هجمات "طالبان" تهدّد العلاقات الاستراتيجية بين كابول وإسلام آباد

هجمات "طالبان" تهدّد العلاقات الاستراتيجية بين كابول وإسلام آباد

14 اغسطس 2015
تركزت التفجيرات في العاصمة كابول (الأناضول)
+ الخط -

تمرّ العلاقات الأفغانية ــ الباكستانية في مرحلة حساسة، بعدما ضربت موجة من أعمال العنف الساحة الأفغانية، وتحديداً العاصمة كابول. وأسفرت الاعتداءات عن مقتل وإصابة المئات، معظمهم من المدنيين. وتعتقد الحكومة الأفغانية أن باكستان لا تقوم بدورها الحقيقي في حلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية، بل تصدّر العنف إليها.
الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، الذي تعترف باكستان بسعيه إلى تحسين العلاقات بين الدولتين والعمل للقضاء على المعضلة الأمنية الأفغانية، التي تلقي بظلالها القاتمة على أمن المنطقة بأسرها، تحدّث لأول مرة بنبرة غاضبة حيال الحكومة الباكستانية، مشيراً إلى أنّ سلسلة دامية من أعمال العنف، التي شهدتها بلاده في الأيام الأخيرة، قد خُطّط لها في باكستان.

تصريحات الرئيس الأفغاني، التي توحي بإمكانية حصول تغيير في استراتيجة أفغانستان، تأتي في وقت مهم وحساس للغاية، إذ إنّ تداعيات وفاة الزعيم السابق لـ"طالبان" في أفغانستان، الملا محمد عمر، لا تزال متواصلة. وتعاني "الحركة" من تصدّع داخلي حاد، على الرغم من جهود علماء الدين في باكستان لاحتواء الخلافات بين "طالبان" التي لا تستطيع الجلوس على طاولة المفاوضات في الوقت الراهن.
كما أنّ الضغوط الداخلية  كانت ولا تزال تتزايد على الرئيس الأفغاني بسبب سياساته مع باكستان، بالإضافة إلى رغبة بعض دول المنطقة في عودة العلاقات بين كابول وإسلام آباد إلى ما كانت عليه قبل عشرة أشهر، أي في عهد الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي.

لهذه الأسباب، كانت لتصريحات الرئيس الأفغاني أهمية خاصة في احتمال حصول تغيير استراتيجي في أفغانستان، ولا سيما أنها تزامنت مع تصريحات مماثلة لمسؤولين آخرين في الحكومة الأفغانية، منهم الرئيس التنفيذي، عبد الله عبد الله، الذي أكّد أن باكستان لم تف بالوعود التي قطعتها على نفسها حيال أفغانستان، وأنها "لن تتعاون، ولو قليلاً، بصدد المصالحة الأفغانية".

وعلمت "العربي  الجديد" من مصادر مقرّبة من الرئاسة الأفغانية، أنّ تصريحات المسؤولين الأفغان أتت بعد اجتماعات مكثّفة، نوقشت خلالها استراتيجية الدولة مع باكستان. وتشير المصادر إلى أنّ الاستراتيجية قد تكون بداية صفحة جديدة في العلاقات بين الجارتين. وتعتبر المصادر أنّه "إذا لم يتمكّن البلدان من استدراك الموقف، فإنهما سيدخلان في أزمة جديدة، لا تحمد عقباها".

جاء موقف الحكومة الأفغانية الجديد في خضم موجة من الغضب السائد في الأوساط الشعبية والسياسية الأفغانية إزاء باكستان، بسبب العمليات التفجيرية، التي شهدت العاصمة كابول أكبر قسط منها، بحسب مسؤولين أفغان. ويشير المسؤولون إلى أنّ ما زاد الأمور تعقيداً، سقوط الصواريخ على الأراضي الأفغانية، التي تطلق من الجانب الباكستاني، والتي طالت جميع مناطق الشطر الحدودي، ولا سيما إقليما ننجرهار وكنر في الشرق، وإقليما بكتيا وخوست في الجنوب.

اقرأ أيضاً: الرئيس الأفغاني يتهم باكستان بالوقوف وراء الهجمات الأخيرة ببلاده

وفي غضون الأيام الماضية، شهدت مدن أفغانية، بما فيها العاصمة كابول، تظاهرات مناهضة لما وصفه المتظاهرون بـ"الحرب الباكستانية غير المعلنة ضد أفغانستان"، في إشارة إلى دعم باكستان "طالبان" في إطلاق الصواريخ على المناطق الحدودية الأفغانية، التي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، وأجبرت عشرات الأُسر على النزوح.

"الحرب غير المعلنة ضد أفغانستان"، مصطلح أشار إليه الرئيس الأفغاني في تصريحاته الأخيرة قائلاً، "باكستان في حرب غير معلنة ضد بلادنا منذ أربعة عشر عاماً. وسعيتُ خلال الأشهر العشرة الماضية إلى إنهاء هذه الحرب، بيد أن باكستان لم تثبت جدّيتها في هذا الشأن". وطلب الرئيس من باكستان العمل ضد "طالبان" التي تعمل علناً هناك، "في حال لم تستطع إقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات".

وإلى جانب التظاهرات التي سارت في العاصمة كابول تأييداً لموقف الحكومة، رحّب جميع السياسيين بتصريحات الرئيس، حتى أولئك الذين انتقدوا سياساته في ما مضى. وكان رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق، أمر الله صالح، من أوائل المرحبين، مشيراً إلى أنّ "الرئيس أدرك حقيقة ما يجري في المنطقة، وأن الشعب الأفغاني يقف إلى جانبه".

في المقابل، كانت المواقف في باكستان مغايرة تماماً. وبينما انتقد بعضهم تصريحات الرئيس الأفغاني، واعتبرها ضربة لعملية المصالحة، طلب آخرون التريث والتزام الصبر، ولا سيما أنّ تدهور العلاقات بين البلدين يضرّ المنطقة بأسرها.
من جهته، يقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الباكستاني، رانة أفضل، إن "الحكومة الباكستانية تدرس بجدية مطالب الرئيس الأفغاني"، معتبراً أنّ تصريحاته الأخيرة "تذكير بتلك المطالب، ولا تشير إلى تدهور العلاقات بين الجارتين، اللتين تربطهما علاقات أخوية وطيدة".

أما موقف الحكومة الباكستانية الرسمي إزاء تصريحات الرئيس الأفغاني، فقد كان هادئاً مقارنة بموقف أفغانستان، إذ أكدت الخارجية الباكستانية، في بيان لها، أنّ باكستان تعمل مع أفغانستان لحل المعضلة الأفغانية، وأنها ملتزمة بكافة تلك الوعود، التي قطعتها مع جارتها، حيال المصالحة الوطنية، كما أنها تعتبر عدو أفغانستان عدوّها.

اقرأ أيضاً تقرير أممي:ضحايا أفغانستان المدنيون للعام الحالي الأعلى منذ 2009

يلفت مراقبون أفغان وباكستانيون إلى أنّ "الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة وستحدد مستقبل العلاقات بين الدولتين"، معتبرين أنّ الزيارة المرتقبة لمسؤولين أفغان إلى إسلام آباد، هذا الأسبوع، ستوضح الكثير من الأمور الغامضة. ويؤكّد المراقبون أنّ مستقبل سياسة أفغانستان تجاه باكستان ستتوضح بعد الزيارة التي تهدف إلى تشجيع باكستان على العمل ضد "طالبان" في حال استمرت الأخيرة في رفض محاورة الحكومة الأفغانية.  

لكن متابعين يرون أنّ ثمة عقبة قد توقع باكستان في موقف حرج، إذ إنها "تخاف من خروج طالبان عن قبضتها أو انقلابها عليها إذا ما تحركّت ضدها، بحكم علاقات الحركة ببعض دول المنطقة كإيران". كما لا يتوقّع المتابعون "عودة طالبان إلى طاولة المفاوضات في الوقت القريب"، معتبرين أنّ المفاوضات ستقضي على قوة زعيم "طالبان" الحالي، الملا أختر منصور، وذلك لأن القيادة العسكرية في "طالبان" كانت ولا تزال ترفض الحوار مع الحكومة الأفغانية. ولإرضاء أولئك القادة الميدانيين، لا بد من مواصلة العمل المسلّح، لأنّ الحوار في هذه الفترة سيفضي إلى مزيد من الانشقاقات في صفوف "طالبان"، بحسب المتابعين.

ولا يستبعد مراقبون أن تكون الموجة الأخيرة من أعمال العنف الدموية، في أفغانستان، محاوَلة من "طالبان" لإثبات أن الزعيم الحالي يعمل في الحقل العسكري، بهدف توحيد صفوف "طالبان" وإرضاء القيادات الميدانية.

وفي السياق نفسه، تقول الحكومة الأفغانية إن "طالبان" تتحرك علناً في باكستان وتعقد اجتماعاتها في مدن باكستانية مختلفة. وأشارت الحكومة إلى أنّ بعض علماء الدين والسياسة يقومون بدور الوساطة بين زعيم "طالبان" الحالي، الملا منصور، وبين بعض القيادات المناهضين له. وتعتبر الحكومة الأفغانية أنّ كل تلك الأعمال والتحركات لـ"طالبان" على الأراضي الباكستانية، تؤثر على العلاقات بين كابول وإسلام آباد، وقد تدخلها في مرحلة خطيرة، مشيرة إلى ضرورة أن تقنع إسلام آباد، "طالبان" بالعودة إلى الحوار مجدداً، أو أن تعمل ضدها.

ومع استمرار نشاطات "طالبان" في باكستان، كما تدعي كابول، من جهة، واستمرار دوامة الحرب في أفغانستان من جهة ثانية، فإنّ باكستان لا بد أن تخسر جارتها أفغانستان، وهو ما سيصبّ في مصلحة منافستها الهند، التي تنتظر بفارغ الصبر أن يمد لها الرئيس الأفغاني يد العون، كما فعل سلفه كرزاي، وبالتالي ستكون المنطقة ميداناً للحرب بالوكالة بين الدولتين.

وتعليقاً على التطورات الأخيرة، وتحديداً تصريحات الرئيس الأفغاني، دعت الخارجية الأميركية كُلاًّ من باكستان وأفغانستان إلى العمل المشترك بهدف حل المعضلة. وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، أنّ العمل المشترك ضد المسلحين على طرفي الحدود المشتركة، "هو الحل الوحيد لحلحلة الأزمة الأمنية التي تعاني منها المنطقة، وندعو كابول وإسلام آباد إلى ذلك".

اقرأ أيضاً: خلافات وانشقاقات تعصف بـ"طالبان" بعد تعيين الملا منصور