موسم عودة المليشيات الإيرانية لنجدة الأسد

موسم عودة المليشيات الإيرانية لنجدة الأسد

05 يونيو 2015
تشييع مقاتلين لحزب الله سقطوا في سورية (فرانس برس)
+ الخط -
عادت قوات المليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية لتتدفق بقوة إلى مناطق سيطرة قوات النظام في سورية، بعد أشهر من بدء عمليات انسحابها من الأراضي السورية نحو العراق للانضمام لمليشيا "الحشد الشعبي" التي تسعى لمواجهة تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المستمر في العراق منذ صيف العام الماضي.


اقرأ أيضاً: إيران تحشد في دمشق والساحل السوري

وكان انسحاب عناصر هذه المليشيات من سورية إلى العراق سبباً في التراجع الكبير لقوات النظام السوري أمام قوات المعارضة السورية شمال وجنوب سورية، وأمام قوات "داعش" شرقها.

وجاء استدعاء وزير دفاع النظام السوري، فهد جاسم الفريج، إلى طهران بشكل عاجل نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، بعد الضربات التي تلقّتها قوات النظام السوري على جبهات إدلب وجسر الشغور شمال البلاد وبصرى الشام ومعبر نصيب جنوبها. وتبين مدى الغضب الإيراني من التراجع الميداني غير المسبوق لقوات النظام السوري.

اقرأ أيضاً: "استدعاء" وزير الدفاع السوري إلى طهران لاحتواء تقهقر قواته 

وشعرت الحكومة الإيرانية بمدى خطورة التراجع الميداني لقوات حليفها الأسد، والذي يهدّد العاصمة السورية دمشق، حيث تسيطر قوات المعارضة على غوطتها الشرقية وأجزاء واسعة من غوطتها الغربية وضواحيها الجنوبية، في مقابل سيطرة "داعش" على معظم مساحة مخيم اليرموك وضاحية الحجر الأسود جنوبها.

معركة دمشق على الأبواب

ولا تبدو دمشق بعيدة عن حسابات فصائل المعارضة  في الغوطة الشرقية، والتي تتشكّل خصوصاً من "جيش الإسلام" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"فيلق الرحمن"، إذ لا يستبعد أن تبدأ هجومها على مناطق تمركز قوات النظام السوري وسط العاصمة، خصوصاً مع استمرار سيطرة قوات المعارضة على حي جوبر شمال شرق دمشق، بعد فشل قوات النظام في استعادة الحي الواقع عند مدخل العاصمة السورية.

وجاءت زيارة القائد العام لـ"جيش الإسلام" زهران علوش، إلى تركيا أخيراً، لتزيد من احتمال قيام هذا الفصيل بعمل عسكري كبير في دمشق ومحيطها بالتنسيق مع فصائل المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وبدعم من الدول الحليفة للمعارضة السورية.

وكان مصدر مقرب من قيادة "جيش الإسلام"، طلب عدم نشر اسمه، قد أوضح لـ"العربي الجديد"، أن زيارة علوش إلى تركيا ومن ثم الأردن، جاءت بعد حصول تفاهم بين حكومات المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر باتجاه قلب الموازين على الأرض السورية، ودعم المعارضة السورية بقيادة "جيش الإسلام" لتحقيق تقدم كبير على ساحة القتال، كي تصبح في وضع مريح في أي عملية تفاوض مع النظام السوري.

وأشارت مصادر خاصة مقربة من النظام السوري في دمشق، فضلت عدم نشر اسمها، لـ"العربي الجديد" إلى أن المئات من عناصر مليشيات لواء أبي الفضل العباس وحركة "النجباء" العراقيتين، و"جيش الفاطميين" الأفغانية وقوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني، قد وصلت في الأيام الأخيرة إلى العاصمة السورية عبر رحلات جوية يومية هبطت في مطار دمشق الدولي، لتستقبل القادمين حافلات خصصتها قوات النظام السوري بدمشق لنقلهم إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جنوب شرق العاصمة السورية، حيث أخلتها قوات النظام السوري بالكامل من اللاجئين الفلسطينيين ليحل محلهم الآلاف من عناصر المليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية الداعمة للنظام السوري وعائلاتهم.

ويوجد هؤلاء العناصر في مخيمات اللاجئين الواقعة في محيط ضاحية الست زينب الواقعة جنوب شرق دمشق. وهذه المخيمات هي مخيمات الست زينب وسبينة والحسينية. وكانت قوات المعارضة قد سيطرت على أجزاء واسعة منها في عام 2012 قبل أن تقوم قوات النظام السوري بقصفها ما تسبب بتهجير سكانها قبل أن تستعيد قوات النظام السيطرة عليها وتمنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إليها.

وقد وجد النظام السوري في هذه المخيمات الخالية من سكانها مكانا مناسبا لإيواء عناصر المليشيات التي أرسلتها إيران للقتال إلى جانب قوات النظام بدمشق ولإقامة معسكرات تدريب للعناصر السوريين المنتسبين لصفوف هذه المليشيات من مؤيدي النظام.

وتتمتع هذه المناطق بقدسية لدى أتباع المذهب الشيعي، نظراً لوجود ضريح ابنة الإمام علي السيدة زينب. ويستغل النظامان الإيراني والسوري هذا الأمر للتحشيد الطائفي والتعبئة في صفوف هذه المليشيات، وإيهامهم أنها حرب للدفاع عن المراقد المقدسة.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه المخيمات تقع في مكان استراتيجي على طريق مطار دمشق الدولي، وقريبة من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة في منطقة المليحة عند مدخل غوطة دمشق الشرقية، وفي مناطق القدم والتضامن وشارع نسرين المقابلة مباشرة لمناطق سيطرة المعارضة جنوب دمشق.

وتقوم المليشيات الموجودة جنوب شرق دمشق، بالقتال نيابة عن قوات النظام السوري في هذه المناطق وفي محيط مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، والتي تحاصرها قوات النظام بشكل مستمر منذ أكثر من عامين. كما شاركت هذه المليشيات في قتال قوات المعارضة في منطقة القلمون شمال دمشق وفي مدينة حمص، قبل سيطرة قوات النظام عليها منتصف العام الماضي.

وأكسب هذا القتال عناصر هذه المليشيات خبرة في حرب العصابات التي تخوضها قوات المعارضة ضد قوات النظام في محيط العاصمة السورية، فيما لا تزال قوات النظام تتفوق على قوات المعارضة بامتلاكها للمدرعات وسلاح الطيران، مما يجعل من عناصر المليشيات القوة الأبرز التي يعتمد عليها النظام السوري في حال شنت قوات المعارضة هجوما على العاصمة.

وكانت وكالة "فرانس برس" قد نقلت عن مصدر أمني سوري لم تكشف عن هويته، قوله إن نحو سبعة آلاف مقاتل إيراني وعراقي وصلوا إلى سورية، معظمهم من العراقيين، وهدفهم الأول الدفاع عن العاصمة.

مقاتلو إيران إلى الساحل

وبرز وجود المقاتلين الذين ترسلهم إيران إلى الساحل السوري المحصن والآمن نسبياً، وإلى بقية المناطق في معركة الساحل الأخيرة، تحديداً قبل ثلاثة أشهر، عندما شوهد توافد لعناصر غريبة إلى مدينة جبلة جنوبي اللاذقية عبر مطار حميميم العسكري، حيث لوحظ على هؤلاء العناصر بشرتهم القاسية وطولهم الفارع وأجسادهم العريضة ولباسهم الأسود والشعارات الغريبة المطرزة على ثيابهم، بشكل يشبه مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، ليختفوا بعد بدء معركة الساحل بثلاثة أيام.

ويبدو أن الاستعانة بعناصر إيرانية كانت في البداية من الحرس الثوري، فيما اقتصرت قبل ذلك على وجود خبراء ومستشارين. غير أن الخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات النظام في معركة إدلب، ورغبتها في بدء معركة كبيرة لاستعادة تلك المناطق، أجبرها على طلب إمدادات بشرية من إيران، التي استقدمت وزير الدفاع فهد جاسم الفريج إليها، للوقوف على نوع المساعدات. لتأتي هذه الإمدادات خلال الأيام القليلة الماضية، على شكل أفواج بشرية قُدّرت، بحسب مصادر مقربة من النظام تخدم في مطار جبلة، بنحو ثلاثة آلاف مقاتل، معظمهم من الأفغان والعراقيين أرسلوا عبر جسر جوي مباشر من إيران إلى المطار العسكري في ريف اللاذقية.

ويحمل مطار مدينة جبلة، اسم (مطار باسل الأسد) سابقاً ويقع في قرية تسمى حميميم وينسب إلى اسمها كذلك. وكان هذا المطار مدنياً قبل الثورة السورية، وتحوّل مع انطلاقتها إلى مطار عسكري بامتياز، وأضحت الرحلات العسكرية تستحوذ على جداول الطيران، وهو من أبرز الجسور الجوية مع مطار دمشق بالنسبة للنظام، ويقع جنوبي مدينة اللاذقية بمسافة 18 كيلومتراً. 

توزّع المرتزقة بالساحل

وجرى إرسال المقاتلين على الفور إلى خطوط مناطق المواجهات القريبة من المعارضة استعداداً للمعركة المقبلة. وتمركز هؤلاء في قمة النبي يونس، وهي النقطة الاستراتيجية الأهم في الساحل، حيث ترتفع نحو 1565 متراً عن سطح البحر، وتقع على بعد (17 كيلومترا)، شرقي اللاذقية، وتفصل بين محافظتي حماة واللاذقية، وتكشف غالبية البلدات والقرى الموالية. وتتميز القمة بطبيعتها الصخرية التي يصعب اجتيازها بسبب تشظيها وانعدام إمكانية الإخفاء للقوات المهاجمة. وفي حال سيطر مقاتلو المعارضة عليها، سيؤمن ذلك السيطرة على محطة البث التلفزيوني المجاورة على قمة النبي متى، ويؤمن أيضاً سرعة الوصول إلى بلدة صلنفة والسيطرة على القصر الجمهوري والتمهيد لتحرير مدينة اللاذقية.

كما أرسل جزء آخر من هؤلاء إلى جبل دورين في جبل الأكراد أيضاً،  وتُعتبر دورين خط الدفاع الأول عن بلدة سلمى، أبرز معاقل قوات المعارضة، وهي من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام في الساحل السوري.

 بيد أن الوجود الإيراني وإن كان خجولاً في الساحل السوري ويخضع مقاتليه لتوجيهات ضباط الاستخبارات السورية ومليشيات (الدفاع الوطني)، فإن الوضع يبدو مختلفاً ومنظماً أكثر في محافظة حماة، مع تواصل تخريج دفعات جديدة من المقاومة العقائدية في اللواء 47 في ريف حماة. وتخضع هذه المقاومة لقيادة مشتركة إيرانية وسورية، ممثلة بمكتب الأمن الوطني، الذي يقوده ضابط الاستخبارات العامة علي مملوك، ويحظى بثقة كبيرة من رئيس النظام السوري بشار الأسد. ويتم تدريب العناصر، ضمن معسكرات يُشرف عليها ضباط إيرانيون.

وكانت "العربي الجديد" بيّنت عبر وثيقة حصلت عليها في وقت سابق أن اللواء 47 جنوبي محافظة حماه، يحوي في داخله المقر العام لـ "سجّاد" (نسبةً إلى علي بن الحسين بن علي، يشتهر بزين العابدين، وهو الإمام الرابع لدى الشيعة). ويضم المقرّ مجموعات مقاتلة عدّة، يترأسها الحاج أبو نداء. ويقع اللواء 47، أو ثكنة محمد سلمون، كما كُتب على مدخله، على طريق حماه حمص، على السفح الشمالي لجبل الأربعين، يمتد حتى قلة قرين الحجل على أطراف زهرة المدائن.

 ومن المرجح أن تكون جورين نقطة التلاقي بين المقاتلين القادمين من الساحل والمقاتلين القادمين من حماة بقيادة إيرانية، حيث تعتبر جورين بوابة الانطلاق نحو الهجوم المضاد في حال أرادت قوات النظام السوري استعادة المناطق التي خسرتها خلال الأشهر الماضية على يد "جيش الفتح". وجورين هي  قرية في ناحية شطحة التابعة لمنطقة السقيلبية، وتقع في أقصى الشمال الغربي لمحافظة حماة.