عجز الدولة يعيد إحياء فتنة غرداية الجزائرية

عجز الدولة يعيد إحياء فتنة غرداية الجزائرية

19 مايو 2015
عجزت الحكومة كل هذه السنوات عن حلّ الأزمة(فرنس برس)
+ الخط -
لا تكاد الأحداث العنيفة في مدينة غرداية تهدأ حتى يعود التوتر مجدداً. فالمدينة الجزائرية التي تتقاسمها، ديمغرافيّاً، مجموعتان من السكان، الأمازيغ الذين يتبعون المذهب الأباضي والعرب الذين يتبعون المذهب المالكي، باتت تمثل منطقة توتر. لم تنفرج الأوضاع في المنطقة، منذ عام 2008، وفشلت السلطات في وقف التمزق المجتمعي والمذهبي والعرقي في المحافظة التي تضم عدداً من البلدات، وزاد التمايز العرقي والمذهبي من تعقيد الأزمة.

فقد أصيب 19 شخصاً بينهم 15 عنصراً من قوات الأمن الجزائري خلال تجدد أعمال العنف والشغب الطائفية في مدينة غرداية جنوب الجزائر بعد أشهر من الهدوء. اندلعت أعمال شغب، السبت الماضي، بين السكان العرب الأمازيغ والسكان العرب في عدد من أحياء المدينة، على خلفية اعتداء تعرضت له سيارات وحافلات نقل عام من مجموعة من الشباب. تأخُّر تدخل قوات الأمن لتوفير الحماية للسكان، دفع مجموعات أخرى، إلى مهاجمة قوات الأمن المنتشرة في المدينة بقنابل المولتوف والحجارة، واتهمتها بالتقاعس عن توفير الحماية وردع المشاغبين، ما دفع قوات الأمن إلى إطلاق القنابل المسيلة للدموع، وملاحقة المشاغبين لإعادة الاستقرار إلى المدينة. وأعلنت السلطات الجزائرية إرسال تعزيزات أمنية ونشر قوات من الأمن في شارع المدينة لاحتواء الموقف ووقف المواجهات العنيفة. واستخدمت قوات الأمن طائرة عمودية للمساعدة في مراقبة الأوضاع.

اقرأ أيضاً: الإسلاميون الجزائريون وأزمة غرداية.. صمت غير مشروع

ليست المرة الأولى التي تشهد فيها غرداية أحداث عنف ومواجهات على خلفية عرقية ومذهبية. فمنذ شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008، تشهد المدينة مواجهات طائفية بين المجموعتين، كانت أعنفها تلك التي اندلعت في 29 من الشهر ذاته، في مدينة بريان، وخلفت مقتل ثلاثة أشخاص وجرح أربعة أشخاص.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من أعيان المدينة والناشطين السياسيين والمدنيين فيها، من تعقيد الوضع في ظلّ استمرار الأزمة، وعجز السلطات عن إيجاد حلول، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة، إلّا أنّ المأزق الراهن قد يتحول إلى أزمة بأبعاد عرقية ومذهبية. وتعد أحداث غرداية أخطر فتنة مذهبية وعرقية تشهدها الجزائر منذ الاستقلال.

تجددت المواجهات بين أتباع المذهبين في أبريل/ نيسان 2009، مما أدى إلى مقتل شخصين وجرح أكثر من 25 آخرين، وتخريب عدد من  المحلات التجارية. ونجحت السلطات الجزائرية في 29 يونيو/ حزيران 2010، في التوصل إلى عقد اتفاق بين عقلاء وأعيان المذهبين الأباضي والمالكي. ونص العقد على المصالحة والتعايش ونبذ الفتنة، وحل المشاكل والخلافات بالحوار بين أعيان الطائفتن، وتجنب كل مظاهر العنف.

تعود الأحداث نفسها وللأسباب ذاتها كل مرّة، لتكون أكثر دمويّة، كالمواجهات التي شهدتها المدينة في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ومارس/ آذار 2014، أدّت إلى تهجير عائلات بسبب ما عُرفت بـ"هجمات الملثمين على الأحياء والمحلات التجارية". خلق المشهد حالة من القلق السياسي والمجتمعي والإعلامي في الجزائر على التداعيات المستقبلية للأزمة، خصوصاً أنّ ناشطين ينتمون إلى مجموعة السكان الأمازيغ سعوا إلى تدويل القضية ورفعوا تقارير إلى هيئات دولية، اتهموا فيها السلطات الجزائرية بالانحياز إلى السكان العرب. وقد رفضت الفعاليات المجتمعية في غرداية، الطرح.

اقرأ أيضاً: مقتل شخصين في صدامات طائفية جنوب الجزائر

وانتقدت الصحافة والمعارضة السياسية في الجزائر، لفترة، عجز الحكومة عن حلحلة الأزمة وإعادة الأمن. واعتبرت أن إحلال الاستقرار والأمن في غرداية أولى من جهود الجزائر  لحلحلة الوضع في شمال مالي. وتعتقد أن تكريس جهود المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية في البلد، أولى من أي جهد لتسوية مشكلات إقليمية.

المساهمون