي المناطق التي تقع ضمن سورية التي تسعى إيران للحفاظ عليها. وبرز في هذا الصدد أيضاً، ما شهدته المفاوضات بين إيران و"حركة أحرار الشام" بما يخص منطقة الزبداني، لجهة استماتة الجانب الإيراني على تمرير موضوع استبدال سكان الزبداني المعارضين للنظام، بسكان بلدتي الفوعة وكفريا من المذهب الشيعي، المواليتين لإيران.

ويتبع النظام وحزب الله اللبناني في مدينة الزبداني، سيناريو مشابهاً لسيناريو القصير، يعتمد على سياسة "الأرض المحروقة"، وتهجير السكان من خلال تدمير مدينتهم بشكل كامل، ودفع من تبقّى منهم على قيد الحياة لتركها، بهدف وضع مكون بشري مؤيد للمخطط الإيراني وتهجير السكان الأصليين المعارضين.

ويشكل محيط العاصمة دمشق، العقبة الأكبر أمام إيران في استكمال مخططها بعدما نجح النظام وحليفه النظام الإيراني، في تهجير سكان بعض المناطق، بالحصار والتجويع لأعوام ومن ثم عرض الهدن عليها، تجلّى أحد أهم شروطها بإخراج السكان من مناطقهم، من دون التركيز على موضوع السلاح. وما حصل في حمص، يُشكّل نموذجاً، إذ تم إخراج المقاتلين بسلاحهم، لأن الهدف كان استبدال السكان، لا الاهتمام بموضوع السلاح.

وتختلف طبيعة الغوطة الشرقية، عن الغربية، بفعل امتلاكها مقوّمات أكبر من غيرها للصمود في وجه الحصار من أراضٍ زراعية تمكنها من الاكتفاء الذاتي. كما أن البيئة المعارضة للنظام مسنودة على قوة عسكرية تستطيع الضغط بين الحين والآخر على العاصمة، وقد حاول النظام، استخدام كل السبل من أجل دفع سكان الغوطة الشرقية لتركها والهجرة خارج حدود الدولة التي ترسمها.

اقرأ أيضاً غطاء روسي ــ إيراني لمجازر الأسد: لم نغيّر موقفنا

وبعد فشله في إبرام أية هدنة مع سكان الغوطة الشرقية، اعتمد النظام أسلوب المجازر بحق المدنيين، كوسيلة للضغط على السكان، وسعى من خلال المجازر إلى إضعاف الثقة الشعبية بالفصائل المسلحة الموجودة في المنطقة، وإظهارها وكأنها ردة فعل على أعمال الفصائل المسلحة.

واعتمد النظام منذ البداية على تقسيم محيط دمشق إلى مناطق معزولة، مستنداً على أسلوب الحصار والتجويع كمرحلة أولى من مراحل التهجير. وبعد هذه المرحلة انتقل إلى أسلوب توقيع هِدَن وإجراء مصالحات، بما يتوافق مع مخططه، قبل أن تأتي المرحلة التالية، وهي عبارة عن عرض متمثل بخروج السكان كشرط أساسي من شروط الهدنة.

وقد نجح النظام في جرّ معضمية الشام، في غوطة دمشق الغربية وقرى وادي بردى، في ريف دمشق الغربي، وكل من ببيلا وعقربا في الغوطة الشرقية، والقابون وبرزة البلد في مدخل دمشق الشمالي، لتوقيع هدن منفصلة، وكل على حدة، ليسهل التحكّم بها. كما لا يزال يطبق حصاره على جنوب دمشق، الذي أدى إلى مقتل العديد من السكان جوعاً، فيما لم ينجح في فرض الحصار بالطريقة عينها على قرى ومناطق الغوطة الشرقية.

وكانت أكبر المجازر التي ارتكبها النظام بحق أهالي محيط دمشق، هي مجزرة الكيماوي التي استهدفت كلاً من غوطتي دمشق الشرقية والغربية، في 22 أغسطس/آب عام 2013، والتي أودت بحياة أكثر 1600 مدني معظمهم من النساء والأطفال.

وواصل النظام ارتكاب الكثير من المجازر بحق سكان الغوطة الشرقية، وآخرها ما تتعرض له مدينة دوما منذ أيام، إذ نفّذ طيرانه في السادس عشر من الشهر الحالي مجرزة في سوق شعبي في دوما  أدت لمقتل أكثر من مائة مدني، معظمهم من الباعة والنساء والأطفال، ثم ارتكب مجزرة جديدة أول من أمس في دوما أيضاً، راح ضحيتها نحو خمسين قتيلاً. 

وفي دمشق، اتّبع النظام وإيران أساليب أخرى في تهجير السكان، فعمدا إلى بيع جزء كبير من الأراضي الوقفية إلى إيران، أو منحها إياها كاستثمارات طويلة الأمد، كما تم استملاك قسم كبير من دمشق القديمة لصالح مشاريع إيرانية، وذلك في محيط المناطق التي يوجد فيها مقامات دينية كمحيط مقام السيدة رقية ومحيط مقام السيدة زينب.

ونشط السماسرة لشراء بيوت في دمشق القديمة لصالح إيرانيين. وفي منطقة المزة، اعتمد النظام في تهجير السكان على إنذارات إخلاء لسكان المزة بساتين، بحجة "تنفيذ مخطط تنظيمي للمنطقة"، وهي منطقة قريبة من السفارة الإيرانية، وبعض المراكز التي تتبع لها، بالإضافة إلى قربها من مطار المزة العسكري. بالتالي تحتاج تلك المنطقة إلى مكوّن سكاني موال لتوجهات إيران والنظام.

ويقول نائب رئيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، هشام مروة، في تصريحاتٍ لـ "العربي الجديد"، إن "النظام يرتكب بحق معارضيه، تحديداً في دمشق ومحيطها مجازر إبادة جماعية، بهدف التخلص منهم وتأمين العاصمة ومحيطها". وأضاف أن "الأسد يتجه للقيام بعمليات تهجير لفصائل المعارضة المسلّحة وحاضنتهم الاجتماعية، في سبيل الحفاظ على أمنه وموقعه وحفظ نظامه من الانهيار".

وأشار مروة إلى أن "خطة التغيير الديمغرافي هي مشروع برعاية إيرانية وتأتي كعقاب جماعي، لكنها مرفوضة تماماً من الشعب السوري، وهي جريمة حرب حسب ما ينصّ عليه القانون الدولي. وهو ما تمّ تسريبه عن المفاوضات التي جرت بين أحرار الشام وممثلي النظام الإيراني قبل أيام حول مدينة الزبداني، في ظلّ استمرار المجازر في دوما والزبداني وجوبر ووادي بردى وعدد من القرى والبلدات الأخرى في محيط دمشق، عبر استخدام أسلحة محرمة دولياً كغاز الكلور السام والقنابل الحارقة".

اقرأ أيضاً: الزبداني ترفض شروط إيران... والنظام غاب عن المفاوضات