تونس: "الجبهة الشعبية" تخوض معركة "تزعّم" المعارضة بـ"لاءاتها"

تونس: "الجبهة الشعبية" تخوض معركة "تزعّم" المعارضة بـ"لاءاتها"

19 مايو 2015
ترفع الجبهة "لاءات" بدون برنامج بديل (ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -
تخوض "الجبهة الشعبية" التونسية المعارضة، في هذه الأيام، معارك سياسية واسعة، سواء عبر ممثليها الخمسة عشر في مجلس "نواب الشعب" في ما يتعلق بمشاريع القوانين المعروضة على البرلمان، أو من خلال أبرز قيادييها على الساحة السياسية، وفي مقدّمتهم المتحدث الرسمي باسمها، حمة الهمامي، الذي تواترت انتقاداته الشرسة لأداء حكومة الحبيب الصيد الحالية. 

لا تخلو هذه المعارك، بحسب خبراء، من الرغبة الجامحة للجبهة منذ تأسيسها في اعتلاء سدة المعارضة، على الرغم من الحجم المحدود للمقاعد التي حصدتها خلال الانتخابات التشريعية، وعدم تمكن مرشحها حمة الهمامي بالظفر بكرسي الرئاسة، وعلى الرغم أيضاً من خلطتها السياسية المتنوعة؛ إذ إنّها تضم، إلى جانب شخصيات مستقلة، تسعة تنظيمات سياسيّة ذات مرجعيّة إيديولوجية ناصرية واشتراكيّة وبعثية ويسارية.

هذا التنوع الحزبي والإيديولوجي والمرجعي خلّف تناقضات كادت أن تهزّ تركيبة "الجبهة الشعبية" وتوجهاتها، خصوصاً في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية أواخر عام 2014. وبرز ذلك من خلال اختلاف مواقف عدد من قيادييها حول دعم أحد المرشَّحَيْن الباقِيَيْن، وهما كلٌّ من الباجي القائد السبسي، والمنصف المرزوقي.

انتهت الانتخابات التشريعية والرئاسية وتكونت الحكومة التونسية الجديدة، لكن لا تزال "الجبهة الشعبية" ترفع لاءاتها في كلّ الاتجاهات، وعلى مختلف المستويات، وهو ما ألب عليها خصومها من داخل الحكم وخارجه، إذ اتهمومها بأنها تكتفي "بالتنظير لأحلام اليقظة "، بل إن البعض ذهب إلى القول إن المعارضة في تونس "لا تصلح إلا للهدم ولا قدرة لها على البناء".

في المقابل، بدأت تظهر نتائج التقارب العلني بين كل من حزب "نداء تونس" وحركة "النهضة"، خصوصاً داخل المجلس النيابي من خلال موقف هذين الطرفين تجاه مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء من جهة، ومن خلال تقارب المواقف بين مختلف قيادييهما، شأن زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، والأمين العام الجديد لحزب "نداء تونس"، محسن مرزوق، بخصوص المصالحة الوطنية الشاملة.

اقرأ أيضاً سباق المعارضة التونسية: مبادرات متزامنة ترويجاً لـ"خط ثالث"

وفي هذه الأثناء، تشهد الساحة السياسية والحزبية في تونس عدة تغييرات تتمثل في سعي عدد من السياسيين، على غرار مصطفى بن جعفر، (أمين عام حزب "التكتل")، وأحمد نجيب الشابي، (النائب الاشتراكي)، والمنصف المرزوقي، (الرئيس السابق)، إلى البحث عن بديل سياسي يفتح لهم مجالا لإعادة التموقع في المشهد السياسي.

في المقابل، تتخبط جبهة المعارضة باحثة لها عن موقع أبرز في الساحة السياسية وعن سبل لتوسيع قاعدتها الشعبية، مما دفع بقياداتها إلى التأكيد على أنها ستطرح على نفسها عدة أسئلة مفصلية، مطالبة بالإجابة عنها في ندوتها الوطنية الثالثة، ومن خلالها تعلم إلى أين وصلت، وما هي العقبات التي اعترضتها كي لا تحصل على نتائج أفضل في الانتخابات. 

وكان من المتوقع أن تعقد الجبهة هذه الندوة الوطنية الثالثة يومي 9 و10 مايو/أيار الجاري، غير أنه تمّ تأجيلها إلى موعد آخر لم يحدّد بعد، في انتظار استكمال أشغال بقية الندوات الجهوية للجبهة، التي انطلقت منذ أسابيع بمختلف مناطق البلاد.

وفور الانتهاء من اقتراحات الندوات الجهوية وتوصياتها سيتم تحديد ملامح أشغال الندوة الوطنية الثالثة ومحاورها، والتي من المنتظر أن تطرح من خلالها ثلاثة ملفات أساسية، حصرها النائب عن كتلة "الجبهة الشعبية"، مراد العمدوني، في حديث لـ"العربي الجديد"، في ثلاثة ملفات كبرى أولها "تقييم المرحلة الماضية، خصوصاً ما يتعلق بنتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية للوقوف على أهم الدروس والعبر ومواطن الإخفاق لرسم طرق تجاوزها في المراحل المقبلة".

أما الملفان الثاني والثالث، فقد حددهما العمدوني، المنتمي في الوقت نفسه إلى حزب (التيار الشعبي)، في "الورقة التنظيمية والهيكلية للجبهة الشعبية وفي الورقة السياسية، التي ستبني محاورها وفقاً للمتطلبات السياسية والخطوط العريضة للمرحلة المقبلة، ومن بينها الانتخابات البلدية، وستصدر عن ذلك ورقة سياسية تكون بمثابة المنهج وخارطة طريق سياسية".

ويذهب أمين عام حزب "الوطد" أحد أبرز مكونات "الجبهة الشعبية"، زياد لخضر، في حديثه مع"العربي الجديد"، إلى أبعد من ذلك، إذ يؤكد على أن "الجبهة الشعبية في ندوتها الوطنية الثالثة تناقش وتنفتح على كلّ الاحتمالات بما في ذلك سيناريو الانتخابات السابقة لأوانها والتحالفات السياسية الممكنة وتكتيكها السياسي، مع دراسة كلّ المتغيرات الأرضية السياسية الحالية والمستقبلية للوقوف عند كل الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة". 

يبقى السؤال المطروح: هل على "الجبهة الشعبية" أن تحافظ على نفس تكتيكها السياسي، أم أنّه يتعين عليها تغييره كي تكون الجبهة المعارضة الأكبر في المشهد السياسي والحزبي التونسي وضم جبهات سياسية أخرى لصفها؟ 

لا تبدو المسألة بالسهولة المتوقعة، فالعديد من قياديي "الجبهة الشعبية" تحفظوا عن الإجابة واكتفوا بالقول إن جميع الإشكاليات والتساؤلات ستجيب عنها أشغال الندوة المذكورة، وهو ما أكّده كلٌّ من القياديَيْن، زياد لخضر ومراد العمدوني، لـ"العربي الجديد"، بحيث ذكرا أنّ "الجبهة الشعبية ستدرس كل الإمكانيات، التي تجعل منها الصف المعارض الأكبر على الساحة السياسية، لكن مع المحافظة على خطها السياسي، الذي أحدثت من أجله، ويمكنها من المحافظة على بصمتها ومنهجها الجبهوي".  

المساهمون