النفي الإسرائيلي لاتصالات التهدئة: ابتزاز "حماس" وتهدئة غضب عباس

النفي الإسرائيلي لاتصالات التهدئة: ابتزاز "حماس" وتهدئة غضب عباس

19 اغسطس 2015
"حماس" أكدت عرض أي اتفاق على الفصائل قبل إبرامه(الأناضول)
+ الخط -

اهتمت الصحف الإسرائيلية بالحديث عن أن المفاوضات والاتصالات بشأن التهدئة في قطاع غزة، أكثر تعقيداً مما أظهره بيان ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والذي نفى وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع حركة "حماس" بشأن التهدئة، ولا عبر دولة ثالثة.

فبحسب صحيفة "هآرتس"، اهتم نتنياهو عند لقائه الأخير برئيس الحكومة البريطاني الأسبق، توني بلير، بأن يوضح له أن بمقدوره مواصلة مساعيه واتصالاته، لكنه ليس مخوّلاً بأي صلاحية أو تفويض من الحكومة الإسرائيلية، للتوصل إلى اتفاق مع "حماس". وإضافة إلى ذلك، حرص نتنياهو على أن يبلغ بلير، في الوقت ذاته، أنه (أي نتنياهو) ينظر إلى نشاط بلير فقط باعتباره محاولة اختبار إمكانية التوصل إلى اتفاق، وفي حال تمخّضت اتصالاته مع قادة "حماس" عن نتائج فإن إسرائيل ستكون مستعدة لسماع التفاصيل.

ويبدو أن المصدر الذي تحدثت إليه "هآرتس" ليس مجرد "طرف مطلع على موضوع الاتصالات الجارية للتهدئة" فحسب، بل هو مقرب من نتنياهو. إذ أقر المصدر أن "إسرائيل لا تُجري مفاوضات حول وقف إطلاق النار مع حماس، لكنها تجري بالتأكيد اختباراً لإمكانية إنجاز ذلك"، وهي في الواقع صيغة أخرى للموقف نفسه الذي أعلنه نتنياهو أمام بلير، بحسب "هآرتس".

ويأتي هذا التطور في الوقت الذي سكتت فيه إسرائيل، ورفضت على مدار الأسابيع الماضية، التطرّق لسيل التقارير المختلفة التي تحدّثت عن قرب التوصّل إلى اتفاق تهدئة بين "حماس" وإسرائيل بوساطات مختلفة، بينها تركية وقطرية وأوروبية، ما أثار حفيظة وتخوّف السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، على الرغم من أن "حماس" أعلنت أنها لن تبرم أي اتفاق قبل عرضه على الفصائل الفلسطينية. ومع ذلك كان عباس وجّه سهام غضبه لإسرائيل متهماً الحكومة الإسرائيلية بالتفاوض مع "حماس"، بدلاً من أن يسعى لاستفسار طبيعة الاتصالات وجوهرها بشكل مباشر مع قادة "حماس"، ما أثار انطباعاً في حينه أن السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، وخوفاً من أن تسجل "حماس" إنجازاً ملموساً بعيداً عنها، فإنها قد تسعى لعرقلة المفاوضات أو حتى الطعن فيها، حتى لا تبقى خارج الصورة.

اقرأ أيضاً: الصحف الإسرائيلية: قرب اتفاق التهدئة بين إسرائيل و"حماس"

ومن اللافت للانتباه التوقيت الذي اختاره نتنياهو لإصدار بيان النفي، مع الاهتمام بالإشارة إلى "عملية اختبار إمكانية التوصل لنتائج" والعوامل المرافقة لهذا النفي. فقد جاء النفي، رداً على تصريح شخصية رسمية رفيعة المستوى، هي مستشار رئيس الحكومة التركية ياسين أقطاي، الذي كان قد صرح قبل يومين باقتراب التوصل لاتفاق تهدئة.

ومن الواضح أن هوية أقطاي الرسمية وجزمه بشأن المفاوضات والاتصالات، وضعت نتنياهو في موقف حرج إزاء شركائه الحكوميين، وتجاه علاقته مع السلطة الفلسطينية وعباس، ومع النظام المصري، لأن تصريحاً بهذا القدر من الحزم، كما أنه صادر عن هيئة تركية رسمية، يؤكد اتهامات عباس لنتنياهو بالتفاوض مع "حماس" في وقت يتواصل فيه نضال الأسير المضرب عن الطعام، محمد علان، مع ما يرافق ذلك من توتر هائل في الضفة الغربية، تحتاج فيه إسرائيل أكثر من أي وقت مضى "لفضائل وحسنات التنسيق الأمني".

وبالتالي، فإن مرور التصريح التركي من دون نفي إسرائيلي رسمي ومن أعلى المستويات، قد ينعكس سلباً على سلاسة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فيما تصارع إسرائيل لمواجهة ظاهرة المقاومة والعمليات الفردية.

وينسحب ذلك على العلاقة مع النظام المصري، وإظهاره بمظهر الطرف الذي لا يدري شيئاً عما يقوم به حليفه الأكبر، أي إسرائيل، وخصوصاً مع ما يبدو من تقاطع وتماثل في مواقف الحليفين من حركة "حماس" من جهة، ومن التوتر في علاقات الحليفين مع الطرف الثالث في المعادلة، وهو تركيا. فمعنى مرور تصريح أقطاي من دون نفي إسرائيلي هو عملياً، نكران إسرائيلي للجهد المصري في إحكام الحصار على غزة وفي تقييد حرية حركة "حماس"، وتفضيل دور تركي بارز على دور لنظام يسعى إلى محاولة التأصيل لشرعية له في مصر.

وبالعودة إلى الطرف التركي، فإن النفي الرسمي يمنح عملياً نتنياهو ورقة ضغط على تركيا، وتحديداً ضد الرئيس، رجب طيب أردوغان، من خلال ضرب مصداقية التصريحات التركية، عبر استغلال الأزمة السياسية الداخلية في تركيا. ويساعد ضرب المصداقية، وفق الحسابات الإسرائيلية، في "تليين" موقف أردوغان من إسرائيل، وذلك على الرغم ممّا يبدو أنه تحسّن في العلاقات بين تركيا والسعودية، وما لفتت إليه الصحف الإسرائيلية في اليومين الماضيين من احتمال رضوخ النظام المصري للضغوط السعودية لجهة تحسين العلاقات المصرية مع "حماس"، في سياق مسعى سعودي لجذب الحركة نحو دول "المحور السنّي المعتدل"، وإبعادها عن المحور الإيراني.

ويبقى أخيراً، دافع ومحرك إضافي لهذا النفي، وهو سعي إسرائيل العلني، إلى التنصّل مسبقاً من أي التزامات أو نصوص في المبادرة، عبر التستر وراء مقولة انتظار ما سيجلبه بلير لدراسته، من دون إعطاء رد ملزم. إلى ذلك فإن النفي يتيح لإسرائيل حيزاً إضافياً من المناورة لابتزاز "حماس"، أو على الأقل في حال فشلت في ذلك بتعطيل الاتفاق من خلال التعويل على "الضجة" التي يثيرها نشر الاتفاق، داخل البيت الفلسطيني، عبر الحديث عن فضائل الاتفاق إسرائيلياً.

وقد أسهبت الصحف الإسرائيلية في شرح إيجابيات مثل هذا الاتفاق لحكومة نتنياهو بالذات (عبر تغييب كامل ومتعمد لإعلان حماس أنها ترفض دولة في غزة)، مثل أنه يريح الحكومة الإسرائيلية من الضغط الدولي لوقف الحصار، كما أنه لا يلزم بالضرورة إسرائيل بوقف البناء الاستيطاني، ولا الخوض في مفاوضات للحل الدائم، وهي ظروف يُشكّل توفرها طوق نجاة لحكومة نتنياهو مما هو آتٍ بفعل تركيز الأضواء مجدداً على ملف غزة من دون الضفة الغربية. وبالتالي قد يتكفل الانقسام الفلسطيني الداخلي، بوأد أي اتفاق تهدئة، مما سيعفي إسرائيل نهائياً من أي مسؤولية، على الأقل وفق وجهة النظر الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: "حماس" تطمئن الفصائل: التهدئة بإجماع وطني