الفلسطيني في سورية ورحلة التيه والموت

الفلسطيني في سورية ورحلة التيه والموت

15 يوليو 2015
يتم إرجاع الفلسطينيين المتوجهين الى الحدود (محمد هافيلا/الأناضول)
+ الخط -
وكأنّ الحصار والحرب والتجويع لا تكفي الفلسطينيين في سورية، لتزداد معاناتهم مع منعهم من التنقل والسفر خارج سورية، أو حتى السفر الى المحافظات القريبة من الحدود التركية خشية أن يحاولوا دخول الأراضي التركية عن طريق التهريب. وعلى الرغم من نفي هذا الأمر، غير أنّ الممارسات على أرض الواقع تؤكّد تقييد حرية الفلسطينيين ومنعهم من السفر.

اقرأ أيضاً: الوكالة تضع الفلسطينيين في دائرة الخطر

وكانت مواقع فلسطينية قد ذكرت، أن السلطة الفلسطينية ممثلة برئيس هيئتها السياسية في دمشق، أنور عبد الهادي، "طلبت من رئيس الأمن القومي السوري، اللواء علي مملوك، منع الفلسطينيين المقيمين في سورية من السفر، لما يشكله الفلسطينيون من عبء كبير على السلطة في الخارج لكثرة احتياجاتهم وطلباتهم". غير أنّ عبد الهادي نشر على صفحته في موقع "فيسبوك" نفياً لهذا الأمر. وقال الخبر الذي أوردته وكالة (وفا) الفلسطينية الرسمية، إن عبدالهادي بحث مع نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، أوضاع الفلسطينيين في سورية، وإن "حكومته مع أي حل تتوصل إليه منظمة التحرير الفلسطينية لمشكلة حصار مخيم اليرموك، وإنها لن تمنع دخول أو خروج أي فلسطيني من مخيم اليرموك، أو من سورية، حيث يعامل الفلسطيني في سورية معاملة السوري في أمور التنقل والسفر"، بحسب ما نقلت الوكالة عن المسؤول السوري.

غير أن المعلومات الميدانية تفيد أنه يتم إرجاع الفلسطينيين المتوجهين الى المحافظات الشمالية، حيث الحدود مع تركيا، وذلك بقرار غير معلن من حكومة النظام.

وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة "فلسطين حرة" أنه جرى "إعادة عائلات فلسطينية سورية عدة، وأشخاص بمفردهم من محافظات مثل حمص وحلب والقامشلي ومطار دمشق الدولي، بينما اختفى بعضهم دون معرفة مصيرهم، ويرجح أن يكونوا قيد الاعتقال" .

وتَواصل "العربي الجديد" مع العديد من الفلسطينيين في داخل سورية، وممن وصلوا بطريقة غير شرعية الى تركيا، أخيراً، قبل قرار التشديد والمنع، وتبين، من خلال شهاداتهم، أنه يتم ارجاع كل فلسطيني، بما في ذلك العائلات عند وصول الحافلات العامة التي ينتقلون بها الى حواجز النظام في محافظة حماة إذا كانوا قادمين من دمشق أو المناطق الجنوبية في البلاد، حيث الكثافة الفلسطينية الأساسية في سورية، وكذلك من مطاري دمشق والقامشلي.

وقال حمدان، وهو صحافي فلسطيني يحاول، منذ نحو شهر، الانتقال من دمشق الى حلب عبر وسائط النقل العامة، إن "جميع سائقي الحافلات رفضوا نقله لأنه فلسطيني ووجوده سوف يسبب مشاكل لهم عند حواجز النظام، وطلبوا منه الانتظار ريثما تخف الإجراءات المتبعة حالياً".

وواجه عبدالرحمن، وهو شاب خرج، حديثاً، من أحد المخيمات قرب دمشق ويريد السفر الى تركيا ومنها الى أوروبا، المشكلة نفسها على الرغم من أنه دفع مبلغاً يصل الى 400 دولار لأحد السائقين مقابل الموافقة على نقله الى حلب، مع العلم أن أجرة الراكب العادية من دمشق الى حلب لا تتعدى 10 دولارات. وقال عبدالرحمن، إنّ السائق أبلغه أنه غير مسؤول عنه في حال إرجاعه أو اعتقاله من أحد حواجز النظام، كما لن يعيد له نقوده.

من جهته، وصل الدكتور عبدالهادي الى الحدود التركية، قبل أكثر من شهرين، عن طريق الرقة، ومنها عبر الى داخل تركيا بمساعدة أحد المهربين، بعدما دفع له مبلغاً من المال، مشيراً الى أنه اجتاز بصعوبة حواجز للنظام ولتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفصائل معارضة عدة قبل أن يصل الحدود.

ويواجه عبدالهادي، اليوم، مشكلة إحضار زوجته وأولاده من سورية بعدما عثر في تركيا على عمل بمرتب بسيط، لكنه لم يستطع تأمينهم حتى الآن، على الرغم من أنه حاول بطرق شتى مثل اتباع طريقته، أي التهريب عبر الحدود الشمالية أو عبر مطار دمشق أو مطار القامشلي، كي يسافروا الى مكان ثالث، مثل أربيل أو إيران أو السودان عبر المطار ومنه الى تركيا.

لكن المشكلة كما يضيف عبدالهادي، لا تكمن فقط في العراقيل التي تضعها سلطات النظام السوري، بل في عدم موافقة تركيا على استقبال أي فلسطيني من دون تأشيرة يجب الحصول عليها من السفارات التركية في الخارج، وهذا أمر متعذر، لأن أقرب سفارة تركية الى سورية هي في بيروت، حيث تمنع السلطات اللبنانية دخول الفلسطينيين أيضاً. وفي حال نجح أحدهم في الدخول بطريقة ما (عبر دفع رشوة الى شرطة الحدود اللبنانية تصل الى ألف دولار)، ترفض السفارة التركية منحه تأشيرة دخول الأراضي التركية، وتطلب منه أن يكون معه دعوة من جهة تركية، وأن تصلها هذه الدعوة عبر الخارجية التركية، وهذا أمر شديد الصعوبة.

 وبغرض حل هذه المشكلة، التقى، قبل يومين، وفد يمثل "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية" السفير الفلسطيني في أنقرة، فايد مصطفى، وبحث معه إمكانية العمل لدى السلطات التركية من أجل السماح لفلسطيني سورية بالدخول بطريقة شرعية الى تركيا أسوة بالمواطنين السوريين الذين يعيش حالياً نحو 1.8 مليون منهم في تركيا مقابل بضعة آلاف فلسطيني سوري. وقال ممثل المجموعة في تركيا، أحمد الحسين، لـ"العربي الجديد"، إن "السفير وعد بطرح هذا الموضوع كأولوية في لقائه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال تقديم أوراق اعتماده حديثاً، وكذلك مع وزير الخارجية التركي، ووعد ببذل المزيد من الجهود مستقبلاً". وقدر أن "هناك ما بين (3) إلى (5) آلاف فلسطيني سوري، كانوا قد فروا إلى الأراضي التركية هرباً من الحرب الدائرة في سورية".

ويورد رئيس الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة السورية المؤقتة، أيمن فهمي أبو هاشم، على صفحته في "فيسبوك" حادثة لعائلة فلسطينية وصلت من دمشق الى تركيا، بعد دفع مبلغ 200 ألف ليرة سورية (نحو 750 دولاراً) رشى لحواجز النظام كي يسمحوا لهم بالعبور، وقال لهم ضابط مسؤول عن أحد تلك الحواجز، بعدما أخذ نصيبه من المال "انقلعوا واقعدوا بحضن الخونة، فهذه البلد للشرفاء فقط".

ويقول أبو هاشم، إن "تركيا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين أصبحت محطة عبور إلى أوروبا، وليست مكاناً يعيشون فيه، ريثما تتوفر لهم مقومات العودة إلى سورية، وهناك أسباب كثيرة جعلت من خيار الهجرة غير الشرعية، واقعاً اضطرارياً لا يجدون بديلاً منه، فهم يواجهون ظروفاً معيشية صعبة جداً، في بلد يستحيل لمن لا يستطيع تأمين مورد عمل أن يواجه متطلبات الإقامة والعيش فيه، لاسيما أن فرص العمل ليست متوافرة لغالبيتهم، وتحديداً أصحاب الشهادات والكفاءات العلمية، والقوانين التركية لا تسمح انخراطهم في سوق العمل، لأن دخولهم الأراضي التركية يتم بصورة غير شرعية، بسبب رفض السلطات منحهم تأشيرات دخول، مما ينجم عنه رفض منحهم إقامات نظامية". ويضيف أن "ما بين المشكلات المعيشية والقانونية وغموض المستقبل، يختارون أفراداً وجماعات طرق التهريب الخطرة، ويواجهون مخاطر الموت في البحار، عدا عمن يتعرض منهم لنصب وابتزاز المهربين".

وقتل نحو 2900 فلسطيني في سورية، منذ بدء الثورة السورية عام 2011، فضلاً عن آلاف المعتقلين والمفقودين. بينما هُجّر أكثر من 80 ألف منهم الى خارج سورية، بسبب استهداف معظم المخيمات الفلسطينية جراء الحرب السورية، والحصار المستمر على أكبر هذه المخيمات، وهو مخيم اليرموك قرب دمشق، منذ عامين، من جانب قوات النظام السوري والمجموعات المتعاونة معها.

اقرأ أيضاً: غطاء فلسطيني رسمي لدمشق لاجتياح اليرموك

المساهمون