السيسي في برلين: استنساخ صورة مبارك

السيسي في برلين: استنساخ صورة مبارك

06 يونيو 2015
روّج السيسي لنفسه كرئيس تمكّن من إعادة اﻻستقرار(Getty)
+ الخط -
انفضّ "المهرجان" الذي أقامه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وأنصاره في العاصمة اﻷلمانية برلين، خلال زيارته التي استمرت 3 أيام. لكن لم يشفع مهرجان تظاهرات التأييد للسيسي في شوارع العاصمة، التي تخلّلها الرقص والغناء على موسيقى "تسلم اﻷيادي"، أمام صانع القرار اﻷلماني، فلا تزال برلين تراه حليفاً اقتصادياً بالدرجة الأولى.
مصادر دبلوماسية مصرية تطرقت في حديث لـ"العربي الجديد" عن تقييمها للزيارة، مشيرة إلى أنّها "حققت أهدافها".
وبالنسبة إلى البعض كان السيسي مرتاحاً في لقائه بالوفود التي جاءت لاستقباله في ألمانيا، لكن ذلك لم يمنعه من الإدلاء بتصريحات بعيدة عن الواقع. تحدث السيسي خلال الزيارة عن انتعاش وازدهار حقوق وحريات اﻹنسان في مصر، وكأنه يتحدث عن بلد آخر غير الذي يعتقل فيها أشخاص وﻻ تحدّد تهمهم إﻻ بعد أشهر.
وفي المجمل، بالنسبة إلى البعض فإن لا شيء تغيّر في ألمانيا بعد الزيارة، "فالحاجة إليه اقتصادياً وأمنياً لم تمتد ﻷكثر من ذلك. جاء السيسي ورحل بمزيد من اﻻستثمارات وعلامات اﻻستفهام حول مستقبل مصر معه".
منذ البداية، فرضت كبرى الشركات اﻷلمانية رؤيتها على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأجبرتها على استقبال السيسي على الرغم من عدم ترحيب حزبها الحاكم. روّج السيسي لنفسه جيداً في برلين، كرجل يعيد اﻻستقرار إلى مصر، واﻻستقرار هو الكفيل بجذب اﻻستثمارات، خصوصاً اﻷلمانية، التي عانت وتراجعت وألغي بعضها بسبب اﻻنفلات اﻷمني منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

أراد السيسي إعادة توليد صورة الرئيس المخلوع حسني مبارك، في برلين، إذ كان يحضر الرئيس الأسبق العجوز كل عام للعلاج والتسوق، وأيضاً لإجراء المحادثات مع ميركل ومن قبلها المستشار غيرهارد شرودر.

قبل ثورة يناير بأشهر قليلة، وصفت ميركل مبارك بأنه "حكيم العالم العربي"، ولم يمنعها هذا الوصف سلفاً من أن تدعي في المؤتمر الصحافي اﻷخير مع السيسي، أنها "كانت تحثّ مبارك على احترام حقوق اﻹنسان التي كان تراجعها من أسباب إسقاطه".

اقرأ أيضاً: الإعلامي أحمد موسى يتهم الإعلام الألماني بالانحياز للإخوان

سارعت ألمانيا إلى دعم تحوّل مصر نحو الديمقراطية بعد رحيل مبارك، لكنها لم تكن ضد مبارك. وفي أسوأ فترات حكمه، لم تتخذ ألمانيا أي موقف حاسم ضد سياساته القمعية، بل كانت سعيدة نسبياً باﻻستقرار، وبالسياحة الرخيصة الثمن في مصر.

تكمن المشكلة الوحيدة لدى المستثمرين اﻷلمان، في عدم السماح لهم بالمشاركة في إنتاج الطاقة وعدم استغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتوفرتين في مصر، إذ كان مبارك يرى، وفقاً لرؤية مدير الاستخبارات الأسبق عمر سليمان، أنّ هذا القطاع ينبغي أن يظل مصرياً وحكومياً، وأﻻ يتدخل فيه أي مستثمر محلي أو أجنبي. لكن هذه العقبة أزالها السيسي بإصداره قانوناً يسمح لرجال اﻷعمال المصريين واﻷجانب بالمشاركة في إنتاج الطاقة. بل وأكثر من ذلك، تمّ اﻻتفاق على منح المستثمرين اﻷلمان تحديداً، عقوداً للانتفاع بمدد طويلة.
ومع تراجع الإرهاب في مصر إلى شمال سيناء، روّج السيسي لصورته كرئيس تمكّن من إعادة اﻻستقرار إلى مصر، باﻷرقام والوقائع، وبالتالي فلا حجة أمام اﻷلمان لعدم ضخ المزيد من اﻻستثمارات.

من دون شكّ، فإنّ رجال اﻷعمال اﻷلمان سعداء بالتطور الحادث في مصر اقتصادياً واﻻنفتاح تجاه اﻻستثمارات. فوفقاً ﻹحصاء حصلت عليه "العربي الجديد"، وافقت السلطات المصرية على إنشاء 27 شركة مصرية مساهمة برؤوس أموال ألمانية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تتنوع مجاﻻتها بين الطاقة والبتروكيماويات والصناعات المتوسطة والتكميلية.
إلّا أنّ وسائل اﻹعلام اﻷلمانية، التي تحرّكها المصالح السياسية أكثر من مال المستثمرين، ظلّت على موقفها الرافض لزيارة السيسي، وهو ما اعترف به اﻷخير مرتين خلال الزيارة، بأن نظامه "فشل على مدار عامين في تغيير صورة الوضع في مصر في أذهان الشعب اﻷلماني ووسائل اﻹعلام".

اقرأ أيضاً: الصحافة تلاحق السيسي بعد مغادرته ألمانيا: استقباله "خاطئ"

ويعود الفشل في تواصل مصر مع الغرب ﻷسباب عديدة، أبرزها، سوء أوضاع حقوق اﻹنسان والحريات، التي طالب السيسي اﻷلمان بالقدوم إلى مصر واﻻستثمار لتطبيقها، وضعف مستوى بعثات مصر الدبلوماسية. فالألمان يتواصلون في مصر مع ممثلي المجتمع المدني والنشطاء بشكل أكبر من تواصلهم في ألمانيا مع البعثة الدبلوماسية المصرية.
وأدّى هذا الفشل إلى أن توجه صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه"، انتقادات حادة لنظام السيسي، على الرغم من أنّه، عبر رجلي اﻷعمال محمد أبوالعينين ونجيب ساويرس، وضع صفحتين إعلانيتين لتحسين صورة نظامه.

ومن سوء حظ السيسي، تحوّلت التظاهرات التي طلبها لتأييده في ألمانيا إلى ما يثير السخرية. فالرقص والغناء لا يخاطب عقل الشعب اﻷلماني وإعلامه.



اقرأ أيضاً: تظاهرات "الثورة تطارد الانقلاب" عمّت شوارع الإسكندرية