استعدادات سورية للتدخل التركي كرديّاً و"داعشياً"

استعدادات سورية للتدخل التركي كرديّاً و"داعشياً"

24 يوليو 2015
تركيا تسعى لإنشاء نظام أمني متكامل لحماية حدودها (الأناضول)
+ الخط -
 
أعلنت حكومة ولاية كيلس التركية الحدودية مع سورية، بعد منتصف ليل الأربعاء ـ الخميس، عن إنشائها منطقتين أمنيتين على حدود الولاية مع سورية، وذلك لمدة خمسة أيام، اعتباراً من بعد ظهر أمس الخميس وحتى بعد ظهر الثلاثاء المقبل. وجاء قرار حكومة الولاية بعد ساعات قليلة من حديث نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج، عن عزم تركيا إنشاء نظام أمني متكامل لحماية حدودها مع سورية.

وأوضح أرينج في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة أنقرة، عقب اجتماع مجلس الوزراء التركي يوم الأربعاء، أن "النظام الأمني الذي تعتزم الحكومة التركية تنفيذه على الحدود السورية، يهدف إلى منع تسلل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ورفع التدابير الأمنية على الحدود، خصوصاً بمحاذاة المناطق السورية التي يُسيطر عليها التنظيم".
كما نقلت وكالة "رويترز" عن البيت الأبيض، أن "الرئيسين الأميركي باراك أوباما والتركي رجب طيب أردوغان، اتفقا خلال اتصال هاتفي الأربعاء، على العمل معاً لوقف تدفق المقاتلين الأجانب وتأمين حدود تركيا مع سورية".

يعود اختيار الحكومة التركية لولاية كيلس، لتبدأ منها خطتها الأمنية الجديدة على الحدود السورية، إلى التعقيد الكبير للوضع الميداني على الجانب السوري من الحدود المقابلة للولاية، حيث يسيطر "داعش" على منطقة الباب وريفها، وصولاً إلى بلدتي الراعي السورية الحدودية المقابلة لكيلس. كما يسيطر "داعش" على عدد من البلدات والقرى في ريف منطقة أعزاز الحدودية مع كيلس أيضاً، وأهمها بلدات أخترين ودابق واحتيملات وصوران وصولاً إلى قرية دوديان، فيما تحتفظ قوات المعارضة السورية بالسيطرة على أعزاز ومعبر باب السلامة الحدودي المقابل لمدينة كيلس.

في المقابل، تسيطر قوات "حماية الشعب" الكردية التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" على منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، المقابل أيضاً لحدود ولاية كيلس. وتشهد جبهات القتال بين الأطراف المتنازعة في سورية في المناطق المقابلة لكيلس هدوءاً نسبياً في هذه الفترة بعد هجوم "داعش" الأخير على مناطق سيطرة المعارضة السورية في المنطقة مطلع الشهر الماضي. إلا أن المناطق الحدودية السورية شهدت في الفترة الأخيرة عمليات زرع ألغام من قبل "داعش" في مناطق سيطرته في ريف مدينة الباب الشمالي، بينما نفّذت قوات "حماية الشعب" تشديدات أمنية كبيرة في ريف عفرين، التي تسيطر عليها القوات الكردية.

اقرأ أيضاً: أوباما وأردوغان يتفقان على وقف تدفق المقاتلين إلى سورية

وأكد الناشط الإعلامي همام عبد القادر من ريف حلب، أن "مسلّحي داعش قاموا منذ مطلع الشهر الحالي بزرع كميات كبيرة من الألغام في الأراضي الزراعية على الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا، في مناطق سيطرة داعش الممتدة من قرية عرب عزة شمال مدينة الباب وصولاً إلى بلدة دوديان في ريف أعزاز". وأشار عبد القادر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الألغام التي تم زرعها قد تسببت حتى الآن بمقتل أربعة على الأقل من المزارعين والأطفال في القرى الحدودية التي يسيطر عليها داعش، وذلك بسبب قيام التنظيم بزرعها بشكل عشوائي في القرى الحدودية، من دون أن يعلم السكان بأماكن وجودها، ما أدى إلى انفجار عدد منها بالفلاحين والأطفال الذين يرعون الأغنام في القرى الحدودية".

من جهة ثانية، بدأت قوات "حماية الشعب" الكردية بتنفيذ إجراءات أمنية جديدة في ريف عفرين الشمالي، بهدف منع النازحين من التسلل ليلاً إلى الأراضي التركية عبر السلك الحدودي، الذي يفصل بين مناطق سيطرتها في عفرين وولاية كيلس، وذلك من خلال نشر عشرات الحواجز بين القرى يقف عليها مسلحون ملثمون لمراقبة الطرقات والسلك الحدودي ليلاً.

وكانت المناطق الحدودية في ريف حلب الشمالي، قد خرجت من سيطرة النظام السوري منذ بداية صيف عام 2012، حين تمكنت قوات المعارضة المتمثلة وقتها بـ"لواء التوحيد" التابع لـ"الجيش الحر" من السيطرة على مناطق أعزاز والباب ومنبج وجرابلس في نهاية شهر يوليو/تموز عام 2012. وانسحبت وقتها قوات النظام السوري بشكل متزامن من منطقة عفرين لتُسلّم المنطقة كلها لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، الذي شكل في ما بعد قوات "حماية الشعب" وهي قوات مهمتها الدفاع عن حدود مناطق سيطرة الحزب، وقوات "الأسايش" وهي قوات أمن داخلي. وتبع ذلك تأسيس الحزب لنظام "الإدارة الذاتية" في المناطق التي يسيطر عليها في سورية، والذي تكوّن من ثلاثة كانتونات، يسيطر عليها الحزب، وهي: كانتون عفرين وكانتون عين العرب وكانتون الجزيرة السورية.

وحافظ حزب "الاتحاد الديمقراطي" على سيطرته على منطقة عفرين، التي شهدت استقراراً نسبياً منذ ذلك الوقت، ودفع ذلك بأكثر من مئتي ألف نازح من مدينة حلب وريفها إلى النزوح نحو مدينة عفرين وريفها، هرباً من قصف طائرات النظام السوري. وشهدت المنطقة إثر ذلك ازدهاراً اقتصادياً بحكم اتساع سوق المواد الاستهلاكية ومستلزمات الحياة اليومية، التي زاد الطلب عليها بشكل كبير مع تدفق النازحين بشكل كبير إلى عفرين وريفها.

أما مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، التي انتزعت السيطرة عليها من يد النظام السوري في بداية صيف عام 2012، فلم تكن مستقرة كحال مناطق سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" في عفرين. وشهدت هذه المناطق صراعاً شاملاً بين قوات المعارضة من جانب وقوات "داعش" من جانب آخر، فبعد أن تمكنت قوات المعارضة من طرد التنظيم من ريف حلب بشكل شبه كامل في شهر يناير/كانون الثاني من العام الماضي، شنّ التنظيم اعتباراً من منتصف شهر فبراير/شباط في نفس العام هجوماً معاكساً، امتد لأشهر، نجم عنه حتى الآن استعادة التنظيم للسيطرة على مناطق جرابلس ومنبج والباب التي تقابل جميعاً الحدود السورية التركية شمال شرق مدينة حلب.

ويشير هذا التعقيد في مناطق السيطرة المقابلة للمنطقتين الأمنيتين اللتين أعلنت تركيا عن إنشائهما في ولاية كيلس، إلى زيادة احتمال تصعيد الوضع على الحدود المشتركة، فأي مناوشة بين قوات الجيش التركي، التي تواصل انتشارها على الحدود، مع "داعش" أو "وحدات الشعب" الكردية، قد تدفع الأوضاع على الحدود إلى الانفجار بشكل كلي بما يشمل دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية للمرة الأولى.

اقرأ أيضاً: هل يسرّع تفجير سروج المنطقة التركية الآمنة في سورية؟

المساهمون