بريطانيا تنكفئ نحو الداخل... و"تستقيل" من الدبلوماسية الفاعلة

بريطانيا تنكفئ نحو الداخل... و"تستقيل" من الدبلوماسية الفاعلة

27 مايو 2015
الملفات الدولية غابت عن خطاب كاميرون بعد انتخابه (Getty)
+ الخط -

غابت السياسة الخارجية بشكل شبه كامل عن برامج الأحزاب والمرشحين للفوز في الانتخابات العامة التي جرت في بريطانيا يوم السابع من الشهر الحالي. حتى المناظرات التلفزيونية التي جرت بين زعماء الأحزاب الكبرى والصغرى لم تهتم بالشؤون الخارجية، باستثناء ملف مصير علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي.

لم يتنافس المرشحون في مواقفهم من الأزمات العاصفة في العراق وسورية وليبيا، ولم يكترثوا للأوضاع غير المستقرة في مصر واليمن، أو مستقبل عملية السلام بين العرب وإسرائيل، أو مستقبل المفاوضات بين الغرب وإيران، وحتى إنهم لم يتطرقوا إلا بشكل عابر للأزمة في أوكرانيا والعلاقات مع روسيا الجديدة. ومثلما غابت القضايا الدولية عن الحملات الانتخابية، سقطت الملفات الدولية كذلك من أول خطاب رسمي يلقيه زعيم حزب المحافظين، ديفيد كاميرون، بعد إعادة انتخابه رئيساً للوزراء. وبعيداً عن أي من التحديات العالمية التي تواجه بريطانيا مثل أزمة اليونان وأزمة أوكرانيا وتمدّد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ونشوب المزيد من النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعضلة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، اختار كاميرون الحديث عن برامج حكومته في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

ويرى المراقبون أن الانكفاء البريطاني نحو الداخل، أو "الاستقالة" من لعب أي دور ريادي على الساحة الدولية، يعكس مزاجاً عاماً مهيمناً في بريطانيا، ولا يقتصر على المستوى السياسي الحاكم، بل ويمتد إلى السواد الأعظم من الرأي العام. وقد تم التعبير عن ذلك أساساً في خفض عدد قوات الجيش البريطاني خلال الأعوام القليلة الماضية إلى نحو 80 ألفاً فقط، فيما أشار تقرير صادر عن "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" أن حجم الجيش قد ينخفض حتى يصل إلى 50 ألفاً، وهو ما جعل جريدة "تلغراف" تصفه بأنه أقل الجيوش البريطانية عدداً منذ عام 1770. ورافق ذلك تقليص في ميزانية الدفاع البريطانية بنسبة 9 في المائة على مدار السنوات الخمس الماضية، مما أدى إلى تقلص قدرة الجيش البريطاني التقليدية بنسبة 20 إلى 30 في المائة.

كذلك عملت حكومة كاميرون السابقة على تقليص ميزانية وزارة الخارجية البريطانية بمقدار 25 في المائة، بما في ذلك تخفيض ميزانية القسم العالمي من خدمة الهيئة البريطانية للبث "بي بي سي" التي هي من أهم أدوات الدبلوماسية العامة البريطانية. ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة "التقشفية" على المستوى الدولي، خلال السنوات الخمس المقبلة، لا سيما أن حزب المحافظين الذي قاد الحكومة السابقة، سوف يستمر في قيادة البلاد حتى عام 2020.

اقرأ أيضاً: فوز كاميرون يقلق الاتحاد الأوروبي: هدية مسمومة لأوروبا

أما على مستوى الرأي العام، فقد كشفت أحدث دراسة أجراها معهد "تشاتم هاوس" بالتعاون مع مؤسسة "يوغوف" لاستطلاعات الرأي، عن ميل أغلبية الجمهور البريطاني إلى جهة تركيز السياسة الخارجية على حماية المملكة المتحدة في حدودها، مع اقتصار التدخّل الخارجي على تقديم المساعدات التنموية. ومع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن على بريطانيا مسؤولية في الحفاظ على الأمن الدولي، إلا أنهم يظهرون ميلاً أكبر لاستخدام وسائل وأدوات الدبلوماسية الناعمة وتوسيع مشاركة بريطانيا في قوات حفظ السلام الدولية، بدلاً من الاعتماد على القوة العسكرية.

ومع ذلك تؤكد الدراسة التي ركّزت على استطلاع اتجاهات الجمهور وقادة الرأي العام في بريطانيا من أولويات السياسة الخارجية للمملكة المتحدة، أن بعض المؤشرات التي قدّمتها النتائج تُظهر عدم ميل بريطانيا إلى الانعزالية، وإنما على العكس تماماً تُظهر ميل القيادات وصانعي السياسات الخارجية البريطانية إلى لعب دور حيوي وطموح على الساحة الدولية، لا سيما أن أغلبية الرأي العام ما زالت ترى أن بريطانيا دولة كبيرة على الساحة الدولية بسبب عضويتها في مجلس الأمن، وترسانتها النووية، وعلاقتها الخاصة بالولايات المتحدة، ووضعها في الكومنولث والاتحاد الأوروبي.

كذلك أظهرت الدراسة أن الرأي العام البريطاني وقادة الرأي العام لا يزالون يعتقدون أن هناك خمسة أخطار خارجية تتهدد الأمن القومي البريطاني، يتصدرها الإرهاب الدولي، خصوصاً الحركات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، ثم الانتشار النووي في دول مثل كوريا الشمالية وإيران، فالجريمة المنظمة لا سيما تهريب الأفراد والمخدرات عبر الحدود، ثم هناك التهديدات الإلكترونية، وأخيراً الاضطرابات في قطاع الطاقة وعدم استقرار أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.

اقرأ أيضاً: كاميرون يتسلّح بـ"الاستفتاء" لمواجهة الاتحاد الأوروبي