تونس: الثورة في خطر أمني

تونس: الثورة في خطر أمني

02 يوليو 2015
الغنوشي رفض تخيير التونسيين بين الأمن والحرية (فرانس برس)
+ الخط -
بدأ سجال الحرية والأمن يتطوّر في الساحة التونسية، غير أنه يشهد في هذه الفترة نوعاً من الهدوء القسري، الذي فرضته مجزرة سوسة، يوم الجمعة. وساهمت المجزرة التي أودت بحياة 38 سائحاً أجنبياً، في إطلاق العنان لردود فعل غاضبة من كل الجهات، السياسية والشعبية، التي طالبت بتكثيف المهام الأمنية، ودعت إلى "عدم تقيّدها بالمواثيق التي قد تُعطّلها والإجراءات التي تؤخر تفادي الكارثة".

وعبّر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن جزء من هذا الغضب لدى تفقده مكان الحادث، حين طالب رئيس الحكومة الحبيب الصيد بمراجعة تراخيص بعض الأحزاب. وانتقد السبسي أيضاً بعض الحملات الشعبية التي "تُساهم في تشتيت مجهود الأمن، والاضرابات، التي تفرض على الحكومة مفاوضات تُشغلها عن الأهمّ".

كما خرجت أصوات حزبية وشعبية مطالبة بـ"إطلاق القبضة الأمنية"، حتى أن بعضهم تحدث عن "استعادة أمن ما قبل الثورة (2010)". ولم يتردد بعضهم في المقارنة بين حالتي الأمن قبل الثورة وبعدها، مع تفضيل المرحلة السابقة.

دفع كل هذا رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، إلى إعادة النقاش إلى دائرته الأساسية. وأكد في ندوة صحفية لحزبه غداة مجزرة سوسة، أنه "لا يمكن تخيير التونسيين بين الأمن والحرية، ولا يمكن استعادة زمن الاستبداد، لأن تقديم الأمن بهذا الشكل، يُعتبر مصادرة للثورة ويقضي على أهم مكاسبها: الحرية".

اقرأ أيضاً محاكمة شكري بلعيد: تجنب لعنة الدم التونسي

ودعا الغنوشي إلى "عدم التراجع في دمقرطة الحياة السياسية والرخص الممنوحة للأحزاب في إطار ما يتيحه القانون، والكفّ عن استهداف أي جزء من التونسيين ومعاملة الجميع على قدر المساواة، متدينين كانوا أو غير متدينين". وجاء حديث الصيد حذراً للغاية، حين أعلن عن الإجراءات التي اتخذتها حكومته لدعم حربها على الاٍرهاب، مؤكداً أن "كل الإجراءات ستكون خاضعة لسلطة القانون".

وأكد الصيد كلامه في حديث لقناة "سي ان ان" الأميركية، حين أعلن أن "استعادة المنظومة الأمنية لعافيتها، لا يمكن أن يعود بها الى الاستبداد قطعاً، لأن التونسيين اختاروا طريقهم، وهو طريق الديمقراطية". وأبدى حرصه في أن "تخضع المنظومة الأمنية للدستور". غير أن جدل الأمن والحرية، الذي ظلّ خافتاً إلى حدّ الآن على الرغم كل السجالات، سيبلغ ذروته، مع مناقشة "قانون الاٍرهاب"، الذي يتمّ الآن داخل لجنة التشريع العام في مجلس نواب الشعب، من دون اهتمام إعلامي أو شعبي كبير كما كان منذ أشهر، بسبب سيطرة الأحداث الأمنية على كامل المشهد التونسي.

لكن القانون سيعود بكل قوة، مع اقتراب طرحه على الجلسات العامة، مع اعلان المجلس المصادقة عليه قبل 25 يوليو/تموز الحالي، الذي يوافق "عيد الجمهورية" في تونس. وتنكبّ لجنة التشريع حالياً على مناقشة القانون للحاق بمهلة 25 يوليو.

وسبق أن أخفق المجلس التأسيسي السابق في المصادقة على المشروع، على الرغم من مناقشته لفترة طويلة، ورُحّل إلى مجلس نواب الشعب الحالي، بسبب الخلافات العميقة التي رافقت بعض فصوله، خصوصاً أن أحزاباً عدّة اعتبرته تعدّياً على الخصوصية الفردية وإطلاقا لِيَد المراقبة الأمنية التي تتعارض مع الدستور.

وعلى الرغم من أن مشروع القانون المتعلق بـ"مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال" نصّ في فصله الأول على أن "التصدي للإرهاب وغسل الأموال والوقاية منها، يدعم المجهود الدولي في هذا المجال طبقاً للمعايير الدولية، ويتم في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل تونس"، فإن كثيرين يخشون تجاوز المعايير الدولية في احترام حقوق الانسان الفردية.

وهي مخاوف تتزايد مع الحالة النفسية العامة في تونس في هذه الفترة، التي قد تؤدي إلى عودة "دولة البوليس"، وإلى استخدام بعض الفصول لاحقاً عندما تتغير المعادلات السياسية، في ملاحقة المعارضين واستعمال القانون كما كان قبل الثورة في تصفية الحسابات. وتواجه تونس حالياً اختبارات حقيقية متتالية، تمتحن قدرتها على الديمقراطية، وقدرة دستورها على الصمود أمام القوانين، التي تفرضها سياقات سياسية وادارية وأمنية عدة.

اقرأ أيضاً: الإعلام التونسي في قلب الإرهاب مجدداً

المساهمون