سلام مالي: اتفاق "مجاملة سياسية" يهدد بعودة الحرب الأهلية

سلام مالي: اتفاق "مجاملة سياسية" يهدد بعودة الحرب الأهلية

17 مايو 2015
الرعاية الأفريقية والدولية للاتفاق لن تتضمن تفعيله بمفردها(فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدبلوماسية الجزائرية والضغوط الفرنسية الهائلة على "تنسيقية حركات أزواد"، التي تضم أهم حركات المتمردين الطوارق والعرب في شمال مالي، لتوقيع اتفاق السلام النهائي في باماكو يوم الجمعة الماضي، أصرت التنسيقية على موقفها الحذر، واكتفت بالتوقيع بالأحرف الأولى من هذا الاتفاق بالعاصمة الجزائرية فيما غابت عن الاتفاق النهائي الذي وقع يوم الجمعة بين وزير الخارجية المالي، عبدالله ديوب، فضلاً عن ثلاثة ممثلين عن مجموعات مسلحة موالية لباماكو وحركتي تمرد ثانويتين في التنسيقية هما "تنسيقية الشعب في أزواد" و"تنسيقية حركات وجبهات المقاومة الوطنية".

اقرأ أيضاً: توقيع اتفاق سلام بين الحركات الأزوادية وحكومة مالي

خطوة التوقيع بالأحرف الأولى فقط اعتبرها العديد من المتابعين نزولاً عند رغبة الوساطة الجزائرية والأطراف الدولية الأخرى الراعية لمفاوضات السلام.
وكان مسؤول "تنسيقية حركات أزواد"، بلال اغ شريف، قد بذل مجهوداً دبلوماسياً كبيراً، ووجد صيغة تبرر حذر التنسيقية، حين اعتبر أنّ "توقيع وثيقة الاتفاق بالأحرف الأولى وتوقيع اتفاق نهائي يبقيان عملين منفصلين قانونياً". واشترط شريف إجراء مفاوضات إضافية مع الحكومة المالية قبل توقيع أي اتفاق نهائي، معلناً سلفاً أن التنسيقية لن تحضر مراسيم التوقيع في باماكو التي أجريت أول من أمس. وهو ما دفعها إلى الإعلان عن تعليق عضوية محمد عثمان اغ محمدون في التنسيقية لمشاركته في حفل التوقيع.

ويقول الإعلامي الموريتاني المتخصص في شؤون منطقة الساحل، مختار بابتاح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "إن توقيع التنسيقية بالأحرف الأولى على اتفاق السلام في الجزائر جاء نتيجة ضغوط جزائرية وفرنسية. وهو نوع من المجاملة السياسية التي تخفي رفض التنسيقية لخطة السلام وعدم اقتناعها بها".
وكان لافتاً أن الرئاسة الفرنسية بادرت بسرعة يوم الخميس الماضي إلى "الإشادة بتوقيع اتفاق المصالحة والسلام بالأحرف الأولى في الجزائر" فور الإعلان عنه، ما اعتبره بعض المراقبين محاولة لإخفاء الخيبة الفرنسية من رفض التنسيقية التوقيع على الاتفاق النهائي ومن فشل وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في إقناع المتمردين الطوارق بالذهاب للتوقيع في باماكو.

والواقع أن هذا الفشل غير المعلن لاتفاق الجزائر وإحجام "تنسيقية حركات الأزواد" عن توقيعه يهدد مفاوضات السلام برمتها في الشمال المالي. وقد يعود بالأمور إلى نقطة الصفر. فخلف المجاملات الدبلوماسية، تتجه الأمور إلى تصعيد غير مسبوق في شمال وغرب البلاد بين المتمردين الطوارق والقوات الحكومية. وبلغ التصعيد ذروته يوم الاثنين الماضي عندما قُتل ثمانية جنود ماليين في شمال غرب البلاد في كمين نصبه المتمردون.

وارتفعت وتيرة التوتر بصورة مفاجئة في 28 أبريل/ نيسان الماضي عندما سيطرت مليشيا "غاتيا" المقربة من القوات الحكومية المالية على مدينة "ميناكا" قرب الحدود من النيجر وطردت المتمردين الطوارق خارجها. وهي الخطوة التي أثارت غضب "تنسيقية حركات الأزواد" التي اعتبرتها بمثابة إعلان حرب وخرقاً فاضحاً للهدنة التي تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة في مالي. ورد المتمردون سريعاً بشنّ هجوم عنيف على مدينة تينينكو في 6 مايو/ أيار الماضي وأوقعوا خسائر كبيرة في صفوف القوات الحكومية.
وفي ضوء هذا التوتر، كان من الطبيعي أن تتراجع "تنسيقية حركات الأزواد" عن وعودها بتوقيع اتفاق السلام. وهذا ما حذرت منه بعثة الأمم المتحدة التي بذلت جهوداً كبيرة لعقد لقاءات بين المتمردين وممثلي الحكومة المالية الأسبوع الماضي تنزع فتيل التوتر وتثبت الهدنة بين الطرفين تمهيداً لمشاركة التنسيقية في مراسم التوقيع الفعلي والنهائي لاتفاق السلام في باماكو. غير أن الجهود الأممية فشلت بسبب تواصل المناوشات والمعارك في الميدان. وهو ما دفع بوزير الخارجية الجزائري إلى الإقرار بعد انتهاء مراسم التوقيع بالأحرف الأولى الخميس الماضي بأن "الوضع الميداني لا يدعو للتفاؤل، لكنه يحتم مناشدة حس المسؤولية لدى كل الأطراف المالية".
ويعزو المتابعون تصاعد المعارك بين القوات المالية والمتمردين الطوارق إلى وجود رغبة قوية لدى بعض الأطراف المحسوبة على معسكر الرئيس المالي، إبراهيم بوبكر كيتا، في نسف أي اتفاق سلام يعترف بحقوق الطوارق في شمال مالي.
ويقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن المالي، عجلاوي الموساوي، لـ"العربي الجديد" إن "هناك أطرافا في باماكو مسكونة بحقد دفين على الطوارق ولا تريد أن تتنازل لهم بأي شكل من الأشكال عن صلاحيات الدولة والجيش التي يضمن بعضها اتفاق الجزائر، وهذا ما يفسر اللجوء إلى استخدام ورقة مليشيا "غاتيا" المقربة من القوات الحكومية المالية للهجوم على مدينة "ميناكا" وإثارة الصراع الميداني مجدداً مع المتمردين الطوارق".
يشار إلى أن اتفاق الجزائر ينص على إنشاء مجالس محلية بصلاحيات واسعة ومنتخبة بالاقتراع العام والمباشر، لكن الاتفاق لا ينص كما يأمل الطوارق، على منح استقلال ذاتي أو نظام اتحادي للشمال المالي.
كذلك، فإن الاتفاق لا يلبي مطلب التنسيقية الأساسي بالاعتراف بتسمية "أزواد" التي يطلقها الطوارق على منطقة الشمال، لكن هناك حديثاً عن احترام الدولة المركزية للتنوع العرقي والثقافي لمنطقة الشمال وخصوصياتها الجغرافية والاجتماعية. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن قواعد الحركات المتمردة في الشمال ترى في اتفاق الجزائر تراجعاً كبيراً عن مطالب الأزواد في نيل استقلال ذاتي.
ويشير المحلل السياسي، عجلاوي الموساوي، إلى أن الحركات المتمردة "لا تريد أن تكون صمام أمان للقوات الحكومية والفرنسية في خططها لمحاربة التنظيمات الجهادية التي تنشط في منطقة الساحل سوى مقابل ثمن سياسي ليس أقل من الاستقلال الذاتي والاعتراف بكيان الأزواد".
واللافت أنه في موازاة مراسم التوقيع على الاتفاق في الجزائر يوم الخميس الماضي، احتضنت نيامي، عاصمة النيجر، اجتماعاً أمنياً في غاية الأهمية لدول الساحل الخمس: مالي، موريتانيا، بوركينا فاسو، النيجر وتشاد، بحضور وزير الداخلية الفرنسي برنانر كازنوف. وتم خلال الاجتماع التوقيع على معاهدة أمنية لتطوير التنسيق الأمني في محاربة التنظيمات الجهادية وعمليات التهريب التي تشكل المورد الأساسي لهذه التنظيمات في منطقة الساحل. غير أن اتفاقاً من هذا النوع لا يمكن أن يكون فعالاً بدون استقرار الأوضاع في شمال مالي وإقناع المتمردين الطوارق بالانخراط الفعلي والواضح في عملية السلام، وهو الأمر الذي ما يزال بعيد المنال في السياق الراهن. 

اقرأ أيضاً: نساء الطوارق

دلالات

المساهمون