فصل من الحرب الباردة الهندية ـ الباكستانية

فصل من الحرب الباردة الهندية ـ الباكستانية

26 مايو 2015
لن يتخطى تبادل الاتهامات حدّ الكلام (ناريندر نانو/فرانس برس)
+ الخط -
مع عودة موجة جديدة من أعمال العنف إلى الساحة الباكستانية، تعالت أصوات المسؤولين العسكريين والسياسيين التي تتهم الاستخبارات الهندية بـ"التدخّل في شؤون باكستان الداخلية، بهدف إرباك أمنها واستقرارها". وكان لافتاً ارتفاع نبرة قادة باكستان العسكريين، الذين نادراً ما يفعلون ذلك، عبر اتهامهم الهند، وجهاز استخباراتها، بـ"التخطيط الواسع" لما وصفته بـ"التلاعب بأمن باكستان واستقرارها".

وعززت تصريحات وزير الدفاع الهندي، مونوهار بريكار، يوم السبت، التهم الباكستانية، حين أكد أن "الهند ستلجأ إلى التعامل بالمثل لمكافحة الإرهاب، المدعوم من بعض دول المنطقة"، في إشارة واضحة إلى باكستان. وفي أول رد فعل باكستاني على تصريحات وزير الدفاع الهندي، أكد مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للأمن القومي والشؤون الخارجية، سرتاج عزيز، أنها "المرة الأولى التي يتعهّد فيها وزير هندي بدعم الإرهاب، وباللجوء إليه لمكافحة الإرهاب نفسه، وهو أمر غريب ومثير للكثير من الأسئلة".

وشدد عزيز على أن "بلاده تسعى إلى تحسين علاقاتها بدول الجوار، ولا سيما الهند، إذ إن التعاون بين دول المنطقة، هو الطريق الوحيد لمجابهة التحديات الأمنية". ولفت إلى أن "تصريحات الوزير الهندي تعزّز ما تدّعيه باكستان من التدخل الهندي في شؤونها الداخلية والأمنية". وسبق أن لفت وزيرا الدفاع والداخلية الباكستانيان، خواجه آصف، وشودري نثار، إلى أن "جهاز الاستخبارات الهندية (را) يدعم الجماعات المسلحة الباكستانية"، وأن "لدى باكستان أدلّة توثّق ذلك".

ولم تقف سلسلة التهم الباكستانية للهند عند هذا الحدّ، بل إن المؤسسة العسكرية، التي قلّما تتبنّى موقفاً كهذا، اتهمت الهند أخيراً بدعم أعمال العنف في باكستان. وأوضحت من خلال مكتب العلاقات العامة، أن "لدى الجيش أدلة توثق أن جهاز الاستخبارات الهندية يدعم الجماعات القتالية، داخل المدن الرئيسية حتى".

وكالعادة كانت أفغانستان حاضرة في الملف الهندي الباكستاني، إذ أكدت الخارجية الباكستانية أن "أجهزة الاستخبارات الهندية تتدخل في شؤون باكستان، مستخدمة الأراضي الأفغانية، وأنها أبلغت كابول بذلك، وطالبتها بوقف التدخل الهندي من خلال أراضيها".

اقرأ أيضاً: اغتيالات غامضة تلاحق المسؤولين الأفغان

لكن أفغانستان، الضحية الأولى للإرهاب والعنف المتواصل، رفضت تلك التهم، وشددت خارجيتها على لسان المتحدث باسمها، شكيب مستغني، أن "بلادها ضحية التدخل الأجنبي"، وأنها "تؤمن بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، ولن تسمح لأحد باستخدام أراضيها ضد خصمه".

ويُعدّ تبادل الاتهامات بين الجارتين النوويتين المتنافستين، الهند وباكستان، "أمراً اعتيادياً"، ودائماً ما يحدث، لكن الخطير هنا، دخول المؤسسة العسكرية الباكستانية على هذا الخط، وتبنّيها موقفاً صارماً إزاء ما عدّته "التدخّل الهندي في الشؤون الباكستانية".

وثمة أمر، آخر، أكثر خطورة في الشأن الداخلي الباكستاني، وهو توجيه الاتهامات للحزب الباكستاني "الحركة القومية المتحدة"، بـ"تلقّي الدعم من جهاز الاستخبارات الهندية، والقيام بأعمال عنف داخل المدن الباكستانية، وعلى رأسها مدينة كراتشي الاقتصادية".

وكانت شرطة كراتشي، أول من اتهمت "الحركة القومية المتحدة"، الخاصة بالمهاجرين من الهند إلى باكستان بعد استقلال الأخيرة في عام 1947، بـ"تلقّي الدعم من الاستخبارات الهندية، للقيام بأعمال إرهابية في مدينة كراتشي". وأفادت الشرطة بأنها "اعتقلت عدداً من عناصر الحركة، الذين تدرّبوا في الهند للقيام بهذه المهمة". كما سارعت الأحزاب السياسية المنافسة لـ"الحركة القومية" إلى تأييد هذه الاتهامات.

وأشار زعيم "حركة الإنصاف"، عمران خان، إلى أن "حزبه يزعم منذ أمد أن الحركة القومية تدعمها الهند، وهي تعمل للدفاع عن المصالح الهندية داخل باكستان". ووُجّهت الاتهامات إلى "الحركة القومية المتحدة"، ثاني أكبر حزب سياسي في كراتشي، في وقتٍ تشهد فيه المدينة أشرس موجة من أعمال العنف، وكان آخرها الهجوم على حافلة للطائفة الإسماعيلية، في 13 مايو/أيار، الذي أدّى إلى مقتل أكثر من 45 من أبنائها.

وبعد نقاشات طويلة، شارك فيها رئيس الوزراء، نواز شريف، وقائد الجيش الجنرال، راحيل شريف، توصّلت القيادة السياسية والعسكرية إلى الاتفاق على شنّ عملية عسكرية في كراتشي يدعمها الجيش الباكستاني لإحلال الأمن فيها.

ومنذ ذلك الحين تشهد المدينة عملية محدودة النطاق، طالت مكاتب ومقرات بعض الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الحركة القومية المتحدة التي يتزعمها، إلطاف حسين، الذي يعيش في بريطانيا منذ أكثر من عقد. وعلى الرغم من الحملة العسكرية، إلا أن أعمال العنف تواصلت وطالت رجال الأمن والمدرّسين.

ولم تنحصر العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة في كراتشي، بل امتدت إلى إقليم بلوشستان، حيث تقوم القوات شبه العسكرية، منذ أيام، بعملية عسكرية ضد عناصر الجماعات المسلحة والانفصاليين البلوش، في منطقة قلات وضواحي مدينة كويتا عاصمة الإقليم.

ووفق وزارة الداخلية في الحكومة المحلية في الإقليم، فإن أكثر من 20 عنصراً انفصالياً لقوا حتفهم جراء عمليات القوات شبه العسكرية في المنطقة، وأن العملية لا تزال متواصلة. كما أعلنت قوات الجيش الباكستاني إطلاق عملية جديدة، الأسبوع الماضي، في منطقة شوال الجبلية، في مقاطعة شمال وزيرستان القبلية الحدودية مع أفغانستان، للقضاء على آخر معاقل الجماعات المسلحة، وعلى رأسها "طالبان باكستان". وفي السياف، يواصل سلاح الجو الباكستاني غاراته المكثفة على معاقل المسلحين دعماً للقوات البرية.

وعلى خط مواز، لم يبق إقليم البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية، في منأى من أعمال العنف والعمليات المكافحة لها، إذ تقوم قوات الأمن بعملية عسكرية ضد المسلحين في منطقة كوتكي منذ 50 يوماً. وبدأت العملية بعد خطف المسلحين عدداً من عناصر الأمن، تضاربت أقوال المسؤولين في شأنهم. ويقول بعضهم إن "المختطفين هم عشرة رجال الشرطة"، في حين يشير الآخرون إلى أن "عددهم لا يتجاوز الستة فقط".

وبينما أكدت المصادر الأمنية في البداية، أن "الخاطفين ينتمون إلى عصابات إجرامية، تقوم بأعمال النهب والقتل للحصول على المال"، تؤكد المصادر نفسها الآن، أن "العصابات تنتمي إلى الجماعات المسلحة، وأن قوات الأمن لم تتكمن حتى الآن من الإفراج على المختطفين، والقضاء على المسلحين".

اقرأ أيضاً غرائب "داعش" و"طالبان" في أفغانستان: قتال في الشمال وتحالف في الجنوب