المواجهة في تدمر مؤجلة: النظام يستعيد السيطرة و"داعش" يحاصرها

المواجهة في تدمر مؤجلة: النظام يستعيد السيطرة و"داعش" يحاصرها

16 مايو 2015
انسحب "داعش" من عدة حواجز كان يسيطر عليها(فرانس برس)
+ الخط -
شنّت قوات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الأيام الأخيرة، هجوماً على مناطق سيطرة النظام في ريف حمص الشرقي، لتتمكن من السيطرة على مدينة السخنة الاستراتيجية، وعلى أكثر من عشرة حواجز لقوات النظام في محيط مدينة تدمر التاريخية. تمكّن التنظيم من التسلل، للمرة الأولى منذ ظهوره، إلى أحياء مدينة تدمر الشرقية، إلّا أنّه انسحب من الأطراف الشرقية للمدينة أمس الجمعة، بعد هجوم معاكس شنّته قوات النظام ضده. كما انسحب أيضاً من عدة حواجز كان قد سيطر عليها يوم الخميس شمال المدينة، ومن محيط قلعة تدمر الأثرية ومن بلدة العامرية الواقعة إلى الغرب من تدمر الأثرية.

يؤكد الناشط وليد التدمري لـ"العربي الجديد" أنّ قوات النظام تمكنت من استعادة السيطرة على حاجز الدور ومنطقة الصناعة شمال مدينة تدمر، كما تمكّنت أيضاً من استعادة السيطرة على منطقة فوج الهجانة وحقل الهيل النفطي الواقعين إلى الشرق من مدينة تدمر، في الوقت الذي انسحب فيه "داعش" من بلدة العامرية الاستراتيجية الواقعة إلى الغرب من مدينة تدمر.

ويلفت التدمري إلى أنّ "داعش انسحب تحت وطأة القصف العنيف الذي شنته طائرات النظام على ضواحي مدينة تدمر الشرقي، وعلى محيط قلعتها الأثرية ومحيط برج الإذاعة القريبة منها، الواقع على تلة استراتيجية تكشف معظم أحياء المدينة، كان "داعش" يحاول السيطرة عليها قبل اضطراره إلى الانسحاب منها".

اقرأ أيضاً: "داعش" يحاول التسلل إلى تدمر السورية

تحظى مدينة تدمر بأهمية استثنائية، إذ يوجد في محيط المدينة عدة قواعد عسكرية مهمة تابعة للنظام، ومنها المستودعات العسكرية الضخمة التابعة لوزارة الدفاع. كما يوجد قرب المدينة مطار "تي فور" العسكري الذي يتمتع بأهمية استراتيجية، نظراً لاعتباره أكبر المطارات العسكرية في سورية، لاحتوائه على 54 حظيرة إسمنتية (هنغار)، ومدرجين، يزيد طول كل واحد منهما عن ثلاثة كيلومترات. ويحتوي على أحدث الطائرات المقاتلة التي يملكها النظام من طراز "ميغ 29" و"سوخوي 25". ويوجد في محيط المدينة أيضاً، فوج من قوات الهجانة (قوات عسكرية تابعة للنظام تعمل في الصحراء السورية) ومجموعة من قوات النظام المدرعة المكلفة بحماية المدينة ومستودعاتها العسكرية، ومطار "تي فور" القريب منها.

لا تقتصر أهمية مدينة تدمر على ذلك، إذ تعتبر مدينة تدمر الأثرية المجاورة لها أحد ستة مواقع سورية أدرجتها "اليونيسكو" على قائمة التراث العالمي، لأنّها إحدى أقدم المدن التاريخية في العالم، التي لا تزال أوابدها تنتشر على مساحة كبيرة حيث يوجد فيها، بالإضافة إلى الطريق المستقيم المحاط بالأعمدة الحجرية الضخمة والمنتهي بقوس النصر الشهير، مسرح وحمامات أثرية وقصور ومعابد، أشهرها معبد الإله (بل) ومدرج كبير، بالإضافة إلى سور أثري، ما دفع المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا يوم الخميس إلى دعوة جميع الأطراف في سورية إلى حماية تدمر.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تتقدّم في إدلب وحلب

وقد فتحت هذه الأهمية الاستثنائية لتدمر، الباب واسعاً أمام النظام لاستثمار هجوم داعش على المدينة، إعلامياً، إذ نقلت وكالة "فرانس برس" عن  المدير العام لمديرية المتاحف والآثار التابعة للنظام مأمون عبد الكريم قوله: "إنّها اللحظة الأصعب بالنسبة لي منذ أربع سنوات. إذا دخل "داعش" إلى تدمر، فهذا يعني دمارها، وإذا سقطت المدينة، فستحلّ كارثة دولية".

جاء ذلك بعد وصول التنظيم يوم الخميس إلى أماكن تبعد نحو كيلومترين فقط عن مدينة تدمر الأثرية، قبل أن تبتعد قواته عن المنطقة عدة كيلومترات أخرى يوم الجمعة. لكن النظام السوري، وعلى الرغم من تمكنه من استثمار هجوم داعش على المدينة، يكثر الحديث في الأوساط الإقليميّة عن خسارة قواته في الشمال السوري، وأنّ عدم قدرة النظام على الصمود لوقت طويل أمام هجمات قوات المعارضة المستمرة، أصبح مؤكّداً.

كانت قوات "داعش" قد تمكنت قبل مهاجمتها لمدينة تدمر من السيطرة على مدينة السخنة الواقعة في أقصى ريف حمص الشرقي إلى الشمال من مدينة تدمر، بعد هجومها المفاجئ على قوات النظام. واستغل "داعش" قيام قوات النظام بسحب جزء من قواتها من المنطقة لتوجيهها إلى قتال قوات المعارضة التي تحقق تقدماً مستمراً في ريف إدلب الغربي شمال سورية، ليتمكن التنظيم من مباغتة قوات النظام المتبقية في المدينة الاستراتيجية.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يقصف ريفي اللاذقية وحلب

في هذا السياق، يؤكد الناشط مراد الهاشمي لـ"العربي الجديد" أنّ "قوات "داعش" تمكنت من إحراز تقدم كبير على حساب قوات النظام في بادية تدمر الشمالية حيث تقع مدينة السخنة التي يحيط بها عدد كبير من حواجز ومعسكرات النظام. وتمكن التنظيم من السيطرة على جميع حواجز قوات النظام شمال السخنة، ليدخل إلى المدينة ويسيطر على أحيائها. وفي الوقت عينه، تتواصل الاشتباكات بين قوات النظام و"داعش" في محيط حواجز المخفر والجبل والثنية التابعة لقوات النظام، الواقعة بين مدينتي السخنة وتدمر.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الاشتباكات التي اندلعت في المنطقة نتج منها 28 قتيلاً على الأقل من قوات النظام و20 آخرين من التنظيم، وإصابة أكثر من مائة آخرين من قبل الطرفين. وتجري الاشتباكات بالتزامن مع غارات عنيفة يشنها طيران النظام السوري على النقاط التي يسيطر عليها "داعش" في المنطقة، وردّ الأخيرعلى الغارات بقصف مطار "تي فور" العسكري بصواريخ "غراد"، ما أدى إلى اشتعال النيران في بعض المباني.

تحظى مدينة السخنة التي سيطر عليها داعش بشكل شبه كامل بأهمية استراتيجية، نظراً لكونها أكبر المدن التي كانت قوات النظام تسيطر عليها، على خط إمداد قواتها المحاصرة من قبل "داعش" في مدينة دير الزور.

كما أنّ قوات النظام في دير الزور باتت تسيطر على حيي الجورة والقصور، ومطار دير الزور العسكري وبعض المناطق المحيطة به جنوب شرق المدينة. وقد هاجم التنظيم في اليومين الأخيرين، محيط مطار دير الزور العسكري الذي تسيطر عليه قوات النظام، بالتزامن مع هجومه على بادية تدمر الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة دير الزور، لتردّ قوات النظام على هجوم "داعش"، بقصفها لمناطق تمركزه في محيط مطار دير الزور، وفي منطقتي المريعية وحويجة صقر القريبتين، بالطيران الحربي، بحسب مصادر محلية في المنطقة. 

وتنهي سيطرة داعش على مدينة السخنة آخر فرص قوات النظام في فك الحصار عن قواتها المحاصرة في دير الزور، ذلك أن الطريق الذي يصل مدينة دير الزور بمدينة تدمر أصبح تحت سيطرة التنظيم بشكل شبه كامل.