اتفاق لوزان يعيد ترميم علاقات أنقرة وطهران؟

اتفاق لوزان يعيد ترميم علاقات أنقرة وطهران؟

06 ابريل 2015
تركيا تدير الملف السياسي بشكل منفصل عن الملف الاقتصادي(الأناضول)
+ الخط -
يضع اتفاق لوزان الموقّع بين إيران ودول "5+1" تمهيداً لتوقيع الاتفاق النووي النهائي، جميع الدول المتواجدة في الإقليم على محك إعادة تقييم وترتيب علاقتها الإقليمية سواء مع بعضها أو مع إيران العائدة إلى العالم مرة أخرى بعد عزلة طويلة، ولا سيما أن جميع القوى العظمى عدّت الاتفاق صفقة تاريخية.
لم يختلف الموقف التركي الرسمي من الاتفاق عن موقف حلفاء أنقرة الغربيين في حلف شمال الأطلسي، حيث اعتبر البيان الصادر عن الخارجية التركية الاتفاق "خطوة إيجابية" لتحقيق "السلام والاستقرار في الشرق الأوسط"، وذلك بعد أيام من انتقادات حادة وجهها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى ما أطلق عليه محاولة إيران السيطرة على الشرق الأوسط.
حتى ما قبل اندلاع الثورة السورية تمتعت أنقرة بعلاقات ممتازة مع طهران، وصلت إلى درجة أن تركيا أدت دور الوسيط بين إيران والقوى العظمى حول ملفها النووي، لتتدهور العلاقات بين الطرفين بشكل واضح على المستوى السياسي بعد الخلافات الحادة حول عدد من القضايا ومنها مساندة إيران لكل من النظام السوري وحكومة نوري المالكي في بغداد، لتتفجر الأمور أخيراً بمساندة أنقرة لعملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين حلفاء إيران في اليمن.
وفي محاولته لتقديم نفسه على أنه بديل لحزب "العدالة والتنمية" ويمتلك مشروعاً مختلفاً لإدارة العلاقات الخارجية التركية قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/ حزيران المقبل، دعا زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، الحكومة التركية إلى مواجهة التحدي الذي يفرضه الاتفاق النووي الإيراني.

اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي: مكاسب وتنازلات وتحديات لإيران

واعتبر زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية أنه يتعين "على تركيا أن تعدّل من سياستها الخارجية، بما يتناسب مع متطلبات توازن القوى الجديد الذي فرضه الاتفاق"، داعياً إلى فتح صفحة جديدة مع كل من العراق وسورية وإسرائيل وتحسين العلاقات مع إيران. جاءت هذه الدعوة في الوقت الذي استقبل فيه رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، نظيره الباكستاني نواز شريف في العاصمة أنقرة، حيث عبّر الطرفان عن إرادتهما بتقديم شتى أنواع الدعم للسعودية في عملية عاصفة الحزم.
لا يزال حزب الشعب الجمهوري عالقاً بفكرة معارضة سياسات حزب العدالة والتنمية، فأي شيء يقوم به الأخير هو أمر خاطئ لابد من معارضته، بدءاً من الاستفتاء الدستوري في تركيا 2010 الذي وسّع الحريات وقلّص سلطات العسكر وتلقّى دعماً كبيراً من الاتحاد الأوروبي، مروراً بعملية السلام التي تديرها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني (ومن ثم مساندتها على مضض) وانتهاء بمعارضة السياسات الخارجية التركية، عبر مساندة الحزب لكل من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الأسد على الرغم مما ارتكباه من فظاعات وجرائم.
ومن هنا، تتناسى دعوة كلجدار أوغلو الكثير من الحقائق، أولها أن السياسة الخارجية التركية تتميز بأنها تدير الملف السياسي بشكل منفصل عن الملف الاقتصادي، الأمر الذي كان واضحاً سواء في العلاقات مع بغداد أو طهران.

فعلى الرغم من الخلافات حول عدد من الأمور السياسية، احتفظت تركيا وإيران بعلاقات اقتصادية ممتازة، بل وتحولت البنوك التركية إلى نافذة قامت إيران من خلالها بالتهرب من العقوبات المفروضة عليها، ليقوم الطرفان بتوقيع اتفاقية اقتصادية شاملة في نهاية العام الماضي يأملان من خلالها رفع حجم التبادل التجاري من 20 إلى 30 مليار دولار. أي أن تركيا لم تخسر شيئاً على المستوى الاقتصادي، فحتى صادراتها نحو سورية ارتفعت بسبب توقف الصناعات السورية.
ثانياً، بحسب آخر استطلاع أجراه مركز بو الأميركي للأبحاث في أكتوبر/تشرين الأول 2014، فإن أكثر من 75 في المائة من الأتراك ينظرون بشكل سلبي لإيران ولا يحبّونها، وأكثر من 82 في المائة يكرهون إسرائيل، لتبدو هذه الدعوة غير ذكية قبل شهرين فقط على الانتخابات البرلمانية، وذلك في الوقت الذي تستضيف فيه تركيا أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري هربوا من النظام السوري المدعوم إيرانياً، وفي ظل أخبار جرائم الأسد التي تدخل كل منزل تركي.
ثالثاً، فإن التمدد الإيراني في الشرق الاوسط أصبح يشكل تهديداً كبيراً للمصالح التركية سواء في سورية أو في العراق، مما دفع تركيا إلى كسر قواعد عدم الاشتباك التي كانت متبعة في السياسة الخارجية، لكن بناءً على تشاور واتفاق وثيق مع كل من حلفائها الغربيين والولايات المتحدة الأميركية أشارت له المكالمة الهاتفية، الأسبوع الماضي، التي تناقش فيها كل من أردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما حول اليمن والدعم الغربي لـ"عاصفة الحزم"، فضلاً عن الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي فإن أي تغير إيجابي في العلاقة مع طهران لن يكون أيضاً من دون التشاور مع الحلفاء، في إطار اتفاق سياسي يضمن مصالح هذه القوى وحلفائها في المنطقة لا بد أن يتزامن مع الاتفاق النهائي مطلع يوليو/تموز المقبل.