مصر ــ السيسي: موسم سيطرة العسكر وتهميش المدنيين

مصر ــ السيسي: موسم سيطرة العسكر وتهميش المدنيين

13 اغسطس 2015
أبدى السيسي عدم رضاه عن وزير النقل (Getty)
+ الخط -
خرج الصراع بين الجناحين العسكري والمدني داخل النظام المصري من السرّ إلى العلن، في ظل تأييد ضمني من الرئيس عبد الفتاح السيسي للجناح العسكري والأمني، الساعي إلى سيطرة الجيش والشرطة على جميع المرافق والوزارات الخدمية، المتصلة بمصالح المواطنين، بحجّة "الرغبة في تحقيق إنجازات سريعة على الأرض"، وبذريعة أن "القوات المسلحة وحدها القادرة على تنفيذ المشروعات القومية الكبرى".

ويكاد يكون لقاء السيسي بقيادات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، يوم السبت الماضي، للتصديق على بدء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة تطوير الطرق على مستوى البلاد، نقطة التحول في علاقة الصراع بين العسكريين والمدنيين على السيطرة.

وعلى الرغم من أن اللقاء يخصّ الطرق في المقام الأول، إلا أن وزير النقل هاني ضاحي، غاب عنه. وضاحي الآتي من خلفية مدنية لا عسكرية، بحكم كونه مسؤولاً سابقاً بهيئة البترول، بات خارج سياق "رضى السيسي". وفي رأي السيسي، فإن "السبب يعود لضعف أداء الوزارة والهيئات الحكومية التابعة لها، والتي كانت مسؤولة طوال السنوات السابقة عن مشروعات الطرق"، قبل أن يأتي نظام 3 يوليو/تموز 2013، ويبدأ في سحب المشروعات واحداً تلو الآخر منها لتتولى تنفيذه الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة.

ووفقاً لمصادر حكومية، فإن الدائرة العسكرية المحيطة بالسيسي، وعلى رأسها مدير مكتبه عباس كامل، تحاول إقناعه بإجراء تعديل وزاري عاجل، قبل انتخاب مجلس النواب العتيد، يشمل الإطاحة بعدد من وزراء المجموعة الخدمية ذوي الخلفية المدنية، والدفع بشخصيات عسكرية بدلاً منهم، وإسناد جميع المشروعات التي تتولاها الوزارات حالياً إلى القوات المسلحة، كما كان الوضع بالنسبة إلى حفر تفريعة قناة السويس الجديدة.

وعلى رأس ما تريد الدائرة العسكرية تأمين سيطرة الجيش في القريب العاجل على شبكة الطرق على المستوى القومي، فهو يتحكم الآن في أكبر أربعة طرق في البلاد، وهي: الطرق الواصلة بين القاهرة والإسماعيلية والإسكندرية (طريقان) والصعيد، ويرغب في بسط سيطرته على المزيد.

وإلى جانب مساهمته في تحسين كفاءة هذه الطرق، رفع الجيش تعريفات المرور على هذه الطرق بنسب تصل إلى 25 في المائة، يتمّ توظيفها في موارد الهيئة الهندسية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع.

وتستغلّ الدائرة العسكرية "البروباغندا" الإعلامية، والتي ثارت حول تفريعة قناة السويس للترويج لكفاءة الجيش في إنجاز وإدارة مثل هذه المشروعات. كذلك تطوّر الخطاب الإعلامي التابع للدائرة، إلى حدّ إجراء مقارنة بين إنجازات النظام "العسكري" في مقابل "التعثر" في المشروعات المسندة إلى هيئات الحكومة، والتي يديرها المدنيون بالتعاون مع شركات مقاولات عامة وخاصة. وأظهرت الدائرة فشل الدولة في إنهاء ما تعهّد به السيسي من إنجاز في مشروع الطرق، والذي كان مرتقباً تدشينه رسمياً في الأسبوع الأول من أغسطس/آب الحالي.

وعلى الرغم من أنه كان معروفاً أن كل إمكانات الدولة وشركات المقاولات المتعاملة معها قد سُخّرت لخدمة مشروع تفريعة القناة، إلاّ أن السيسي ألقى باللائمة على وزير النقل في هذا الفشل، وسحب منه ملف المشروع بالكامل وأسنده إلى الجيش أيضاً.

اقرأ أيضاً مركز أبحاث الأمن القومي: السيسي قويٌّ بإسرائيل

وترى مصادر حكومية مطلعة أن "المقربين من السيسي من العسكر يتقدمون حثيثاً لتحقيق مقصدهم، بالسيطرة على مفاصل الدولة، لتعود كما كانت في ستينيات القرن الماضي، محكومة تماماً بأيدي العسكريين الحاليين أو السابقين. وهو ما يتسبب في شعور بعدم الراحة في الدائرة المدنية من النظام والحكومة، إذ يشعر وزراء القطاع الخدمي والاقتصادي بأنهم سيتركون مناصبهم في أي وقت، وأن فرصتهم لتحقيق شيء على أرض الواقع متوقفة على رضى المحيطين بالسيسي فقط".

ويتقاطع هذا الصراع مع القضية الأبرز المسيطرة على الشارع المصري حالياً، وهي غضب الموظفين العموميين من "قانون الخدمة المدنية"، والذي أصدره السيسي، معتنقاً التوجه النيوليبرالي، المتحرّر من قيود الإرث الاشتراكي لدولة جمال عبد الناصر، والذي يسمح بفصل الموظفين بناء على إنتاجهم ويلغي الأقدمية في الترقي، وغيرها من القواعد الراسخة في الجهاز الإداري للدولة.

وقد سمحت وزارة الداخلية بتنظيم تظاهرة كبرى، للمرة الأولى منذ إقرار قانون التظاهر نهاية عام 2013، لموظفي الضرائب والجمارك، ضد وزيرين ينتميان إلى المعسكر المدني بالنظام، وهما وزير التخطيط أشرف العربي ووزير المالية هاني قدري دميان. وعلى الرغم من أن العربي هو الابن الروحي لمستشارة السيسي فايزة أبو النجا، إلّا أن صعود نجمه في الآونة الأخيرة وتداول اسمه كمرشح محتمل لخلافة إبراهيم محلب رئيساً لمجلس الوزراء، أزعج الدائرة العسكرية والأمنية المقربة من السيسي. وظهرت على الفور التظاهرات الكفيلة بإحراجه و"حرقه إعلامياً"، وإظهاره كوزير لا يستطيع إدارة دولاب العمل الحكومي، لا سيما أن وزارته هي الأقل عدداً من حيث الموظفين على مستوى الحكومة.

وبدأت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام تردّد اسم رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش كمرشح مُحتمل لرئاسة الوزراء، قبل أو بعد تشكيل البرلمان المقبل، كما سبق أن ذكرت "العربي الجديد". كذلك باشرت التخطيط لحملة إعلانية مساندة لمميش، بالبناء على مشروع تفريعة القناة، على أن يخلفه في رئاسة الهيئة اللواء أسامة الجندي المقرّب من السيسي والقائد السابق للقوات البحرية.

وبحسب مصادر مطلعة على هذا الملف، فإن أمام السيسي عائقين يجب تجاوزهما قبل تعيين مميش رئيساً للحكومة بدلاً من محلب: يتمثل العائق الأول في رغبة السيسي ضمان مساندة مجلس النواب المقبل له، قبل تغيير رئيس الحكومة، حتى لا يقع الخلاف بينه وبين البرلمان على اسم خليفة محلب. أما العائق الثاني فيتمحور حول التخوّف من أن يتم تسويق تصعيد مميش في الإعلام الغربي، كخطوة للتحكم العسكري الكامل في البلاد، لا سيما أن الأربعين عاماً الماضية لم تشهد تعيين رئيس وزراء من خلفية عسكرية.

اقرأ أيضاً: 388 ألف دولار خسائر يومية لانقطاع الكهرباء في مصر

المساهمون