ضربات "داعش" في القاهرة: كارثة مُحدقة وفشل أمني

ضربات "داعش" في القاهرة: كارثة مُحدقة وفشل أمني

21 اغسطس 2015
عقب انفجار مبنى الأمن الوطني في القاهرة (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تكد تمرّ أربعة أيام على إصدار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قانون الإرهاب الجديد، الذي ادّعى ردعه للجماعات والتنظيمات المسلحة التي تنتهج العنف، حتى استهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مبنى الأمن الوطني في قلب القاهرة الكبرى، فجر أمس الخميس. ونفّذ تنظيم "الدولة الإسلامية" عملية تفجير لمبنى الأمن الوطني في منطقة شبرا، في محافظة القليوبية (داخل نطاق القاهرة الكبرى)، في تحدٍّ واضح لقانون الإرهاب، فضلاً عن الثأر لشباب عرب شركس، التي نفّذت بحقهم السلطات المصرية حكم الإعدام.

ولم تكن المرة الأولى التي تضرب التفجيرات قلب العاصمة المصرية القاهرة، إذ سبقها استهداف القنصلية الإيطالية في منطقة وسط البلد في 11 يوليو/ تموز الماضي، فضلاً عن اغتيال النائب العام المصري السابق، المستشار هشام بركات، في أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي. وبقيت عملية استهداف موكب النائب العام في منطقة مصر الجديدة، خلال توجهه إلى مقر عمله، غامضة، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث.

لكن عملية القنصلية الإيطالية أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية"، مركزياً، تبنّيه لها، ولكن من دون ذكر اسم فرعه في مصر "ولاية سيناء"، وهو "تحوّل خطير ينذر بكارثة حقيقية للداخل المصري"، وفقاً لخبراء أمنيين، تحدّثوا لـ"العربي الجديد". وللمرة الثانية، أعلن التنظيم الأم مركزياً، استهداف مبنى الأمن الوطني في منطقة شبرا الخيمة، من دون ذكر اسم "ولاية سيناء"، ما يعني وجود مجموعة أخرى تابعة له تعمل في إطار القاهرة الكبرى، بحسب الخبراء.

وقالت وزارة الداخلية المصرية إن الانفجار أسفر عن إصابة ستة من رجال الشرطة، ووقع في الساعات الأولى من صباح الخميس. وأضافت الوزارة، في بيان لها، أمس الخميس، أن الانفجار نجم عن تفجير سيارة توقفت فجأة خارج الحرم الأمني للمبنى وتركها السائق مستقلاً دراجة نارية كانت تسير خلف السيارة. ​

ويرى خبراء أمنيون أنّ المجموعة الجديدة التي تدعي التبعية لتنظيم "الدولة الإسلامية" مباشرة، تضع أقدامها على خريطة الحركات المسلحة في مصر، وخصوصاً أن عملياتها، وإن كانت محدودة التأثير لناحية إسقاط عدد كبير من الضحايا من قوات الشرطة، إلا أنّ رمزيتها خطيرة.

اقرأ أيضاً: "ولاية سيناء" يتحدّى قانون الإرهاب: ثلاث عمليات ضد الجيش

وبحسب مراقبين، فإنّ عدم الكشف عن المجموعة الجديدة أو هوية المسؤول عنها، يرتبط بشكل كبير، بعدم الرغبة في إعطاء الأجهزة الأمنية طرف خيط يمكن من خلاله تتبّع المجموعة الجديدة. ويعتبر المراقبون أنّ التكتم الشديد على قيادة المجموعة، له وجاهته لدى التنظيم الأم، وخصوصاً أن الأوضاع في القاهرة أكثر استقراراً وهدوءاً وسيطرة من قبل الأجهزة الأمنية، ولو نسبياً، على خلاف ما تشهده محافظة سيناء من تكبيد فرعه "ولاية سيناء" خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات والآليات العسكرية.

ويلفت خبراء أمنيون إلى أنّه من خلال تتبع عمليات المجموعة، تظهر مؤشرات عدّة تنذر بخطورة الأمر والاستمرار في عمليات أخرى تضرب قلب القاهرة، إذ إنّ عناصر المجموعة الجديدة لديها حرية كبيرة في الحركة، مشيرين إلى أنّ هذه العمليات تؤكد توفّر كميات كبيرة من المتفجرات المستخدمة في تفخيخ السيارات، وزيادتها بشكل كبير، لإحداث تأثير في المقرات الأمنية، نظراً لوجود أسوار لحمايتها من الاستهداف.

ويقول الخبير الأمني، محمود قطري، إن مصر تعاني فشلاً أمنياً غير مسبوق، فالأجهزة الأمنية لا تتمكن من حماية مقراتها التي تعد قلب عمليات الداخلية لمواجهة تلك التنظيمات. ويضيف قطري لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة ستستمر في ظلّ اعتماد الخطوات البطيئة في إصلاح جهاز الشرطة، فضلاً عن وجود تخوّف لدى ضباط الشرطة بشكل كبير على حياتهم. ويشير إلى أن "العمليات في قلب القاهرة ستستمر خلال الفترة المقبلة، وستكون أكثر إيلاماً، إلا مع تدخل حازم من قبل الأجهزة الأمنية، والتخلي عن مطاردة السياسيين والمعارضين للنظام، لأن الواقع أثبت قلّة خطورتهم مقارنة بداعش"، مطالباً بضرورة وجود استراتيجية محددة في مواجهة الإرهاب تشارك فيها كل الأجهزة المعنية، وتبادل المعلومات بين الأجهزة المختلفة بشكل يسمح بالتنسيق على أعلى مستوى.

ويرى خبراء عسكريون أنّ العمليات التي تعتمد على التفخيخ، عادة ما تستخدم كميات كبيرة من مادة "تي إن تي" وإضافة كميات قليلة من مادة "سي فور"، لزيادة فعالية المتفجرات، مرجّحين تمركز عناصر المجموعة الجديدة، إما في قلب القاهرة، أو على أطرافها، لتسهيل التنقل بالسيارت المفخخة واستهداف أهداف هامة.

ويشير الخبراء أنفسهم إلى تمتع المجموعة بخبرات وكفاءات كبيرة، وهو ما يتضح من خلال إعداد كميات كبيرة من المتفجرات، وهي تحتاج إلى خبير في صناعة المتفجرات على درجة عالية من الخبرة، فضلاً عن عمليات الرصد والمتابعة للأهداف واختيارها بدقة، والقدرة على التخفّي وسط ازدحام القاهرة، وعدم إثارة الشكوك حول تلك العناصر، معتبرين أنّ قدرات المجموعة الجديدة سيقتصر عملها على العاصمة المصرية.

اقرأ أيضاً: قانون السيسي... لا يخيف "الإرهابيين" ويهدّد المعارضين

لكن يتساءل البعض حول كيفية وصول السيارة المفخخة إلى أمام مبنى الأمن الوطني من دون اعتراضها أو كشفها من قبل أفراد الأمن المصري، وهو ما يؤكد وجود خلل أمني كبير، تحدّث عنه مراقبون وخبراء أمنيون على مدار ما يزيد عن عامين، بسبب الانشغال في مواجهة المعارضين سياسياً للنظام الحالي.

ويلفتون إلى أنّه من خلال الروايات المنتشرة حول وصول السيارة أمام مقر الأمن الوطني، يظهر وجود رغبة حقيقية لدى المجموعة الجديدة في عدم استنزاف عناصرها، عبر وجود ما يسمونه "انغماسي". والانغماسي هو أحد عناصر التنظيم الذي يقود سيارة مفخخة ومن ثم يفجر السيارة وهو في داخلها، إذ إن عمليتي القنصلية الإيطالية ومبنى الأمن الوطني، لا يوجد فيهما "انغماسي".

وتشير عملية استهداف مبنى الأمن إلى ضعف كمائن الشرطة (حواجز متنقلة)، خصوصاً في محيط مقر أمني مهم، إذ إن وزارة الداخلية تقيم كمائن على الشوارع الرئيسية والمقرات العسكرية والأمنية والمنشآت العامة، من منتصف الليل وحتى صباح اليوم التالي. ولكن تشهد هذه الكمائن عملية تراخٍ أمني كبير قبيل الفجر، إما بعدم تفتيش السيارات المشتبه بها أو بإنهاء الكمين والاكتفاء بالوقوف على أطراف الطريق، وهو ما أكده مصدر أمني مصري لـ"العربي الجديد".

ويقول المصدر الأمني (طلب عدم ذكر اسمه)، إن "جهاز الشرطة يعاني من عدم يقظة وخلل كبير في التعامل مع المجموعات المسلحة، فضلاً عن عدم أداء الواجب بالشكل المطلوب". ويضيف أن هناك حالة تخوّف كبيرة من استهداف الكمائن في حال استمرارها فترة طويلة في مكان ثابت، من خلال رصدها من العناصر المسلحة، مع الاقتراب من الفجر، حيث تقل أعداد السيارات والمارة، وبالتالي تتم إزالة الكمين.

وتوضح مصادر خاصة لـ"العربي الجديد، عن سبب استهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" قلب القاهرة، أنّ التنظيم يجد أنّ ما يحدث في سيناء ليس مؤثراً بقدر كافٍ على النظام الحالي والأجهزة الأمنية بالشكل الذي قد يخلق حالة من الفوضى وتأكيد الفشل الأمني. وتقول المصادر إن استراتيجية "الدولة الإسلامية" تجاه مصر اختلفت من حيث التركيز على سيناء إلى التمدد في محافظات أخرى وتحديداً العاصمة، نظراً لأن أصغر تفجير فيها يكون أكثر تأثيراً من سلسلة عمليات سيناء، خصوصاً في ظلّ الحظر الإعلامي المفروض على العمليات والأوضاع هناك.

وتضيف أن التنظيم الأم أراد إحداث خلل أكبر، لأنه يدرك عدم تمكنه من السيطرة والعمل، طالما هناك تماسك للأجهزة الأمنية، وهو يسعى لإضعافها نفسياً، ثمّ التوسع في دائرة الاستهداف بعمليات موجعة، آملاً إحداث حالة من الفوضى تسمح بوجوده بقوة.

اقرأ أيضاً الداخلية: إصابة ستة من رجال الشرطة في انفجار القاهرة