الحكومة اللبنانية تواجه الشارع: محاولات لتخريب التحرك والاستثمار السياسي

الحكومة اللبنانية تواجه الشارع: محاولات لتخريب التحرك والاستثمار السياسي

24 اغسطس 2015
باتت بيروت ساحة مواجهة (حسين بيضون)
+ الخط -

أعاد آلاف الناشطين اللبنانيين وضع بيروت على خارطة التحركات الشعبية العربية، الرافضة للسلطات وفسادها على شتى المستويات وفي كل القطاعات. فتحوّلت بيروت ليل السبت ــ الأحد الماضي إلى ساحة لانتفاضة شعبية، صدّتها القوى الأمنية بجنون، مستخدمة الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع وكافة الوسائل القمعية الأخرى. لتكون الحكومة اللبنانية وأجهزتها الأمنية قد كلّلت فشلها العام في إدارة شؤون البلاد، وارتقت بفشلها إلى مستوى إسقاط أكثر من 60 جريحاً من المتظاهرين المدنيّين العزّل، لا يزال عدد منهم يتابعون تلقي العلاج في مستشفيات العاصمة.

وتحوّلت التظاهرة التي دعت إليها حملة "طلعت ريحتكم" رفضاً لعجز مجلس الوزارء عن التعامل مع أزمة النفايات المستمرة في لبنان منذ خمسة أسابيع، إلى كرة ثلج شعبية، دخلتها شعارات ومطالب إسقاط الحكومة والسلطة السياسية وتغيير النظام الطائفي. وتمكّن المتظاهرون من الصمود بوجه قمع الأجهزة الأمنية، فحوّلوا تحركهم إلى اعتصام مفتوح في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت (بين مقرّي مجلسي الوزراء والنواب)، حيث نصبوا الخِيَم.

ويبقى لافتاً أنه منذ بدء أزمة النفايات كان الاحتجاج الشعبي يسير بشكل تصاعدي في الشارع، واستمرّت الاعتصامات بشكل سلمي تام ضد الحكومة والوزراء المعنيين. إلا أنّ الدعوة الأخيرة التي دعت إليها حملة "طلعت ريحتكم" طرحت أيضاً شعار إسقاط مجلس النواب. ويربط عدد من المعنيين هذا الشعار بالأحداث الأمنية التي رافقت الاعتصام الأخير، في اتّهام مباشر لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، بأخذ الأمور إلى مواجهة بين قوى الأمن والمعتصمين. كما أنّ البصمات السياسية في محاولة تخريب التحرك بدت واضحة أيضاً، لجهة مشاركة بعض مجموعات الشبان المنتمية سياسياً لحركة أمل (التي يرأسها بري أيضاً)، عملت طوال فترة الاعتصام على تصعيد الأمور مع القوى الأمنية، وهي تستمر بهذه الأعمال في ساحة رياض الصلح.

ومن التفسيرات التي يمكن تقديمها أيضاً للجوء السلطات إلى استخدام العنف ضد المعتصمين، هو أن التحرك جاء بعيداً عن أي دعم أو غطاء سياسي، وبوجه الحكومة مجتمعة. إذ لم تشهد شوارع بيروت لجوء السلطة الرسمية إلى خيار مماثل منذ أكثر من عقد، على الرغم من أنّ الساحات اللبنانية نشطت باعتصامات ضخمة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. لكن هذه التحركات كانت منسّقة بين القوى السياسية الموجودة في السلطة والمحمية أيضاً بشرعيّات المرجعيات الطائفية، ما يحول دون قمعها، عكس ما كانت تسير الأمور عليه خلال الاعتصامات التي كانت ترفع شعارات إسقاط النظام والمطالب الاجتماعية والاقتصادية.

اقرأ أيضاً: رئيس الحكومة اللبنانية يتعهد بمحاسبة المسؤولين عن قمع التظاهرات

ويمكن القول إنّ الدولة اللبنانية كانت تعيش في شبه غيبوبة لحظة لجوء أجهزتها العسكرية والأمنية إلى العنف لصدّ مطالب المتظاهرين. وقد تابع وزير الداخلية، نهاد المشنوق، رحلته السياحية إلى إحدى الدول الأوروبية، في الوقت الذي كان عنف قوى الأمن تجاه المتظاهرين يبلغ مستويات غير معهودة في السنوات الأخيرة. وأطلّ المشنوق ليل السبت، بعد أكثر من ثلاث ساعات من الاعتداءات المتواصلة على الناس، ليقول إنه "خارج البلاد ولم يعرف بما حصل إلا قبل دقائق"، ليعود ظهراً إلى بيروت ويبدأ حركته السياسية لاستيعاب الأمور. أما رئيس الحكومة تمام سلام، فانتظر مرور أكثر من 18 ساعة قبل أن يطلّ على اللبنانيين، ويحاول إقناعهم بأنه "مع الشعب وله".

ويأتي موقف سلام ليكرّس هذا الواقع، إذ أطلّ على اللبنانيين بعد ساعات من جنون أجهزته الأمنية في الشوارع ليتبنّى خطاب المتظاهرين وشعاراتهم. فوعد بـ"إجراء محاسبة على كل المستويات"، ورفض "اتهام المتظاهرين بتنفيذ أجندات سياسية"، وحذّرهم من محاولة استغلال تحركهم من قبل بعض القوى السياسية. واستخدم سلام عبارة "النفايات السياسية" أكثر من مرة في كلمته للبنانيين، معتبراً أنها تعطل المسيرة السياسية في البلد وتبقيه في الأزمة المتنقلة من الشغور الرئاسي إلى تعطيل مجلسي الوزراء والنواب. وحاول سلام وضع نفسه مع الناس في حين أنه في موقع المسؤولية، حتى أنّه استمرّ بالتلويح بالاستقالة علّه ينجح في إحراج الأطراف المشاركة في الحكومة.

لكن اللافت أنّ سلام أصرّ على أنّ الجلسة المقبلة للحكومة، المقرر عقدها يوم الخميس، "ستكون منتجة وإلا فلا داعي لوجود مجلس الوزراء". وبالتالي سعى سلام بدوره إلى استغلال هذا التحرك لإعادة الحياة إلى الحكومة، التي لم تصدر القرارات منذ مطلع يوليو/ تموز الماضي، نتيجة التعطيل الذي تمارسه كتل فريق 8 آذار، وتحديداً حزب الله وتكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب ميشال عون. وسارع الأخير إلى الردّ على سلام قائلاً إنّ "رئيس الحكومة أطلّ في مؤتمر العجز العقيم وكلام الاحتواء العقيم ومحاولة الابتزاز المهين، وهو ما لن يمر دون رد مناسب في مجلس الوزراء وخارجه بخاصة على مستوى الشعب".

وقال عون في بيان صادر عنه إنّ "الشعب مدعوٌ إلى التعبير عن حقيقة تطلعاته في كل مجال وساحة"، في محاولة سياسية أخرى لقطف ثمار التحرك الشعبي في ساحة بيروت. لكن هذه المحاولة أجهضها المعتصمون أيضاً قبل ساعات بطردهم عضو تكتل التغيير والإصلاح، الوزير إلياس بو صعب، من الاعتصام ومنعه من الدخول إليه.

ووسط صمت كتلة تيار المستقبل بشكل كامل، كان زعيم كتلة اللقاء الديموقراطي، النائب وليد جنبلاط، قد أيّد التحرك الشبابي في رياض الصلح وقال "أنا جزء من هذه الطبقة السياسية وريحتي طالعة"، مستنكراً التعرّض للمتظاهرين. وطالب جنبلاط باستقالة وزير الداخلية، قبل أن يعود ويتراجع بعد رفع المعتصمين شعارات إسقاط الحكومة. فاعتبر أنّ التحرك "انحرف عن مساره الأساسي ودخلت بعض القوى السياسية عليه في محاولة لركوب الموجة الشعبية". وأعلن تأييده لسلام وحكومته وشدّد على "مدى تحلّيه بالحكمة والروية والصبر والمسؤولية، وهي صفات نحن أحوج ما نكون إليها في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها لبنان، وتمر بها المنطقة بأكملها".

سياسياً، لا يملك الناشطون الموجودون في ساحة رياض الصلح الكثير من الأوراق للعبها بوجه الحكومة، باستثناء "التمسّك بالشارع والرهان على بقاء النبض فيه"، علّه ينجح في فرض بعض التغييرات في السياسة المعتمدة في مجلس الوزراء، تحديداً في ملفات النفايات والكهرباء وغيرها من الأمور الحياتية. ومن يعرف أسلوب السلطة وشكلها في لبنان يدرك تماماً كيف تسير الأمور فيها، ويعرف أيضاً أنّ الحكومات لا تسقط إلا بقرارات سياسية، تأتي نتيجة تفاهم بين القوى المشكّلة لها، إلا في حالات نادرة كان أبرزها استقالة الرئيس الراحل عمر كرامي عام 2005، نتيجة ضغط شعبي وسياسي ودولي ضخم عقب اغتيال الرئيس الحريري.

وفي الخلاصات السياسية والشعبية، يمكن القول إنّ الناشطين نجحوا على أكثر من خط، تحديداً في استنهاض الشارع اللبناني وحثّه على التحرّك، بالإضافة إلى فرض المزيد من التخبّط والصراعات داخل الحكومة التي يصرّ رئيسها على أنّه لا يزال يصبر قبل تقديم استقالته، لكن "للصبر حدود"، بحسب ما قال.

اقرأ أيضاً: مشهد الرعب والقمع اللبناني: النظام السوري فكرة