تبنٍّ أميركي لـ"المنطقة الخالية"

تبنٍّ أميركي لـ"المنطقة الخالية"

28 يوليو 2015
داود أوغلو: لا نية لإرسال الجيش التركي لسورية (الأناضول)
+ الخط -
لم يعد الدعم الأميركي لتركيا في مشروع إقامة المنطقة الآمنة أو العازلة داخل الأراضي السورية، شفهياً فحسب، بعد إعلان مسؤول أميركي، رفض الكشف عن اسمه لوكالة "فرانس برس"، أمس الإثنين، أن "الولايات المتحدة وتركيا، متفقتان على العمل معاً لتطهير شمال سورية من داعش". وأكد المسؤول أن "الهدف هو إقامة منطقة خالية من التنظيم، وضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار على طول الحدود التركية مع سورية". وبدا واضحاً من خلال التصريحات والتسريبات الأخيرة للمسؤولين الأتراك بأن الحرب على تنظيم "داعش"، ليست سوى طريق لتحقيق هدفين استراتيجيين بالنسبة لأنقرة، وهما: الحدّ من تعاظم قوة وشرعية العدو التقليدي، أي حزب العمال الكردستاني، التي اكتسبها بنجاحاته في قتال "داعش". أما الهدف الثاني فهو ضرب النظام السوري عبر القضاء على أحد أهم مبررات بقائه حتى الآن، وهو التنظيمات السلفية الجهادية التي يأتي "داعش" في مقدمتها.

وسبق للبيت الأبيض أن دافع يوم الأحد، عن "حق تركيا في ضرب حزب العمال الكردستاني"، وفقاً لما أفاد به نائب مستشار الأمن القومي بن رودس. واعتبر رودس أن "الولايات المتحدة تعدّ العمال منظمة إرهابية، ومن حق تركيا القيام بأعمال ضد أهداف إرهابية"، مرحباً في الوقت عينه بالهجمات التركية على "داعش". وجاء الدعم الأميركي في ظلّ اتهامات للجيش التركي بقصف مواقع كردية في منطقة زور مغر، بالقرب من جرابلس، في الشمال السوري. الأمر الذي نفته أنقرة، التي أعلنت على لسان مسؤول، لم يكشف عن اسمه، لوكالة "فرانس برس"، أن "العمليات العسكرية الجارية، تهدف إلى القضاء على المخاطر التي تهدد الأمن القومي التركي، وهي تواصل استهداف تنظيم داعش في سورية، وحزب العمال في العراق". وأكد المسؤول أن "وحدات حماية الشعب (الجناح العسكري للأكراد في سورية) وسواها، ليست ضمن أهداف عملياتنا العسكرية".

على الرغم من ذلك، حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال أحمد داود أوغلو، يوم السبت، بأن "الموقف التركي من الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري من حزب العمال الكردستاني) يعتمد على سلوك الأخير". وذكر داود أوغلو أن "الاتحاد الديمقراطي لم يزعجنا كالعمال أو داعش، ولكن إن فعلوا سنردّ فوراً". وأضاف أن "على الجميع أن يفهم، بأن استراتيجية الجمهورية التركية تقوم على أساس اعتبار نفسها حامية للأكراد، فلا أزمة لنا مع الأكراد بشكل عام ولا مع أكراد سورية، ما داموا لا يزعجوننا، والدليل على ذلك علاقاتنا القوية وتحالفنا مع مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق". وكرر داود أوغلو الشروط التركية القديمة من أجل التعاون مع "الاتحاد الديمقراطي"، قائلاً: إن "لم يزعجوا تركيا وقطعوا علاقتهم مع النظام السوري، وتعاونوا مع قوات المعارضة السورية، عندها سيكون لهم مكان في سورية الجديدة التي سنعمل على إنشائها".

اقرأ أيضاً: تركيا تبحث عن "الشريك السوري" في "المنطقة الخالية"

وفي اجتماع السبت مع رؤساء تحرير معظم الصحف التركية الكبرى، أكد داود أوغلو، بأن "المعركة غيّرت اللعبة الإقليمية، ونريد من الجميع أن يقرأ ويُقيّم موقفه من الشروط الجديدة، التي شكّلتها العمليات العسكرية الأخيرة". وأبدى ثقته "بأن الفاعلين السياسيين داخل تركيا وخارجها، يعرفون تماماً أن ما قبل العمليات ضد العمال وداعش، مختلف تماماً عما بعده، فوجود تركيا، التي تستخدم قوّتها بشكل فعّال، سيؤدي إلى نتائج، يُمكن أن تغيّر اللعبة في سورية والعراق والمنطقة بأسرها. الجميع يجب أن يرى ذلك".

وعن الأسباب المباشرة لبدء الحملة العسكرية، كشف داود أوغلو، أنه "كنا في اجتماع أمني لتقييم التفجير الانتحاري الذي ضرب بلدة سروج، وبحث سبل الرد، لتأتينا الأخبار عن مقتل أحد جنودنا على الحدود في سورية. إن تلك الهجمة تحديداً دفعتنا للعمل، فقد أصبح الأمر، بمثابة قضية وجودية بالنسبة للجمهورية التركية. ولو تأخر ردّنا أسبوعاً أو أكثر، فسيكون من دون معنى".

وحرص على القول إن "العمليات التركية لم توقع أي ضحايا مدنيين حتى الآن، بينما قتلت القوات التركية عناصر من داعش، كانوا على الحدود أثناء قتل الجندي التركي، بالإضافة إلى تدمير مستودعات الأسلحة في معاقل العمال في شمال العراق". وأفاد بأنه "إن قام العمال بسحب كل وحداته المسلحة خارج الحدود التركية، كما وعد في يونيو/حزيران 2013، عندها لن يرى الطائرات التركية تدكّ معاقله في جبل قنديل كما تفعل الآن".
وأكد داود أوغلو للصحافيين، بأن "أسباباً رئيسية تركية، منعت حصول الاتفاق مع الأميركيين وفتح قاعدة إنجرليك، وهي رغبة أنقرة بأن يكون إسقاط نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد هدفاً في إطار الحرب على داعش، لكونه مصدر المشكلة. كما ترغب تركيا في إنشاء منطقة عازلة محمية بحظر طيران على الأراضي السورية، بغية استيعاب تدفق اللاجئين السوريين من جهة ولتكوين مكان آمن لقوات المعارضة السورية المعتدلة من جهة أخرى". وأشار إلى أنه "عندما حُلّت هذه الاشكاليات، حصلت الاتفاقية، وفتحنا قاعدة إنجرليك".

وأضاف أوغلو في الاجتماع، بأنه "لا نية لدى أنقرة بإرسال الجيش التركي نحو الأراضي السورية". وأفاد بأن "الاتفاق الذي توصلنا له، غطّى عدداً من رغباتنا إلى حدّ ما، ولا أستطيع الخوض في التفاصيل، لكن على سبيل المثال استطعنا الحصول على تغطية جوية لعناصر الجيش السوري الحر والمعارضة السورية المعتدلة. وإن لم نقم بإرسال جنود على الأرض، ولن نقوم بذلك، سنستطيع حماية القوات التي تعمل على الأرض بالتعاون معنا، كما سيتم تسريع برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة خلال الأيام المقبلة".

ووسط هذا الحراك، استثنى داود أوغلو قيادات حزب "الشعوب الديمقراطي"، من الاتصالات التي أجراها مع كل من كمال كلجدار أوغلو زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، ودولت بهجلي زعيم "الحركة القومية"، والتي أطلعهما خلالها، على آخر تطورات العمليات العسكرية. كما استُثني "الشعوب الديمقراطي" من الزيارة التي ستقوم بها هيئة وزارة الدفاع المكونة من وزير الدفاع وجدي غونول ومستشارين عسكريين لقيادات الأحزاب السياسية الموجودة في البرلمان، لإطلاعها على آخر التطورات الخاصة بالعمليات.

لكن "الشعوب الديمقراطي"، لم يتأخر في الردّ، حين أكد بأن "نوابه الموجودين في مجلس رئاسة البرلمان التركي، لن يحضروا الزيارة التي سيقوم بها رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان للتباحث معهم في شأن العمليات العسكرية". لا بل إن الرئيس المشارك لـ "الشعوب" صلاح الدين دميرتاش، اتهم الحكومة التركية بـ"جرّ البلاد إلى حرب أهلية"، معتبراً أن "حكومة مؤقتة برئيس وزراء مؤقت، يقومان بجرّ البلاد خطوة بخطوة إلى حرب أهلية وحرب إقليمية، بعد أن تمّ جرّ تركيا بالفعل إلى أسفل مستنقع الشرق الأوسط، بسبب السياسات الخاطئة في سورية".

اقرأ أيضاً العراق: تأييد حكومي ضمني للعملية التركية بانتظار المكاسب