زوجة خضر عدنان تروي اللحظات الأخيرة لإضراب زوجها

زوجة خضر عدنان تروي اللحظات الأخيرة لإضراب زوجها

30 يونيو 2015
رندة وأحد أطفالها الستة ووالدة خضر (فرانس برس)
+ الخط -
حين ذهبت رندة خضر عدنان (33 عاماً)، مساء الأحد إلى مستشفى "صرفند" العسكري الإسرائيلي، لزيارة زوجها الأسير خضر عدنان، لم تكن وحيدة، بل كانت مسلحة بكثير من الإيمان والأمل وستة أطفال.

اقرأ أيضاً خضر عدنان: شيخ معارك "الأمعاء الخاوية"

أمام حاجز الجلمة العسكري قرب مدينة جنين، وقفت هذه المرأة تنتظر مع أطفالها ساعات ظهر الأحد، قبل أن يسمح لها جنود الاحتلال بالمرور إلى الجهة المقابلة، حيث تنتظر سيارات الصليب الأحمر الدولي لتنقلها إلى المستشفى. كانت رندة تقول لأطفالها الستة "سوف نمضي هذا العيد مع أبيكم، وسأصنع كعك العيد".

كعادة الأمهات، أعطت أطفالها الكثير من النصائح في الطريق، حين قالت لهم "سوف نذهب لنرى والدكم وهو نحيف جداً لأنه مريض، لا تسألوه عن مرضه بل العبوا واضحكوا معه، ولا تخافوا من الجنود الإسرائيليين في غرفته".

الأطفال جميعهم، أكبرهم عشرة أعوام وأصغرهم عام ونصف العام، أنصتوا للأم، وكان الثلاثة الكبار؛ معالي، بيسان وعبد الرحمن، أكبر سند لها في رعاية التوائم الثلاثة محمد وعلي وحمزة، في أطول ليلة مرت عليهم خارج البيت، حين أمضوا ليلتهم في ساحة مستشفى صرفند العسكري.

كان من المتوقع أن تنتهي الزيارة بعد 45 دقيقة، وتخرج رندة وأطفالها ووالدا خضر عدنان، والدموع في عيونهم بعدما شاهدوا حياة خضر تذوي، في ظل مفاوضات عنوانها المماطلة.

تقول رندة لـ"العربي الجديد" "لقد صدمني مظهره عندما رأيته، لكنني ابتلعت صدمتي، وتذكرت حديثي لأطفالي واقتربت منه بابتسامة".

قرب صندوق كبير امتلأ بمناديل مبللة بالدم، كان يُخرجه خضر من جوفه عند سعاله، جلست رندة، وأمسكت بيده على الرغم من أنها وزوجها ليسا من النوع الذي يظهر مشاعره أمام أحد، لكنها وجدت يدها تمسك يده، واليد الأخرى بقدمه، وتهمس له: "كم تستطيع أن تصمد؟ ساعتين، أم يومين، قل لي كم تستطيع، ولن أغادر وأولادي المستشفى من دونك".

تقول "كان جسده بارداً. كان زوجي وحب حياتي يموت أمام عيني، والمطلوب مني أن أزوره وأعود باكية، لكنني لم أفعل، ولم ير سجانوه دموعي أبداً". وتضيف "لم أدرك إلا وقد قطعت له وعداً ألا أتركه لوحده، بين عشرات جنود الاحتلال وهو يذوي ويموت ببطء".

خرجت الزوجة بعد انتهاء الزيارة التي استمرت 45 دقيقة، لم تذرف دمعة واحدة، "فهذا وقت الصمود وليس الدموع"، وأمام ساحة مستشفى صرفند، أعلنت اعتصامها وإضرابها عن الطعام هي وأطفالها الستة، وجلس الوالدان معهم على رصيف المستشفى، وخيمت الصدمة على طواقم الصليب الأحمر، والشرطة والضباط الإسرائيليين، للخطوة غير المتوقعة.

في السادسة من مساء يوم الأحد، بدأت أطول ليلة في مستشفى صرفند العسكري، أم وأطفالها الستة في باحة المستشفى، ووالدان ضعيفان يجلسان معهم، والكل يتفاوض معها لتذهب إلى البيت، لأن اتفاق إطلاق سراح خضر عدنان ما زال يحتاج لمزيد من الوقت كي ينضج. لكن المرأة ظلت ترفض. 

بعد دقائق من اعتصامها، بدأت تتصل بوسائل الإعلام والناشطين في كل مكان، وتدعو نواب الكنيست العرب والفلسطينيين للتضامن معها في ساحة المستشفى، بعد نحو ثلاث ساعات كان هناك العشرات من المتضامين، ونواب الكنيست، يتقدّمهم أسامة السعدي، المكلف بلجنة الأسرى في الكنيست، والذي أدار مفاوضات اللحظات الأخيرة، وحنين الزعبي التي حشدت العشرات من المتضامين في ساحة المستشفى.

كما الإضراب السابق عام 2012، أدارت رندة بمفردها حملة إعلامية لنصرة زوجها، سواء عبر التواصل مع الإعلاميين والنشطاء، أو المشاركة في مسيرات التضامن معه والمؤتمرات الصحافية في المدن الفلسطينية. وعادة ما كانت تصطحب ثلاثة من أبنائها على الأقل، وتترك الآخرين لدى عائلة زوجها.

لم تبك يوماً أمام وسائل الإعلام، أو أمام الزائرين. وفي لحظاتها النفسية الصعبة كانت تغلق هاتفها ساعتين أو ثلاث ساعات، لتتمالك قوتها وتعود من جديد تتحدث عن "انتصار زوجها في معركته" بهدوء وثقة.

أرسلت رندة صرخات الاستغاثة عبر جميع المنابر، الصحافية والإعلام الاجتماعي، والمتضامين الفلسطينيين والإسرائيليين والأجانب، لتتحول الساحة ما بين قسم الطوارئ وقسم الباطنية في المستشفى إلى قسم طوارئ من نوع آخر، لم تتوقعه قوات الاحتلال، والتي أدركت أنها لن تستطيع قمع امرأة وأطفالها ووالدي زوجها المسنين أمام الكاميرات، ولن تستطيع قمع المتضامين الذين بدأوا يصلون من كل مكان متاح من القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

في العاشرة مساء، استؤنفت المفاوضات مرة أخرى، بحضور المحامي جواد بولس، وعضو الكنيست العربي أسامة السعدي، فيما تم منع حنين الزعبي من الوصول إلى غرفة الأسير عدنان.

تحت شباك غرفة عدنان وقف المئات من المتضامين مع زوجته وأطفاله يهتفون "ثورتنا ثورة إنسان. أعلنها خضر عدنان"، فما كان من خضر الذي سمع الهتافات، إلا أن طلب بتجميد المفاوضات بضع دقائق ليسمع صوت الهتافات، كما نقلت زوجته عن السعدي لـ"العربي الجديد".

في الثانية عشرة منتصف الليل، انتهت أطول ليلة من ليالي مستشفى صرفند، بعدما أعلن محامي نادي الأسير جواد بولس التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن إطلاق سراح خضر عدنان في 12 يوليو/تموز، ويقصر مدّة اعتقاله، مع التزام بعدم اعتقاله ثانية على التهم السرية ذاتها التي تدعيها النيابة العسكرية الإسرائيلية والمخابرات.

اقترب الأطباء كي يعطوه بعض السوائل ليوقف إضرابه، لكن خضر رفض، وأصر أن "من يوقف إضرابي أمي وزوجتي"، فدخلت رندة وأمه إلى غرفته؛ الأولى ناولته ملعقة من لبن، والثانية ملعقة من شوربة، ليعلن وقف إضرابه، ويسمح للأطباء بالاقتراب منه لفحصه لأول مرة منذ 56 يوماً.

تقول زوجته "في الطريق إلى غرفة خضر كي يوقف إضرابه، كان الضباط والجنود ينظرون إليَّ بحقد كبير، والكاميرات تتسارع لتلتقط لي صورة وهم يبتعدون كنت أمشي وأمه بكرامة وعزة، وهم يبتعدون خوفاً من أن ترصدهم الكاميرات كسجانين".

وتضيف "لن أنسى ذلك الضابط ذا الرتب الكبيرة عندما اقترب مني قائلاً أمام غرفة خضر: هو عنيد، لكنك أعند منه".

المساهمون