السودان: بدء مرحلة ما بعد الانتخابات

السودان: بدء مرحلة ما بعد الانتخابات

20 ابريل 2015
الحوار قبل أي خطوة (ابراهيم حميد/الأناضول)
+ الخط -
بدأت تتكشف ملامح النتائج الأولية للانتخابات العامة في السودان، ممهدة لفوزٍ متوقعٍ للرئيس السوداني عمر البشير، بولاية رئاسية خامسة، فضلاً عن فوز مرشحي حزبه "المؤتمر الوطني" بأغلبية المقاعد النيابية، وذلك بعد فرز حوالي 80 في المائة من صناديق الاقتراع.

ولم تُشكّل النتائج "مفاجأة" في الشارع السوداني، لا سيما في ظلّ غياب منافسين حقيقيين بعد مقاطعة أحزاب معارضة فاعلة، واقتصار المنافسة على الحزب الحاكم وحلفائه في الحكومة، وعددٍ من المستقلين غير المعروفين محلياً. وكان حزب "الأمة" المعارض، برئاسة الصادق المهدي، و"المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي، والحزب الشيوعي بقيادة مختار الخطيب، وحركة "الإصلاح الآن" بقيادة المنشق عن حزب "المؤتمر الوطني" حديثاً غازي صلاح الدين، من أبرز المقاطعين.

وتباينت الآراء حول نسب الإقبال، ووفقاً لبعثة الاتحاد الأفريقي برئاسة أولوسيجون أوباسانجو، فقد قدّرت نسب المشاركة في التصويت بين 30 و35 في المائة، فيما قدّرها المركز الأفريقي لدراسات حقوق الإنسان في السويد، والذي راقب العملية الانتخابية، بأقل من 30 في المائة.

وتوقّعت مفوضية الانتخابات في السودان أن تصل نسبة التصويت في الانتخابات، التي جرت في 13 أبريل/نيسان إلى 40 في المائة، مشيرة إلى أن "النسبة تجاوزت الـ36 في المائة، بينما لا تزال عملية الاقتراع مستمرة بدول المهجر، فضلاً عن عملية فرز الأصوات".

اقرأ أيضاً: طرائف الانتخابات في السودان: كفارة التزوير بإطعام المراقبين

وقال رئيس مفوضية الانتخابات مختار الأصم، إن "نسبة المقترعين بلغت 4.8 ملايين حتى مساء السبت، من أصل 13.8 مليون ناخب يحق لهم التصويت". وأشار إلى "عدم تأثر الانتخابات بالعمليات العسكرية المتفرقة، التي وقعت في ولاية جنوب كردفان، وشنّتها الحركة الشعبية قطاع الشمال".

وأوضح أن "نسبة التصويت هناك بلغت 46 في المائة، وقد أدلى 1.2 مليون ناخب بأصواتهم في اليوم الأول للعملية الانتخابية، وفي اليوم الثاني، بلغ عدد المصوّتين 1.5 مليون ناخب، ليتراجع في اليوم الثالث ويصل عدد المقترعين إلى 1.2 مليون، وفي اليوم الرابع والأخير اقترع 800 ألف ناخب".

ويرى القيادي في الحزب الحاكم محمد الحسن الأمين، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "نسبة التصويت تُعتبر طبيعية، وهي موجودة في كثير من دول العالم، كما أن كثيراً من تلك الدول لم تحصل عليها". وشدّد "لم يقاطع أحد، بل يُمكن القول إن من لم يقترع لم يرغب في المشاركة في العملية السياسية، وهذا ليس جديداً، بل يحصل في كل دول العالم".

يناقض محللون كثر وجهة نظر الأمين، ويرون أن "ما تمّ من مقاطعة، من شأنه أن يخلق تحديات داخل الحزب الحاكم، ويقود لتغيير كبير داخله، تحديداً بعد تواتر أنباء عن سقوط أحد قادة المكتب السياسي لحزب المؤتمر، بلال عثمان بلال نيابياً، أمام مرشح مستقلّ. الأمر الذي شكّل صدمة للحزب".

ويلفت المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "سيكون للانتخابات الحالية آثار كبيرة على الحزب الحاكم، وستحدث هزّة بداخله، ما سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في قيادته، وترتيب البيت الداخلي ككل".

ويرى أن "الحكومة في الخرطوم ستواجه تحديين في فترة ما بعد الانتخابات، أحدهما متعلق بالأزمة الاقتصادية، والآخر عسكري متصل بحملتها ضد الحركة الشعبية قطاع الشمال، التي تقود حرباً في جنوب كردفان والنيل الأزرق".

اقرأ أيضاً: خلاصة الانتخابات السودانية: الشارع محبط من النظام والمعارضة 

وأوضح أن "الحديث عن تحسّن العلاقات مع دول الخليج، بعد مشاركة الخرطوم الأخيرة في عاصفة الحزم لقتال الحوثيين في اليمن، لن يساهم في حلّ الأزمة الاقتصادية، المرجح أن تتفاقم وتؤدي لانفجار الأزمات من غلاء وارتفاع أسعار". وأضاف أنه "فيما يتصل بالتحدّي العسكري، فإن الحركة الشعبية ستحاول تطوير أدواتها وتحالفها، وستظلّ هاجساً للحكومة، كما أن تحالفاتها ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات". واعتبر أن "العودة للحوار بشكله السابق غير وارد، إلا إذا ظهرت مبادرة حوار جديدة"، مشيراً إلى أن "مرحلة ما بعد الانتخابات ستُحدث تغييرات كبيرة تطال المعارضة نفسها". وباكتمال عملية فرز الأصوات وإعلان فوز الحزب الحاكم، كنتيجة طبيعية، تكون البلاد قد بدأت تحدياً جديداً في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ويرى مراقبون أن "السودان بعد الانتخابات، لن يكون بأي حال هو نفسه قبلها"، في إشارة إلى توقعهم حدوث متغيّرات تطال الحزب الحاكم والمعارضة معاً. مع العلم أن الضغط الدولي بدأ يزداد على الحكومة والمعارضة، للعودة إلى الحوار وتحقيق تسوية سياسية شاملة، تولد بموجبها حكومة انتقالية، تشارك فيها كافة القوى السياسية، بما فيها المعارضة المسلّحة والسلمية، وتُعدّ لانتخابات جديدة.

في المقابل، يرى مراقبون أن "المرحلة المقبلة ستظهر معارضة جديدة وبأساليب جديدة من داخل الأحزاب المعارضة، تحديداً في الفئة الشبابية، وسينعكس ذلك على المشهد السياسي العام". وستواجه الحكومة تحديات تتصل باستباق الاتحاد الأوروبي وقوى غربية عدة نتائج الانتخابات، وإعلانهم عدم اعترافهم بها. وعلمت "العربي الجديد"، أن "بريطانيا تدرس إيقاف مساعدتها للسودان، وإعلان عقوبات اقتصادية أحادية، كما أن التحرّكات داخل الاتحاد الأوروبي تمضي قدماً لاستصدار قرارات أكثر تشدداً تجاه الخرطوم، وتصبّ هذه الخطوات في إطار الضغط على الحكومة فيما يتصل بالحوار".

من جهتها، تؤكد المعارضة السودانية ضرورة انتهاج خيارات جديدة لمواجهة فترة ما بعد الانتخابات، بابتكار أساليب جديدة، لا سيما أن أحلامها في قيادة حوار يفضي إلى تفكيك الحزب الحاكم، بدا مستحيلاً وفقاً لتجربة الحوار السابقة، ما دفعها إلى وضع خطط تصعيدية في المرحلة المقبلة.

ويقول المتحدث الرسمي باسم تحالف المعارضة علي يوسف لـ "العربي الجديد"، إن "المعارضة ستواصل حملة ارحل، التي أسسناها قبل بدء الانتخابات، بعد إخضاعها للتقييم، ومن ثم السير بها عبر العمل الجماهيري المتصاعد، وصولاً للانتفاضة الشعبية التي ظلّت هدفاً للتحالف من أجل إسقاط النظام".

ويؤكد رئيس حركة "الإصلاح الآن" غازي صلاح الدين، أن "خط الحكومة بات واضحاً في تكريسه لسياسة الأمر الواقع واللجوء للتحالفات الإقليمية، بدلاً من الحرص على الحلول الوطنية لحلّ مشاكل البلاد". وأضاف "وضع هذا حدّاً فاصلاً فيما يتعلق بالحوار الوطني، والوصول لصيغة حكم أكثر ازدهاراً". ولفت إلى أن "الفترة المقبلة تتطلّب من المعارضة توحيد خطابها السياسي"، مردفاً "لأنها تبدو منقسمة الآن، والمرحلة السياسية تفرض تحديات جديدة وأسئلة لا بدّ من الإجابة عنها، وأهمها تحديد ما إذا كان الحوار الوطني حقيقياً، وتتوجّب المشاركة فيه، وتحديد الموقف من الحوار ونتائج الانتخابات الحالية والتعامل معها".

وأبدى اعتقاده بأن "الحكومة لن تسهم في حلّ أية مشكلة بل ستسهم في تعقيدها". وأوضح أن "المعارضة مُطالبة بعدم انتظار الحكومة، والمبادرة بمشروع وطني يتوافق عليه الجميع، وتدفع به من خلال عمل سياسي شعبي". وشدد أن "ذلك يُعتبر الحلّ الوحيد لمعالجة أزمات البلاد".

أما "المؤتمر الشعبي" المعارض، بقيادة حسن الترابي، فيحصر خياراته في الدفع بعجلة الحوار، وصولاً إلى تشكيل الحكومة الانتقالية، والاتفاق مع بقية القوى المعارضة على عدم الاعتراف بالانتخابات الحالية. ويقول القيادي في "المؤتمر الشعبي" أبو بكر عبد الرازق، إن "الانتخابات المنتهية لا تعني لنا شيئاً، ونعتبرها ملهاة سياسية أُهدرت فيها الأموال والطاقات لنتيجة معروفة سلفاً". في إشارة لفوز الحزب الحاكم.

وتابع "ما يعنينا هو الحوار الشامل وفقاً للرؤية التي قدمناها للحكومة، والتي تصل إلى حدّ تشكيل الحكومة الانتقالية، وهذا ما سنعكف عليه بعد الانتخابات للوصول إلى النتائج النهائية". وأضاف أنه "إذا نجحنا فسنعلن النتيجة، وفي حال فشلنا فسيكون وقتها لكل حادث حديث.

أما "المؤتمر الوطني" الحاكم، فيؤكد أن "فترة ما بعد الانتخابات ستشهد انطلاقة قوية وفاعلة للحوار الوطني، فضلاً عن المضي قدماً في عملية الإصلاح، التي أعلنها قبل ما يزيد على العام، والتي بدأت بالإطاحة برؤوس النظام الحالي، وما يُطلق عليهم محلياً بصقور النظام، من بينهم النائب الأول لرئيس الجمهورية ومساعدا الرئيس السابقان علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، ولو بدا الأمر إعلامياً أنه تمّ بناء على رغباتهم".

اقرأ أيضاً: إغلاق مراكز الاقتراع في الانتخابات السودانية بعد إقبال ضعيف

المساهمون