نور الدين بكيس لـ"العربي الجديد": أحداث غرداية ليست طائفية

نور الدين بكيس لـ"العربي الجديد": أحداث غرداية ليست طائفية

11 يوليو 2015
الأحداث إعلان عن فشل مشروع الدولة الوطنية (فرانس برس)
+ الخط -

يشرح الباحث الجزائري المختص في علم الاجتماع ودراسة العنف المجتمعي نور الدين بكيس، في حوار مع "العربي الجديد"، صلة أحداث غرداية بالتحوّلات العنيفة التي يشهدها المجتمع الجزائري، ويضعها في سياق تمرد الجيل الجديد على المؤسسات الاجتماعية وانخراطه في العصبية.

ويرى بكيس أن سقوط قتلى بأعداد كبيرة هو الذي دفع بقضية غرداية إلى مقدمة الأحداث واستنفر السلطات العليا في البلاد، فعلى الرغم من أن القليل من المتابعين كانوا يتوقّعون هذا التّصعيد الخطير، إلا أن سيرورة الأحداث كانت توحي بمزيد من التعقيد كلما استمرت الأحداث.

ويلفت إلى أن "أحداث غرداية صورة معبّرة لهشاشة الدولة الوطنية في الجزائر وتراجع شرعية مؤسسات الدولة، فهي تختزل المشهد الجزائري في كون الجزائر اليوم أمام أزمة خطيرة بكل المقاييس، تبدأ من أزمة الدولة الجزائرية بكل مؤسساتها لتتفرع إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تستفحل يوماً بعد يوم"، مشيراً إلى أنه "في حال أردنا أن نضع عنواناً لهذه الأزمة، فهو إعلان عن فشل مشروع الدولة الوطنية القطرية ودخولها مرحلة الإنعاش".

ويرفض الباحث الجزائري وضع أحداث غرداية في إطار سياق طائفي، معتبراً أنه "ليس عيباً أن نتعايش في المجتمع الواحد بعرقيات وإثنيات مختلفة، ولكن العيب هو عجز الدولة كإطار منظّم للمجتمع عن بناء مؤسسات شرعية وقوية قادرة على تأطير المجتمع وضمان التوازن بين الحقوق والواجبات والتوزيع العادل للثروة"، موضحاً أن "الدولة ليست مطالبة بإنهاء الانقسامات والتنوعات الاجتماعية، لكنها مطالبة باحتوائها".

ويلفت إلى أن "التعاطي الإعلامي مع الحدث أسبغ عليه الكثير من الضبابية والغموض، وأحياناً لا ينبغي التركيز على الأسباب الظاهرة لأنها عادة ما تمثل شرارة لبداية الأحداث وتأجيجها، فانتحار البوعزيزي لم يصنع الحراك الاحتجاجي في الوطن العربي بل شكّل شرارة لبداية الثورات، إلا أن الاستبداد والإقصاء والتهميش والفساد كانت الأسباب المولّدة للثورات، لذلك يجب أن نضع أحداث غرداية في سياقها الفعلي بعيداً عن التفاصيل التي تبعدنا عن طرح الأسئلة الصحيحة بحثاً عن الحلول".

اقرأ أيضاً: فتنة غرداية... الجزائر تقترب من الطوارئ

وعن الأسباب الكامنة وراء الأزمة في غرداية، يشرح بكيس أنه "عند عجز مؤسسات الدولة عن ضمان حقوق المواطن، يجد هذا الأخير نفسه مرغماً على البحث عن مؤسسات بديلة ضامنة، على الأقل توفر له الحماية، ومن هنا ولدت لدى هذا المواطن نزعة للاحتماء بالبنى التقليدية والاصطفاف العرقي والإثني في غياب فاعلية مؤسسات الدولة"، مستطرداً بالقول إن "ما زاد من تعميق الأزمة هو التغيرات التي طرأت على المجتمع إثر محاولة انتقاله من مجتمع تقليدي إلى مجتمع معاصر من دون بناء مؤسسات عصرية فاعلة بديلة لتهميش وتقزيم دور البنى التقليدية".

ويلفت إلى أن "المواطن بصفة عامة والشباب خصوصاً، وجدوا أنفسهم من دون مؤسسات ضامنة عصرية أو تقليدية، فاضطروا للاحتماء بأي عصبية، بسبب حالة الفراغ، ما أعاد العصبيات الضيقة للظهور من جديد، وأصبح الاحتماء بالحي عوض الاحتماء بالمنظومة القانونية، وهو ما أدى إلى ظهور حرب الشوارع في قلب العاصمة، وأصبحنا اليوم نميّز بين أبناء حي باب الواد وبلكور والحراش في العاصمة، كما باتت الأحياء الجديدة مسرحاً للمواجهات بين أحياء المدينة الواحدة المتنازعين على احتلال الفضاء العام وفرض ثقافاتهم الفرعية".

ولذلك يؤكد بكيس أن "أحداث غرداية ليست طائفية من حيث المنطلق لكنها كلما استمرت زاد احتمال تخندقها في اصطفاف طائفي، وبهذا يؤسس الفراغ الذي تركته مؤسسات الدولة، لأرضية تخلق عصبيات في قلب المدن، وهي كثيراً ما تؤدي إلى صدامات يسقط جراءها قتلى".

ويتساءل الباحث الجزائري: "كيف نفاجأ اليوم من أحداث غرداية ونحن نعيش ظاهرة المواجهات واللجوء إلى العنف في مقابل تراجع شرعية مؤسسات الدولة؟ وكيف نفسّر إعلان الأمن عن معالجته ما يزيد عن 6 آلاف حركة احتجاجية في الستة أشهر الأولى من عام 2015 قامت في غالبيتها على استعمال العنف بقطع الطرق واحتلال الفضاء العام للتعبير عن مطالب اجتماعية فقط؟". ويختم بالقول إن "المواطن اليوم في الجزائر يعبّر عن نفسه خارج المؤسسات الرسمية للدولة كالجمعيات والنقابات والأحزاب، فكيف لا نستشعر خطورة أزمة الدولة والمجتمع وننتبه فقط عند سقوط قتلى؟".

اقرأ أيضاً: غرداية تستعيد سلامها: انتشار أمني كثيف

دلالات