خسائر غير معلنة للحرب اليمنية

خسائر غير معلنة للحرب اليمنية

31 مايو 2015
الخسائر في اليمن تتعدى الجانب المادي (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -
الحرب مستمرة. خلاصة تختصر الوضع في اليمن حالياً. وهو وضع مرجّح لأن يطول نتيجة عدم نضوج الظروف التي تتيح الانتقال من ساحة المعارك الميدانية إلى طاولة المفاوضات السياسية الجدية أو على الأقل تزامنهما، بالرغم من بعض المشاورات المتنقلة. تأخر وضع نهاية للحرب يبدو منطقياً انطلاقاً من مسار الأحداث طوال أسابيع الحرب التي دخلت شهرها الثالث، وكذلك أخذاً بعين الاعتبار الظروف المحلية والإقليمية التي أوصلت إلى لحظة الانفجار الكبرى.

الحرب اليمنية تحمل بعدين يغذيان بعضهما بعضاً. الأول خارجي، خصوصاً أن عمليات التحالف العشري بقيادة السعودية التي، وإن انطلقت بناء على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلا أنها تستهدف تدمير القوة العسكرية للحوثيين، والتي تنظر إليهم الرياض بوصفهم ذراع إيران في اليمن، وكل من يتحالف معهم بما في ذلك الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وتعد الغارات الجوية والضربات من البوارج والزوارق البحرية والمواجهات الحدودية مرتكزاً لها.
أما البعد الثاني في هذه الحرب فهو داخلي يتخذ طابع الحرب الأهلية، إذ تتواجه مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع مع عناصر ما باتت تسمى "المقاومة الشعبية". والأخيرة تختلف طبيعة القوى اليمنية المشاركة فيها باختلاف كل مدينة وواقعها، لكنها تشمل بشكل أساسي قبليين، وعسكريين موالين لـ "الشرعية"، ومتقاعدين عسكريين، وشباباً يختبرون معنى الحرب الأهلية والسلاح للمرة الأولى بعدما بات اللغة الوحيدة التي تتخاطب من خلالها القوى اليمنية.
وقد تكرّس وجود بعدين للحرب خلال هدنة الأيام الخمسة قبل قرابة الأسبوعين. يومها توقفت الغارات الجوية لقوات التحالف وانخفضت وتيرة المواجهات الحدودية، بينما كانت حرب الشوارع بين اليمنيين أنفسهم تتواصل بل وتشتد.

اقرأ أيضاً: "جنيف" اليمني "تشاوري" والحوثيون يقرّون بمفاوضات مسقط 

حتى اللحظة يبدو أن جميع الأطراف المنخرطة في الحرب، الداخلية أو الخارجية، لم تنهك لتصبح مستعدة للتفاوض والتوصل إلى اتفاق، ولا نال الإنهاك على الأقل من أحد أطرافها إلى درجة لم يعد يستطيع معها تحمل تكلفة استمرار المعارك الميدانية، بما يجعله مستعداً للبحث عن تسوية ولو بالحد الأدنى. يظهر ذلك بوضوح من معارك الكر والفر المتنقلة في عدد من المدن، فضلاً عن استمرار المواجهات على الحدود اليمنية السعودية بل ودخول أسلحة جديدة إليها. يضاف إلى ذلك أن أياً من أهداف الأطراف المشاركة في هذه الحرب لم تتحقق ولو جزئياً. فلا السعودية أزالت الخطر الإيراني ـ الحوثي عن حدودها، ولا تمكنت الشرعية اليمنية من إيجاد مقر آمن لها داخل اليمن للعودة إليه ولا الحوثيون وصالح حققوا تقدماً يسمح لهم بقلب موازين القوى وفرض خياراتهم على غرار الأيام الأولى التي تلت اجتياحهم صنعاء، والتي مهدوا من خلالها لانقلابهم المكتمل الأركان.
كذلك فإن الضغوط لإيقاف دوامة الحرب تبدو شبه معدومة، على الرغم من التكلفة المرتفعة التي يدفعها اليمنيون بشكل شبه يومي. وهي تكلفة لا تقتصر على أعداد القتلى المدنيين الذين تخطّوا 1037 قتيلاً مدنياً ونصف مليون نازح و20 ألف لاجئ، أو على الدمار الهائل الذي يطال مختلف المدن، بل إن التكلفة التي لا تعوض بسهولة تلك المرتبطة بالنسيج الاجتماعي الذي يزداد تفككاً على وقع أيام الحرب وما تحمله انتهاكاتها. واقع يمكن رصد مؤشراته على أكثر من صعيد، خصوصاً أن الحرب الحالية تنطوي على جميع مآسي الحروب الأهلية السابقة في اليمن، من قتل عشوائي، وتهجير قسري لسكان أحياء وحتى مدن بأكملها، وجرائم حرب، لتضاف إلى تركة حربي عام 1986 بين أعضاء الحزب الاشتراكي ومن ثم حرب 1994.
كذلك بات الانقسام الأهلي الحاد يتجلى بوضوح في تصنيف الضحايا المدنيين والتعاطف معهم، حتى غدا مجرد وجهة نظر تحتمل التأويل، فمن هم بالنسبة إلى البعض شهداء هم أنفسهم يتحولون بالنسبة إلى الطرف الآخر مجرد عملاء أو خونة الموت بالنسبة إليهم أقل الجزاء.
أما مصطلح الاحتلال الذي كان يطلقه أنصار الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط عن الشمال على نظام صالح ويلقى انتقادات حادة وبالجملة فقد بات اليوم يتردد في جميع المحافظات التي تواجه قوات الحوثيين والرئيس المخلوع، وبات إقصاء الخصم، بمختلف الوسائل، أمراً مطلوباً.

اقرأ أيضاً زيارة البشير السعودية: التدخّل البري في اليمن والدعم الداخلي 

أمام هذا الوضع بات المطلوب التوصل إلى تسوية سياسية، لا تجعل من توقف المعارك مجرد استراحة محارب استعداداً لحرب أوسع لن تكون نتائجها أو مدتها مختلفة عن تجارب الحروب الأهلية العربية، بل على العكس من ذلك ستكون أقسى، لا سيما أن الأزمة التي يعاني منها اليمن اليوم هي أزمة مركبة يتداخل فيها البعد السياسي بالمذهبي بالهوياتي والإقليمي.
لهذه الأسباب مجتمعة، فإن اعتماد نهج السنوات الماضية في الحلول المجتزأة أو الترقيعية لن يزيد الأوضاع إلا سوءاً.

فعندما وافق صالح على التنحي بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية عوّل اليمنيون على مرحلة جديدة وعقلية جديدة ستدار بها البلاد، لكن سرعان ما ثبت أن الأمر صعب التحقق، بفعل انتهازية معظم القوى السياسية اليمنية، والتي حولت مؤتمر الحوار الوطني إلى "مؤتمر مفرغ من المضمون"، وهو الذي كان يفترض أن يكون مؤتمراً تأسيساً يضع أولى الخطوات لبناء يمن جديد تفكك فيه الأزمات الممتدة من أقصى الشمال في صعدة إلى أقصى الجنوب، حيث مطلب فك الارتباط.
سرعان ما ترجم فشل مؤتمر الحوار الوطني بنشوب أزمات جديدة أخذت تظهر رويداً رويداً قبل أن تنفجر دفعة واحدة، متغذية من أخطاء إدارة المرحلة الانتقالية وأطماع سياسية للحوثيين جعلت منهم يمارسون نفس الأداء خلال حوار الأشهر الأخيرة في صنعاء، والتي كانت الكلمة العليا فيها لهم.
هذا السلوك يبدو أن السياسيين اليمنيين، بمختلف توجهاتهم، غير قادرين على التخلص منه. وهو ما انعكس في مؤتمر الرياض، بعدما طغت عليه الوجوه نفسها والعقلية نفسها، ويخشى أيضاً أن يكون سبباً في انهيار مشاورات جنيف إن تمت.

اقرأ أيضاً التصعيد الحوثي على الحدود: بين استدراج الخارج وطمأنة الداخل