الجولات المكوكية الخليجية: الإنذار الأخير لإيران

الجولات المكوكية الخليجية: الإنذار الأخير لإيران

13 ابريل 2015
زيارة الأمير محمد بن نايف لأنقرة (الأناضول)
+ الخط -

(مدارات خليجية)

في غضون أقل من أسبوع، جرت تحركات مكوكية بين الدوحة والرياض وأنقرة، وعلى أعلى المستويات. إذ حل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ضيفاً على الرياض، للاجتماع مع العاهل السعودي الملك سلمان، بعد أقل من يومين من وصول ولي ولي العهد ووزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف إلى أنقرة، في زيارة خاطفة، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي وقت تكتمت الأوساط السياسية في الدول الثلاث على طبيعة المشاورات، أكّد خبراء سياسيون أنّ هناك تحركاً ثلاثياً يهدف إلى بناء تحالف قوي يعكس التغييرات التي طرأت على الساحة الإقليمية، بناء على تطورات عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية.

اقرأ أيضاً: مشاورات سعوديّة قطريّة حول اليمن

وجرت زيارة الأمير محمد بن نايف إلى أنقرة، الأسبوع الماضي، قبل ساعات من زيارة الرئيس التركي إلى إيران، وهو ما أثار توقعات بأنها تحمل رسالة إلى إيران.

وكان مسؤولون قطريون قد أكّدوا أن هناك مباحثات تُجرى في عواصم عدة، بهدف التحضير لمؤتمر دولي حول اليمن، يسعى إلى إيجاد توافق بين الأطراف المتنازعة، ويحفظ حق الشرعية في قيادة البلاد. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، شافي الدامر، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن الزيارات السعودية القطرية المكثفة، في الفترة الأخيرة، تكشف أن "سوء التفاهم السابق بين السعودية وقطر تم حله".

ويضيف أن "العلاقات السعودية القطرية في أحسن أحوالها اليوم. والتعاون السعودي القطري في اليمن طبيعي وتحتمه المصالح المشتركة، خصوصاً أنه يأتي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. ولهذا نلحظ التنسيق الدائم والزيارات المتكرّرة بين القادة والمسؤولين في البلدين، مع تطورات المجهود الحربي المشترك بين دول الخليج في اليمن".

ويقول الدامر إن من الواضح أن هناك تشاوراً وتعاوناً سعودياً - تركياً في ما يخص الحرب على جماعة الحوثيين في اليمن. ويلحظ أن "زيارة الأمير محمد بن نايف لتركيا جاءت قبل زيارة الرئيس التركي لإيران بيوم واحد، وعلى الأرجح أنه تم التشاور والتنسيق خلالها حول المواقف المشتركة بين دول الخليج وتركيا حيال إيران. ومن الوارد أنه جرى إرسال رسائل إنذار خليجية، عبر أردوغان، إلى طهران".

وفي السياق نفسه، يعتقد رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية، ماجد التركي، أن الزيارات تحمل دلالات عدة، كونها تشكّل تحركاً إقليمياً خليجياً يواكب التحول في المنطقة، سواء التحول الذي بدأ قبل سنوات، والذي يرتبط بالموقف الأميركي حيال أهم ملفات المنطقة في سورية والعراق والملف النووي الإيراني، أو ما يتعلق بتطورات اليمن. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "هذه القضايا لا يمكن أن تُفصل عن بعضها البعض، لأن الأطراف المتداخلة فيها واحدة، وهذا يستلزم التنسيق الإقليمي الاستراتيجي".

ويشير إلى أن هناك توجّهاً لـ "تعميق العلاقة بين السعودية وقطر وتركيا، والعمل على تجاوز الخلافات التي طرأت على هذه العلاقة الثلاثية بسبب الملف المصري، خصوصاً أن موقف مصر متذبذب حول الملف السوري، بعدما أظهر النظام المصري تأييداً للنظام السوري".

 ويشدّد التركي على الحاجة إلى وجود "قوة فاعلة تدير الصراع في المنطقة، خصوصاً الملف اليمني". ويضيف أنّ "هذا يدفع الأطراف الأخرى المتردّدة، والتي لم تنتظم بعد في التحالف، إلى عدم اتخاذ مواقف سلبية".

التنسيق عالي المستوى بين الدول الثلاث لم يبدأ قبل أسبوع، إذ إنّ الرئيس التركي أجرى زيارة عاجلة إلى الرياض قبل نحو شهر، تلبية لدعوة الملك السعودي، وهي زيارة رأى مراقبون أنها تأتي في إطار المساعي السعودية لتشكيل جبهة ضدّ إيران والمتطرفين السنّة، في ظل التطورات المتسارعة التي لحقت بالملف اليمني وتمدّد الانقلاب الحوثي. وفي وقت سابق من زيارة أردوغان، حلّ الأمير محمد بن نايف ضيفاً على الدوحة، حيث التقى أمير قطر.

ويقول عضو مجلس الشورى السعودي، زهير الحارثي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الملف اليمني كان حاضراً بقوة في هذه الزيارات المتبادلة بين السعودية وتركيا وقطر. ويضيف: "هناك تقارب سعودي تركي ملحوظ، وهو لا يعني أن هناك تغييراً في السياسة السعودية بقدر ما هو تعزيز للتضامن العربي والإسلامي، لترسيخ الاستقرار في المنطقة. السعودية تفتح أبوابها للجميع. ويبدو أن سياسة الملك سلمان الجديدة تقوم على التواصل لمواجهة تحديات المنطقة، وهذه التحديات تستلزم أن تكون علاقة السعودية مع الجميع جيدة".

ويشدد الباحث في العلوم السياسية على أن السعودية، ومعها قطر وتركيا، مستاءة من السياسة الإيرانية، ويقول "هذا ليس بجديد، المطلوب أن تغيّر إيران سياستها، وأن تتوقف عن التدخل في شؤون الآخرين، هذه الرسالة معلنة من قبل السعودية ودول الخليج".
ويتفق الحارثي مع الدامر والتركي على أن هذه الزيارات مرتبطة بالحرب الدائرة في اليمن. ويضيف: "الأمر مرتبط بما يحدث في اليمن، وهذه الزيارات لتعزيز العلاقات لمواجهة الأحداث على أرض الواقع"، مشدّداً على أنّ "الملف اليمني أولوية للسعودية".

اليمن يُذيب الجليد

ومما لا شك فيه أن التطورات في اليمن، أذابت الجليد في العلاقات بين السعودية من جهة، وبين تركيا وقطر من جهة ثانية. ويرى المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، عبدالله الشمري، أنّ التنسيق الذي يحدث "أمر بالغ الأهمية". ويقول لـ "العربي الجديد": "حملت زيارة الأمير محمد بن نايف لأنقرة قيمة سياسية عالية، بسبب أهمية الزائر السياسية ولقائه بالرئيس التركي فقط. إضافة إلى التوقيت الذي سبق زيارة أردوغان لطهران بعشر ساعات فقط".

وبحسب دبلوماسيين أتراك، فإن الأمير محمد بن نايف يحظى بعلاقة خاصة مع أردوغان لأسباب عديدة، منها تميز شخصية الأمير بالتوازن في ما يتعلق بنظرته لتركيا وللحركات الإسلامية وتاريخ التنسيق السعودي التركي الأمني، والذي كان يتجاوز التنسيق السياسي في أحيان كثيرة. ويشير الشمري إلى أن الرياض تعي المآخذ التركية على السعودية، خصوصاً تحميلها مسؤولية إضعاف حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وهو ما عبّد الطريق أمام الحوثيين المدعومين من إيران للانقضاض على السلطة.

ويخلص الشمري إلى أن "الرياض واقعية في سقف توقعاتها من أنقرة، وتنتظر منها استمرار دعمها السياسي وتقديم ما ترغبه من دعم لوجستي".
وبخصوص العلاقات السعودية القطرية، يرى الشمري أنّه "من الواضح أن الدوحة بذلت جهوداً للتقارب، كان منها إصدار حزب "الإصلاح" في الثالث من أبريل/نيسان بياناً يتضمن تأييده لعملية "عاصفة الحزم"، ثم سفر الناشطة اليمنية توكل كرمان من تركيا إلى السعودية قبل أسبوع، ولقاؤها مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وبدء مشروع وساطة بين هادي وحزب "التجمع اليمني للإصلاح" قد يكون برعاية قطرية".

ويشدد المحلل السياسي على أنه من الواضح أن الرياض "لا تمانع من الاستفادة من علاقات الدوحة في اليمن قدر الإمكان، إيماناً منها بتكامل المسارات بين دول الخليج، وإن اختلفت بعض سياساتها التكتيكية".

ولعلّ هذا التقارب قد يحمل غصة لبعض الدول، ومنها مصر. غير أن المحلل السياسي، يوسف الرميح، يرى أن السعودية لن تنتظر موافقة أحد لتبني تحالفاتها الجديدة. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ التقارب السعودي التركي القطري، يصبّ في مصلحة هذه الدول. ويعتقد أن الأهم من هذه الزيارات المكوكية هو خلق جو استراتيجي، فالسعودية في زمن حرب، ومن المهم في هذا الوقت أن تكسب أكبر قدر ممكن من الأصدقاء، وأقل عدد ممكن من الأعداء. ويضيف: "ما يحصل حالياً هو محاولة لبناء تحالفات استراتيجية وتوازنات جديدة في المنطقة"، والزيارات الرفيعة تحمل رسائل للجميع، وليس لإيران فقط، مفادها "أننا لا نعمل وحدنا".