أكراد سورية واختبار التقارب الأميركي التركي في العملية العسكرية

أكراد سورية واختبار التقارب الأميركي التركي في العملية العسكرية

29 يوليو 2015
آلية عسكرية تركية على الحدود مع سورية (فتح أقطس/الأناضول)
+ الخط -
لم تكن العلاقات الأميركية التركية سهلة عند وصول حزب "العدالة والتنمية" الى الحكم عام 2002. فقد رفضت أنقرة حينها إعطاء الطائرات الأميركية الضوء الأخضر لعبور أراضيها خلال غزو العراق. لكن تغيرت المصالح اليوم، وقررت الحكومة التركية فتح قواعدها الجوية أمام الطائرات الأميركية، تسهيلاً لفرض أمر واقع جديد في شمال سورية يقرّب العلاقة بين الحليفين اللدودين.


اقرأ أيضاً العملية التركية: مناطق "خالية" وهجمات حتى تغيير موازين القوى

هذا لا يعني البتة أن التناقض بين الطرفين في النظرة الى الحرب في سورية قد أُزيل؛ فعين أنقرة لا تزال على إسقاط ما تبقى من نظام بشار الأسد وتهميش حزب "العمال الكردستاني"، فيما ينحصر اهتمام واشنطن في وقف تمدد خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ويقوم الاتفاق الآن بين الطرفين من ناحية المبدأ على إقامة منطقة عازلة في شمال سورية، غير أن النقاش لا يزال جارياً حول تفاصيلها. وعند تنفيذ تعقيدات هذه المنطقة، سيتم اختبار هذا التقارب الأميركي التركي المستجد.

من ناحية الشكل، تسميها واشنطن "منطقة خالية من (داعش)" فيما تعتبرها أنقرة "منطقة آمنة" للنازحين السوريين؛ هي حظر جوي غير معلن يريح تركيا من خطر الأكراد ويقربها من إسقاط نظام بشار الأسد ويخفف عنها تدفق النازحين.

من جهة ثانية، ترضي المنطقة رغبة واشنطن في محاربة "داعش" من دون توريطها أكثر في الحرب السورية، كما يعطيها وعداً تركياً بفرض المزيد من الحصار على إمدادات "داعش".

تحرص واشنطن على عدم تسمية الإجراء بأنه "حظر جوي" لما يترتب على هذا الأمر من احتمال زيادة تدخلها في سورية، أو تفسيرها على أنها خطوة أبعد من محاربة تنظيم "داعش". غير أن الإدارة الأميركية تقرّ أنّ هذا الحظر الجوي سيكون قائماً عملياً.

إذاً، التباين بين واشنطن وأنقرة الآن ليس في إنشاء المنطقة العازلة، بل في من يحكم الأرض فيها. وتلمح المصادر الأميركية الى مساحة أقل من 40 كيلومتراً في العمق السوري، لأن هناك مناطق استراتيجية بالنسبة إلى "داعش" ويتطلب الأمر معارك لاسترجاعها. كما أنّ هناك اعتقاداً أميركياً أن الجيش السوري الحر قد لا يملك الموارد الضرورية لتولي هذه المهمة، وليس واضحاً إذا كان الغطاء الجوي كافياً للردع بدون التزام عسكري تركي على الأرض.

ومن هنا تأتي الخطوة التالية بالنسبة الى واشنطن، وهي بدء التنسيق العسكري مع فصائل المعارضة السورية على الأرض في شمال سورية، كما فعلت مع الفصائل الكردية في معركة عين العرب (كوباني). ومع تعيين السفير الأميركي الجديد لدى سورية مايكل راتني، ستزيد وتيرة التنسيق السياسي، إذ يتوقع أن يبدأ راتني قريباً جولة محادثات مع المعارضة السورية.

وفي هذا الإطار، قال مسؤول في الادارة الأميركية لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنه سيكون هناك تعاون أميركي تركي لدعم "الشركاء على الأرض في شمال سورية الذين يواجهون (داعش)".

بالنسبة لأنقرة، فإن المشكلة هي مع وحدات "حماية الشعب" الكردية في سورية، باعتبارها الذراع المسلح لحزب "العمال الكردستاني"، والتي تسعى الى ربط مدينة عفرين بالمناطق الكردية الأخرى في شمال سورية، وهذا على الأرجح أحد أبرز دوافع التدخل التركي. غير أن الموقف الأميركي يقلل من أهمية حدوث مثل هذا السيناريو، لا سيما أن واشنطن لديها علاقة جيدة مع الفصائل الكردية في سورية وهي ليست بهذا العداء. وكان الطرف التركي يرفض التعاون مع واشنطن في محاربة "داعش" بدون أن تكون الغاية النهائية إسقاط الأسد، والآن يبدو كأن الطرف الأميركي قد يتحفظ على المنطقة الآمنة إذا كانت الغاية النهائية تهميش الأكراد في سورية.

وكانت الإدارة الأميركية قد رفضت أخيراً طلباً تركياً بأن تعلن واشنطن أن الفصائل الكردية في سورية مجموعة إرهابية. وتأخذ الحكومة التركية على الولايات المتحدة أن الطائرات الاميركية أنزلت السلاح الى الحزب "الديمقراطي الكردستاني" خلال معركة عين العرب، لكنها قبلت بهذا الأمر على مضض، وحتى أنها سمحت للأكراد في العراق ببدء دعم المقاتلين الأكراد في سورية ومدهم بالسلاح. غير أنّ هذه المعادلة انتهت الآن؛ فتركيا فتحت المواجهة في أكثر من اتجاه. وعلى ما يبدو فإن القضية الكردية قد تكون منذ الآن العائق الرئيسي في تقاربها مع واشنطن.

من جهة ثانية، قد تمتنع الإدارة الأميركية عن انتقاد تركيا رغم أن لديها الكثير لقوله في هذا الاتجاه، غير أنها تحرص دائماً على إدارة الخلاف مع تركيا بصمت. في هذا الإطار، بدا ارتباك المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي خلال المؤتمر الصحافي في تفسير كيف تسارع تركيا في قصف حزب "العمال الكردستاني" وتتردّد في استهداف "داعش". وكانت تسريبات تحدثت خلال جولة وزير الدفاع أشتون كارتر الإقليمية أن الأخير قد يزور تركيا لكن الزيارة لم تحصل.

أما الآن، فقد تغيرت المعادلة وتسارعت وتيرة التنسيق بين الجانبين بعد تسوية تم فيها سحب فيتو كلا الطرفين. فتركيا فتحت أجواءها أمام الأميركيين بشرط أن يتم فرض حظر جوي على سورية، والولايات المتحدة تخلت عن رفضها لأي مبادرة في شمال سورية بشرط ألا تصنف الخطوة على أنها حظر جوي. الغاية الأميركية هي إنهاء نفوذ "داعش" على الحدود التركية، وفتح الأجواء أدى الى تقصير المسافة والوقت أمام الطائرات الأميركية التي تحلّق لقصف عناصر ومواقع "داعش" في سورية والعراق. في حال تبلور هذه المنطقة الآمنة، ستكون أول اختبار لهذا التقارب الأميركي التركي، والأهم من ذلك، أول اختبار لسيناريو مرحلة ما بعد الأسد.


اقرأ أيضاً: العملية التركية ضد "داعش": فصل يكتمل بإسقاط النظام السوري