تشويه الهوية الفلسطينية بـ"أَسرَلَة" التعليم منذ الروضة

تشويه الهوية الفلسطينية بـ"أَسرَلَة" التعليم منذ الروضة

18 اغسطس 2015
يريد بينيت تعليم العبرية من صف الروضة (Getty)
+ الخط -
لا يتوقف الاحتلال عن استنباط أفكار جديدة بغية أسرَلَة المجتمع الفلسطيني بأي طريقة كانت، فقرّر وزير التربية والتعليم اليميني المتطرف نفتالي بينيت، فرض تعليم اللغة العبرية على أطفال فلسطينيي الداخل في الروضات، بدءاً من العام الدراسي المقبل، وذلك في مسعى لتشويه هويتهم الفلسطينية. رغم أن الأطفال الفلسطينيين لا يتعلمون لغتهم الأم أساساً في صفوف الروضة.

وأبدى المسؤولون في الداخل الفلسطيني، رفضهم لقرار بينيت، وتبريره بأن "هدفه هو تمكين الطلاب العرب من اللغة العبرية، وإيجاد اتصال مفتوح بين شرائح المجتمع المختلفة، وخلق حوار بين الثقافتين العربية واليهودية، وسد الفجوات الاجتماعية".

ويرى رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي محمد حيادري، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "هذا القرار غير مدروس ويُثقل على الطالب العربي في الروضات. ومن ثم كيف يمكن أن يتعلم أطفالنا العبرية قبل أن يتعلموا لغتهم الأم، وهم غير متمكنين من اللغة العربية الفصحى، التي يبدأ تدريسها في الصف الأول؟ نحن نريد لأطفالنا أن يتعلموا لغات ولكن هناك أولويات، ومنطق يجب الاحتكام إليه".

ويضيف "نرى بأن هذا القرار محاولة أخرى لأسرلة طلابنا وطمس لغتهم الأم، وكل محاولات بينيت لا يمكن أن تبرره أو تقنعنا بغير ذلك. وإذا كان يتحدث عن خلق تواصل وحوار بين الثقافتين العربية واليهودية، فلماذا لا يصدر قراراً بالمقابل يُلزم الروضات اليهودية بتعليم الأطفال اليهود اللغة العربية؟ ألا يكفل هذا تحقيق نفس الأهداف المعلنة؟ ولكن عدم إقدامه على ذلك يفضح النوايا المبيّتة".

ويتابع حيادري: "لو وضعنا الأمور السياسية جانباً، فحتى مهنياً لا يُمكن تطبيق هذه الخطة، لعدم وجود معلمات مؤهلات يمكنهن تدريس اللغة العبرية لأطفال الروضات. ولو خُيّرنا مثلاً بين اللغة العبرية والإنجليزية، لكنا سنختار الإنجليزية، لأن العبرية نكتسبها تلقائياً بسبب وضعنا الخاص، أما الإنجليزية فعادة ما يصل طلابنا الجامعات وهم يعانون بسببها، وهذا سبب آخر يدعونا لرفض الفكرة".

اقرأ أيضاً: "أونروا" والمخاوف الأردنية

من جانبه يقول رئيس الاتحاد القطري لأولياء أمور الطلاب العرب في الداخل الفلسطيني فؤاد سلطاني في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "قرار بينيت، يجب أن يثير خشيتنا على هوية أطفالنا وصقل شخصيتهم". ويتابع: "لا أعرف إلى أي بحث علمي استند بينيت في استصدار قراره هذا وما هي دوافعه، ولا أعتقد بوجود نصّ يشير الى أن الطالب العربي في الروضات بحاجة لتعلم لغة أجنبية قبل أن يتعلم لغته الأم. كان من الأجدر بنفتالي بينيت لو كانت نواياه سليمة، البحث عن السبيل لحل المشاكل التي يعاني منها طلابنا باللغة العربية على مدار سنوات التعليم، فاللغة العبرية عادة لا تشكل عائقاً ولا مشاكل في دراستها واكتسابها. أما مزاعمه بأن تعلم اللغة العبرية في الروضات يساهم في الانفتاح على المجتمع ككل، فهي واهية وغير واقعية، فليست مشكلتنا في الانفتاح على المجتمع الاسرائيلي، ولكن مشكلتنا أننا لا نستطيع التفاهم معه سياسياً، فضلاً عن التمييز والعنصرية الممارسة ضدنا، ولم تشكل اللغة يوماً عائقاً للتواصل".

ويقول سلطاني إن "الوزير الإسرائيلي يتحدث معنا بلغة الفرض، لغة السيد والعبد، ويريد للسيد أن يعلمنا تاريخه ولغته وحضارته وأجندته. هو يريد بهذا تشويه هوية أطفالنا وإرباكهم، وإلا فلماذا لا يفرض على الطلاب اليهود تعلم اللغة العربية؟ دائماً كان المنهاج التعليمي، ولا يزال، يفرض الرواية الاسرائيلية الصهيونية على طلابنا، ويتعمّد إلغاء الرواية الفلسطينية والتاريخ والتراث الفلسطيني، والقرار الجديد هو محاولة مبتكرة أخرى، لتكريس ذلك النهج".

من جهته، يلفت مدير جمعية الثقافة العربية في حيفا، اياد البرغوثي في تصريحاتٍ لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "لا ثقة بنفتالي بينيت ولا بمشاريعه، بسبب أهدافه السياسية في تشويه الهوية الفلسطينية وفرض الأجندة الصهيونية على مضامين جهاز التعليم العربي".

ويكشف "مهنياً، كان الأحرى بوزارة المعارف تحسين مناهج اللغة العربية من الصفوف المبكرة حتى الثاني عشر، فأبحاثنا وجدت أخطاء لغوية وأساليب تربوية تعليمية خاطئة، انتجت جيلاً لا يعرف لغته وغير متمكن منها. ونحن نؤمن بأن وجود لغة أم سليمة، تُشكّل أساساً ذهنياً وعقلياً وفكرياً متيناً لتعلّم أي لغة ثانية لأي هدف كان".

ويردف البرغوثي: "نحن واعون لأهمية تعلم الطالب الفلسطيني في الداخل للغة العبرية ولمستقبليه الأكاديمي والمهني ولكن هناك أولويات. والأخطر أن خطة بينيت تتحدث بوضوح عن تمرير مضامين في الثقافة والرواية الصهيونية، من خلال تطوير علاقة عاطفية مع التراث اليهودي والثقافة الصهيونية. وهنا مكمن الخطورة، لأن الادعاء بأن العبرية تساعد على دمج الطلاب في الاقتصاد الإسرائيلي، هو سبب غير صحيح، كون السبب الحقيقي الذي قد يحول دون ذلك هو العنصرية، وليس اللغة".

ويرى البرغوثي أنه "من الأهمية أن يكون هناك رد فعل قوي من قبل القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، والشخصيات والمؤسسات الوطنية والتعليمية ـ التربوية، رفضاً لمثل هذه المخططات".

ويشير إلى أنه "لا يجوز أن نبقى رهائن لسياسات وتوجهات المؤسسة الإسرائيلية بكل ما يتعلق بالشؤون التربوية وتأثيرها الكبير على بناء الوعي والشخصية، فنحن جماعة أصيلة ولنا حقوقنا الثقافية، ونحن من يجب أن نحدد ما هو أفضل لنا ولأطفالنا وكيف وماذا يتعلمون".

أما رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في الداخل الفلسطيني مازن غنايم، فيُبدي لـ "العربي الجديد" قلقه الكبير من قرار بينيت، ويقول: "نحن نعتز بهويتنا وقوميتنا وتراثنا ولغتنا العربية وهذا القرار جاء لتشويه هذا الإرث، إذ يُفترض أولاً تعزيز اللغة الأم وهي اللغة العربية. كما لا ننسى أن خطة بينيت تأتي على حساب اقتطاع ساعتين تعليميتين اسبوعياً مما هو موجود، أي على حساب أشياء أخرى يتعلمها أطفالنا، الذين سيخسرون، ولن يربحوا شيئاً من هذه الخطوة. كما أن بينيت لم يشاركنا ولم يستشرنا كشريحة اجتماعية يستهدفها القرار بشكل مباشر".

وأكد غنايم: "سنعارض هذا القرار، وسنطرحه في اجتماعاتنا مع الجهات الرسمية، وإذا لم يتم التراجع عنه سندعو لاجتماع واسع في اللجنة القطرية، بمشاركة مسؤولي التربية والتعليم في السلطات المحلية العربية، والجمعيات والمؤسسات التي تعنى بهذا الشأن، لتدارس القرار واسقاطاته وكيفية التعامل معه".

اقرأ أيضاً "الأونروا": مصير العام الدراسي الفلسطيني لم يحدد بعد