روسيا تهدد المنظمات الأجنبية: خوف من ميدان معارض؟

روسيا تهدد المنظمات الأجنبية: خوف من ميدان معارض؟

25 مايو 2015
القانون لقطع الطريق على تمويل أي ميدان احتجاجي (الأناضول)
+ الخط -

لم تفد اعتراضات المدافعين عن حقوق الإنسان، والمخاوف التي عبّر عنها نشطاء المجتمع المدني الروسي، ولا توصيات الغرب وحديثه عن انتهاك القانون الجديد للحريات العامة، في إقناع القيادة الروسية بالتراجع عن إقرار قانون يمنع عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية "غير المرغوب فيها"، ويعاقب العاملين فيها والمتعاونين معها، تاركاً تصنيف "غير مرغوب" فضفاضاً كأداة ضغط سياسية.

ولا تخفي أوساط القيادة الروسية أن الهدف من القانون الجديد هو قطع الطريق على تنظيم وتمويل ميدان احتجاجي في موسكو، على غرار ميدان كييف الذي أطاح بحكم الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الميدان الذي تتهم موسكو واشنطن بتدبيره وتمويله، واستهداف سلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بواحد مثله.

بعيداً عن الحريات

وهكذا، ففي الثالث والعشرين من مايو/أيار الحالي، صادق بوتين على قانون "المنظمات الأجنبية غير المرغوب فيها"، وتم نشر نص القانون رسمياً. وبذلك يكون قد تم إقرار أداة جديدة صالحة للاستخدام في التضييق على المعارضة الروسية.

وعلى الرغم من التطمينات التي تقول إن تصنيف "غير مرغوب" لن يشمل جميع المنظمات الأجنبية والدولية، إلا أن ذلك لا يغيّر من طبيعة القانون الذي يتيح اعتبار أي منظمة أجنبية أو دولية غير حكومية منظمة غير مرغوب فيها، بمعنى أنها تقوم بأنشطة معادية وضارة بروسيا، ويمكن منع نشاطها ومعاقبة العاملين فيها والمتعاونين معها على الأرض الروسية.

وبصرف النظر عن ربط تصنيف "غير مرغوب" بنشاط يهدد النظام الدستوري في روسيا وقدرات البلاد الدفاعية وأمن الدولة الروسية، إلا أن الأفعال التي يمكن أن يُفهم منها مثل هذا التهديد غير محددة بدقة، ومتروكة لتقديرات النائب العام ومعاونه اللذين يمكنهما بعد موافقة وزارة الخارجية الروسية منع المنظمات غير المرغوب فيها من فتح مكاتب لها، وممارسة النشاط وتمويل المشاريع في روسيا.

لكن ما يثير المخاوف أكثر هو أن القانون الجديد يشمل بالمنع نشر المواد والمعلومات الخاصة بهذه المنظمات، بما في ذلك على الشبكة العنكبوتية. وفيما إذا عُدّت المنظمة "غير مرغوب" فيها، فذلك يعني إلزام المؤسسات المالية والمصارف بتسيير حساباتها، وإلزام الأخيرة بالتصريح عن الإجراءات التي اتخذتها أمام وزارة المالية الروسية، وعلى الأخيرة تحويل الملفات إلى النائب العام ووزارة العدل.

أما الغرامات المالية التي ينص عليها القانون الجديد فتأتي هزيلة ولا تشكل عائقاً، قياساً بالعواقب السياسية التي يمكن أن تترتب بصورة غير مباشرة على المخالفين من الروس. فعقوبة الأفراد العاديين تتراوح بين 5 و10 آلاف روبل (100-200 دولار)، والمسؤولين بين 20 و50 ألف روبل (500-ألف دولار)، والشخصيات الاعتبارية بين 50 و100 ألف روبل (ألف وألفي دولار). وفي حال تكرار المخالفة تتضاعف الغرامة لتصل إلى عشرة آلاف دولار، وإلى عمل إلزامي لمدة 360 ساعة عمل.

في حين أن النشاط المضر بقدرات البلاد الدفاعية وأمنها يمكن أن يُعاقب عليه بالسجن، وهنا يُفتح الباب أمام تفسيرات غير محددة للأنشطة المعادية للدولة والمضرة بأمنها، بدءاً من انتقاد سياساتها الخارجية المدعوم بشواهد وأمثلة، على غرار تقرير نيمتسوف "بوتين.الحرب"، وانتهاء بتناول أي مسألة تخص الجيش ومؤسسات القوة يمكن أن يستشف منها نوايا معارضة أو موالية للغرب، كما يمكن محاكمة الأشخاص العاملين والناشطين في المنظمات الاجتماعية غير الحكومية، بما فيها تلك التي لا تمارس أنشطة سياسية، كأن تكون ثقافية أو فنية أو غير ذلك، على تلقي مساعدات من الخارج إذا كانت هذه المنظمات لا تعجب السلطات.

وفي سياق محاولات القيادة الروسية سد منافذ الريح الغربية التي يخشى الكرملين أن تطيح بسلطته، كان قانون آخر قد أُقرّ عام 2012، يُلزم المنظمات غير التجارية أو غير الربحية الروسية بتسجيل نفسها رسمياً بصفة "عميل أجنبي" إذا كانت تزاول نشاطاً سياسياً وتتلقى مساعدات من الخارج. والخطير في الأمر أن هذا القانون يمكن أن يطاول عمل مؤسسات الإعلام بالمسؤولية، إذا ما فُهم من عملها ممارسة نشاط سياسي. وعلى جميع المنظمات "العميلة الخارجية" أن تصرّح عن طبيعة عملها، وتعلن عنه عبر وسائل النشر، وتلتزم به.

اقرأ أيضاً: طابور خامس في روسيا يهدّد بـ"ميدان" جديد؟

ردود فعل رافضة

تخوّفاً مما قد يترتب على القانون الجديد، دعت مسؤولة "حرية وسائل الإعلام" لدى بعثة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، دونيا مياتوفيتش، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العشرين من الشهر الحالي، إلى عدم التصديق على القانون، وإلى استخدام صلاحياته وفرض فيتو عليه، نتيجة "الصياغة الفضفاضة والغامضة للحكم القانوني، والتي يمكن أن تؤدي إلى فرض قيود شديدة على مجموعة واسعة من الحقوق الديمقراطية، بما في ذلك حرية التعبير وحرية وسائل الإعلام".

وأمّا بعد إقراره فرأت الولايات المتحدة فيه خطوة جديدة نحو عزل روسيا. فقد نقلت وسائل الإعلام عن المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، قولها: "إننا قلقون من أن يؤدي القانون الجديد إلى مزيد من القيود على المجتمع المدني في روسيا، ويشكل مثالاً إضافياً عن الضغوط المتزايدة التي تمارسها الحكومة الروسية على وسائل الإعلام". وأضافت، كما جاء على الموقع الرسمي للخارجية الأميركية، أن القانون "موجّه إلى عزل روسيا عن بقية العالم". وأفادت أن حكومة الولايات المتحدة تدعو روسيا إلى الإيفاء بالتزاماتها الدولية، القاضية باحترام حرية التعبير والاجتماع وسيادة القانون.

بدورها، أعربت الخارجية البريطانية عن قلقها من القانون الجديد. وقال الوزير البريطاني لشؤون أوروبا، ديفيد ليدنغتون، في بيان، إن "القانون الجديد ينعكس بصورة مباشرة على إمكانية عمل المنظمات الدولية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان في روسيا، وهو موجّه بوضوح لتقويض عمل مؤسسات المجتمع المدني الروسي".

وفي السياق نفسه، ترى منظمة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية في قانون "المنظمات غير المرغوب فيها"، وهما المهددتان بالوقوع تحت طائلته، أن المستهدف به ليس الأجانب إنما النشطاء الروس المعارضون، ومن يتناولون السلطات الروسية بالانتقاد. فقد وصف ممثل منظمة العفو الدولية، جون داليزين، القانون الجديد بأنه "الفصل الأخير في قمع غير مسبوق" للمنظمات غير الحكومية، وأضاف أنّ هذا التدبير "يُجرّم الأنشطة المشروعة ويخنق حرية التعبير وحرية تأسيس الجمعيات".

أما روسيا فتزيدها ردود الفعل هذه ثقة بأن واشنطن وحلفاءها يستهدفون أمنها واستقرارها ووحدتها، وليس فقط نظام الحكم فيها، خصوصاً أن مشروع القانون عند إحالته إلى الدوما الروسية كان قد أرفق بحاشية، تضع المنظمات غير المرغوب فيها على درجة واحدة من الخطورة، مع تهديدات الإرهاب والتطرف ومخاطر "الثورات الملوّنة". وقد عبّر حينها الناشط الحقوقي، سيرغي بودوزوف، عن رؤية الحقوقيين الروس للقانون الذي لم يكن قد صادق عليه بوتين بعد بالقول: "هذا القانون ليس قانونياً. وعلينا أن نعي الحقوق والحريات التي انتهكتها الدولة. فالدولة تتدخل بشكل مفرط في حرية تكوين الجمعيات".

ويبقى السؤال كيف يمكن التوفيق بين دعوات بوتين إلى تنشيط المجتمع المدني الروسي وتصديقه، في الوقت نفسه، على قانون يحول دون تفاعل منظمات هذا المجتمع مع مثيلاتها في العالم لتبادل الخبرات وتدريب الكوادر والقيام بأنشطة مشتركة؟ أم أنه الاكتفاء الذاتي والانغلاق مرة أخرى، في زمن لم تعد معه الستارة الحديدية ممكنة؟

اقرأ أيضاً: روسيا: ميدان رسمي في مواجهة ميدان شعبي

المساهمون