ذكرى "ربيع الأمازيغ" الجزائري: ما له وما عليه

ذكرى "ربيع الأمازيغ" الجزائري: ما له وما عليه

24 ابريل 2015
مهّد الربيع الأمازيغي لحياة سياسية جديدة (سيلفان توماس/فرانس برس)
+ الخط -
أحيت مدن وبلدات منطقة القبائل في الأيام الماضية، ما يُعرف بـ"الربيع الأمازيغي" في الجزائر، الذي عُدّ أول انتفاضة سياسية للمطالبة بالاعتراف باللغة والهوية الأمازيغية في الجزائر بعد الاستقلال. وعلى الرغم من حصول اللغة الأمازيغية على اعتراف سياسي بعد عقود من النضال، إلا أنها ما زالت قيد مطالبات سياسية ومدنية، سعياً لمزيد من المكاسب.

في أبريل/نيسان 1980، كانت الجزائر تستعدّ للاحتفال بالذكرى الـ18 لاستقلالها، وكانت البلاد تتعافى من صدمة الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل هواري بومدين، عندما انفجرت أحداث عنيفة وعمّت تظاهرات حاشدة في منطقة القبائل، التي تسكنها غالبية من الأمازيغ في مدينة تيزي وزو، وامتدت إلى مدينتي بجاية والبويرة.

شكّلت هذه الانتفاضة، التي عُرفت بـ"الربيع الأمازيغي" مفاجأة للسلطة، التي كانت قد بدأت ترتب أوراقها أيضاً في العهد الجديد، بعد تسلّم الرئيس الشاذلي بن جديد الحكم، في نهاية العام 1979. وبرأي الباحثين في مسار الربيع الأمازيغي، فإن الانفتاح السياسي الذي باشره بن جديد، مقارنة مع القبضة الحديدة التي كان يحكم بها بومدين، سمحت للنشطاء والقياديين في الحركة الأمازيغية باستغلال منع السلطات الجزائرية لأحد كتّاب الأمازيغ، مولود معمري، من القاء محاضرة حول الشعر الأمازيغي في جامعة تيزي وزو، وتفجير الوضع وطرح القضية الأمازيغية للمرة الأولى في الشارع.

انتفض طلاب جامعة تيزي وزو، في البداية، قبل أن يلتحق بهم سكان المدينة والبلدات المجاورة. وتحوّلت الانتفاضة الطلابية إلى انتفاضة شعبية منظمة، رفعت مطلب الاعتراف باللغة والهوية الأمازيغية. لم تقف السلطة جانباً، ومع أنها فوجئت بالحراك الشعبي، إلا أنها أقدمت على قمع الحراك الشعبي الأمازيغي، واعتقلت عدداً كبيراً من الطلبة وكوادر الحركة الأمازيغية.

اقرأ أيضاً: حروب الذاكرة لا تنتهي في الجزائر

اعتقدت السلطة أن القمع يُمكن أن يُخمد نار الربيع الأمازيغي، غير أن الحركة الاحتجاجية امتدت إلى المدارس والادارات الحكومية والمصانع. وانضم عمال المصانع والقرويين إلى الحركة الاحتجاجية، وباتت المطالب تتخذ شكلاً ثقافياً متعلقاً بسكان المنطقة، الذين ظلّوا يعتقدون لفترة أن السلطة التي حكمت البلاد بعد الاستقلال، تجاوزت الحقيقة الثقافية للشخصية الجزائرية، وفرضت عليهم نمطاً ثقافياً محدداً.

لم يحقق الربيع الأمازيغي، أي من أهدافه السياسية والمطلبية الثقافية، إلا أنه كسر حاجز الخوف، بعد عقد ونصف من القبضة الحديدية التي حكم بها بومدين البلاد، خامداً فيها كل معارضة ضده. وأسس الحراك الأمازيغي للحراك السياسي والمدني والنقابي في الجزائر، تكرّس في الحركات النقابية في العام 1984، واحتجاجات العمال العام 1986، وصولاً إلى انتفاضة الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988، التي أنهت حكم الحزب الواحد وأدخلت البلاد في عهد التعددية السياسية، ودفعت السلطة والرئيس بن جديد إلى صياغة دستور جديد، أقرّ الحريات السياسية والمدنية وحق تأسيس النقابات والأحزاب والجمعيات المستقلة والصحف الخاصة.

وجد الحراك الأمازيغي في البيئة السياسية الجديدة، ما يعزز مطالبه وأدواته النضالية، وفي العام 1994 أعلن الأمازيغ ما يُعرف بـ"اضراب المحفظة"، وقاطعوا انتخابات الرئاسة في العام 1995. وحقق لهم الاضراب "حقّ تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس"، لكن المطالب المتصلة بالاعتراف الرسمي والدستوري باللغة الأمازيغية ظلت مهمّشة. ما دفع الأمازيغ إلى تنظيم أكبر مسيرة وأطولها من مدينة تيزي وزو إلى العاصمة الجزائرية في 14 يونيو/حزيران 2001، في مسيرة تلت أحداث ما يُعرف بـ"الربيع الأسود الدامي" الذي قُتل فيه 126 شخصاً.

ودفع "الربيع الأسود" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى اعلان الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، بعد تعديل الدستور بموافقة غرفتي البرلمان في العام 2002. وبدأ التلفزيون الجزائري الرسمي ببث نشرات اخبارية باللغة الأمازيغية، كما أطلقت الحكومة قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الأمازيغية، وتعويض أهالي ضحايا أحداث الربيع الأمازيغي. مع ذلك، يتهم الناشطون في الحركة الأمازيغية السلطات في الجزائر، بـ"التراجع خلال السنوات الأخيرة عن تكريس المطالب الهوية الأمازيغية". وكشف النائب السابق في البرلمان والناشط في الحركة الأمازيغية علي ابراهيمي، في دراسة أعدّها حول تدريس اللغة الأمازيغية، أن "هناك تراجعاً من قبل السلطات عن الوفاء بالتزاماتها تجاه اللغة الأمازيغية".

اقرأ أيضاً: الجزائر: حلم الديمقراطية ما زال بعيداً

دلالات

المساهمون