ظاهرة دونالد ترامب تطارد جمهوريي أميركا

ظاهرة دونالد ترامب تطارد جمهوريي أميركا

31 يوليو 2015
لا يقرأ ترامب أيّاً من خطاباته ويكرر مواقفه الرنّانة(Getty)
+ الخط -
يعتبر المرشح الرئاسي، دونالد ترامب، كابوس السباق الرئاسي عند الجمهوريين، الذين يتساءلون يومياً عن موعد رحيله عن المشهد السياسي، وعن ماهية الأسباب التي ستؤدي إلى سقوطه الحتمي، ليتوقّف بذلك عن سرقة الأوكسجين الإعلامي من سائر منافسيه.

بالنسبة إلى مقدّمي البرامج الكوميدية الأميركية الساخرة، فإنّ ترامب هدية لا تعوّض. لم يستطيع المقدِّم، جون ستيوارت، إخفاء فرحته على الهواء، عند ترشح ترامب، إذ أعطاه مادة دسمة يومية تملأ وقتاً آخر أيام برنامجه التلفزيوني. لا يقول ترامب شيئاً ذا مضمون ولا حتى فكرة تعكس أنه يتأمل في قراراته. بعكس منافسيه، لا يقرأ أيّاً من خطاباته، بل يكرر المواقف الرنّانة ذاتها من بناء جدار على طول الحدود مع المكسيك بقيمة 2.5 مليارَي دولار، إلى وقف الهجرة والقول، إنّ "الصين تفوز علينا"، والتباهي بثروته وقدرته على التفاوض ووصف المسؤولين الأميركيين بأنهم "أغبياء".

كما يرتجل ترامب انتقاداته ولا ينجو أحد من مرمى نيرانه. اعتبر دونالد أنّ السيناتور الجمهوري، جون مكاين، الذي تم أسره في حرب فييتنام وتعرض للتعذيب، ليس "بطل حرب"، مضيفاً أنّه "بطل حرب فقط لأنه تمّ أسره، لا أحب الناس الذين يتم أسرهم". قرأ أمام مناصريه رقم هاتف السيناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي، ليندسي غراهام، وطلب منهم الاتصال به والإعراب عن موقفهم منه. وكان رد غراهام بأن نشر إعلاناً مصوّراً يظهر فيه يحطّم بعنف أكثر من هاتف خاص له.

وبعيداً عن السياسيين، لم يوفّر ترامب أيضاً المؤيدين الجمهوريين، مثل الكاتب والصحافي، جورج ويل، والصحافي، تشارلز كراوتهامر، معتبراً أنهما مؤيدان "مبالغ في أهميتهما". حين سبقه أخيراً حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت والكر، في استطلاعات الرأي في ولاية أيوا، قال ترامب لمناصريه بكل صراحة: "لا أحب أن أكون في المركز الثاني، ساعدوني لأعود إلى المركز الأول".

اقرأ أيضاً: مالك "فوكس نيوز" روبرت مردوخ ينتقد دونالد ترامب

يقود ترامب حالياً السباق الرئاسي عند الجمهوريين على المستوى الوطني، ويتصدر بنسبة 18 في المائة مقابل 15 في المائة لمنافسه الجمهوري حاكم ولاية فلوريدا السابق، جيب بوش. كما يتفوّق ترامب في أكثر ولايتين أهمية في الانتخابات التمهيدية، وهما أيوا (يتقدم ترامب على سكوت والكر بنسبة 19 مقابل 17 في المائة)، ونيوهامبشير (يتقدم ترامب على جيب بوش 24 مقابل 12 في المائة). ضحايا صعود ترامب في استطلاعات الرأي، هم منافسوه، السيناتور عن فلوريدا، مارك روبيو، وحاكم ولاية أوهايو، جون كاسيتش، وحاكم ولاية أركنساس السابق، مايك هكابي. 

وليتجاوز هذا الأخير عقدة ترامب ولفت أنظار الإعلام، اضطر هكابي إلى التغريد عن الاتفاق النووي بين إيران والغرب، مشيراً إلى أنه "يسير بالإسرائيليين إلى باب المحرقة"، في إشارة إلى الهولوكوست، ما أثار ضجة إعلامية دفعت بالرئيس الأميركي، باراك أوباما، للرد عليه في أثناء جولته الأفريقية، معتبراً أن هذا التعليق "مثير للسخرية لو لم يكن حزيناً جداً".

تقف الأوساط الجمهورية عاجزة عن مواجهة ترامب أو حتى استيعابه. هو الذي هدّد أخيراً بأنه سيترشح كمستقل في الانتخابات العامة في حال تعمّد الحزب الجمهوري تهميشه. على مسرح المناظرة الرئاسية الأولى عند الجمهوريين، يوم الخميس المقبل، سيكون هناك أربعة من أصل عشرة مرشحين من خارج السياق الذي ترغبه القيادة التقليدية في الحزب الجمهوري، وهم إضافة إلى ترامب وهكابي، كل من السيناتور تيد كروز (الذي يشن حملة على القيادة الجمهورية في الكونغرس) والطبيب الجراح الأفريقي ــ الأميركي، بين كارسون. ويخشى الحزب الجمهوري أن تخرج المناظرة عن السيطرة، وتسبّب المزيد من الانقسام بين الجمهوريين.

بدأ ترامب أخيراً، رسم معالم المواجهة مع جيب بوش، إذ اعتبر أن منافسه الرئيسي يخضع لسيطرة من يموّله من النافذين ومجموعات الضغط. هنا، قد يكون ترامب المرشح الوحيد الذي يتجرأ بالتباهي بثروته وتحويلها إلى نقطة قوة، بالقول، "لا أحتاج إلى أموال المتبرعين لاستدامة حملتي". لكنّ هناك شكوكاً في ما إذا كان لدى ترامب فعلاً أكثر من مليار دولار نقداً لاستثمارها، وهو المبلغ الإجمالي الذي يحتاجه أي مرشح لعبور كل مراحل السباق إلى البيت الأبيض.

تشير إحصاءات لجنة الانتخابات الفيدرالية إلى أن ترامب أعطى حملته الرئاسية قرضاً قيمته 1.8 مليون دولار وجمع فقط 100.000 دولار من التبرعات حتى الآن. قد يحتاج إلى مبلغ أكبر بكثير، في حال أراد الاستمرار في المنافسة حتى نهاية العام.

ظاهرة ترامب تعكس، قبل كل شيء، تمرّد القاعدة المحافظة على القيادة التقليدية في الحزب الجمهوري. وفي مغزى استمرار هذه الظاهرة، رسالة من القاعدة الجمهورية بأنها ليست راضية عن المرشحين الحاليين، وأنها تتوق إلى مرشح غير مكبّل يقول الأمور من دون مواربة. تكمن المعركة، بعد الانتهاء الحتمي لهذه الظاهرة، في هوية ورثة أصوات ترامب، وما إذا كانت القاعدة ستبقى المحافظة على الحياد في الانتخابات العامة وتحرم الجمهوريين مرة أخرى من العودة إلى الحكم.

اقرأ أيضاً: الجمهوريون يلتفّون حول بوش ويقمعون ترامب