مصر: عودة دولة "أمن الدولة"

مصر: عودة دولة "أمن الدولة"

11 ابريل 2015
يقوم الجهاز باعتقال المعارضين بشكل دائم (الأناضول)
+ الخط -
يرى كثيرون في مصر أن تولّي اللواء مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية في مصر، خلفاً لمحمد ابراهيم، يُترجم إعادة الاعتبار الرسمية لجهاز الأمن الوطني، الذي يعتبره طيف واسع من المصريين مسؤولاً مباشراً عن عدد هائل من التجاوزات والجرائم. وكان الجهاز قد حلّ منذ العام 2011 مكان جهاز أمن الدولة، عقب ثورة يناير، وهو مرتبط في وجدان المصريين بالانتهاكات والتعذيب والقتل، التي شكّلت سبباً مباشراً من أسباب الثورة. وقد استعاد الجهاز، منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، نشاطه ضد معارضي النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي.

ولا يُمكن إغفال دور الجهاز في عمليات الاعتقالات لقيادات المعارضة، وتحديداً من التيار الإسلامي، بالإضافة إلى آلاف الشباب الذين تعجّ بهم المعتقلات. وامتدت انتهاكات الجهاز لتشمل الصحافيين أيضاً، وقد ألقى الجهاز القبض على صحافي مصري، جرى التحقيق معه وأُحيل للنيابة التي أفرجت عنه بدورها، ليعاود الجهاز اعتقاله مرة أخرى.

ولا يُعدّ الجهاز الذي أُسس بقرار من وزير الداخلية حينها اللواء منصور العيسوي، جهة تنفيذية أو جهة ضبط أو تحقيق، بل يقتصر عمله فقط على جمع المعلومات وتقديمها عند الحاجة. بيد أن نظام عمل الجهاز وآلياته وتنظيم العمل الداخلي، لا يزال سرياً لا أحد يعلمه حتى الآن. ويستخدم النظام الحالي جهاز الأمن الوطني، للقضاء على المعارضين والزجّ بهم في السجون، وتحديداً من جماعة "الإخوان المسلمين" والتيار الإسلامي.
وكان الوزير إبراهيم أعاد ترتيب الأوضاع الداخلية للجهاز في أعقاب الإطاحة بمرسي، وأعاد تحديداً قسم "النشاط الديني"، الذي كان في جهاز أمن الدولة قبل حلّه.

وبالتالي أعاد ابراهيم الضباط الذين تركوا الخدمة، أو من تمّ نقلهم إلى ادارات أخرى في الوزارة، ممن كان لديهم تعليقات ورفض على أدائهم من حيث التعذيب والانتهاكات. وبمجرّد تولي الوزير الحالي عبد الغفار مهامه، سارع إلى تنفيذ حركة مناقلات كبيرة في قيادات الوزارة، من بينها جهاز الأمن الوطني، الذي تولّى اللواء صلاح حجازي رئاسته.

اقرأ أيضاً: سجون "جهنم" في مصر

وفي أعقاب الثورة، عمل عبد الغفار رئيساً لقطاع الأمن الوطني في عام 2011، خلفاً للواء حامد عبد الله، بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد، كما شغل منصب نائب رئيس جهاز الأمن الوطني قبل تولّيه الرئاسة. واستغنى عبد الغفار، عند تولّيه رئاسة الجهاز في 2011، عن إدارات التحقيق والاستجوابات من جهاز الأمن الوطني الجديد، واصفاً إياه بأنه "الابن الشرعي لثورة 25 يناير".

وشدد على أن "الجهاز خاص بحماية المواطن وليس لحماية النظام ولن يكون أبداً مثل أمن الدولة سابقاً"، مشيراً إلى أنه "يتلقى شكاوى المواطنين على مدار 24 ساعة". ولفت إلى أنه "تمّ الانتهاء من إعداد مشروع قانون يضمن الرقابة القضائية على أدائه".

من جهته، قال العميد السابق بجهاز أمن الدولة، حسين حمودة، إن "جهاز أمن الدولة سابقاً كانت لديه مخالفات كبيرة بحق المواطنين والمعارضين". وأضاف حمودة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ممارسات أمن الدولة في عهد مبارك معروفة، ولا تحتاج إلى حديث مطول حولها"، متابعاً أن "الجهاز تعرّض لصدمة جراء ثورة 25 يناير، وتم وقف انتهاكاته". وأشار إلى أن "جهاز الأمن الوطني يُعتبر جهاز جمع معلومات فقط، لا جهة ضبط متهمين أو تحقيق، أو جهاز المعاملة السيئة والتعذيب".

وحول الفارق بين فترة مرسي ومنصور والسيسي، قال: "خلال فترة مرسي تم تسريح كل الضباط وهو خطأ، أما في فترة منصور فقد بدأ الجهاز يعود بقوة لأفعاله التي كانت أحد أسباب ثورة يناير، ووصلت ذروتها في ظل النظام الحالي".

وحول تولي قيادي سابق بجهاز أمن الدولة (عبد الغفار) وزارة الداخلية اليوم، يرى حمودة أن "الأمر في غاية السوء، نظراً لأنه من المعروف أنه حين تولّى وزير الداخلية من داخل جهاز الأمن الوطني، فإنه صبغ الوزارة كلها بصبغته". ولفت إلى أنه "حين تولّي حبيب العادلي وزارة الداخلية في فترة مبارك، كانت الوزارة كلها تعمل بنفس أسلوب أمن الدولة، خصوصاً زوّار الفجر (المداهمات والاعتقالات التي كانت تحصل فجراً)، ولم تكن إدارة تنفيذ الأحكام تذهب للقبض على متهم أو مطلوب إلا فجراً، مثلما كان يفعل ضباط أمن الدولة".

وأوضح أن "الجهاز الآن عاد إلى نفس ممارسات وانتهاكات فترة مبارك، فضلاً عن التنكيل بكل معارض للنظام الحالي". وأردف العميد السابق أن "الجهاز حصد عداوة كل الأطراف داخل الدولة في فترة مبارك، وكان ولاؤه الأول للعادلي وأسرة مبارك، وكان أحد أذرعة نظام التوريث بشكل أساسي".

ولما كان للجهاز صلاحيات واسعة، فإنه كان مثار سخط وغضب من قيادات الجيش في تلك الفترة وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق محمد طنطاوي، ورئيس الاستخبارات حينها عمر سليمان، بحسب حمودة. وشدد على أن "تلك الخلافات كانت سبباً في ترك القوات المسلحة للمتظاهرين يقتحمون مقرات أمن الدولة، وإحراق ما فيه والتحفظ على باقي الأوراق"، لافتاً إلى أنه "لا يصح للجيش أن يعرف أسرار الجهاز والمعلومات التي كانت بداخله".

وبحسب حمودة، فإنه "حتى الآن هناك رفض ربما من السيسي للجهاز وسياسات الوزارة في فترة محمد إبراهيم، وبالتالي لجأ إلى تعيين وزير جديد". وأكد أن "إبراهيم هو من أعاد الجهاز لسابق عهده عبر الانتهاكات والتعذيب، وإعادة الضباط الذين تقاعدوا، فضلاً عن أولئك الذين تم استبعادهم، بناءً على تقارير تفيد تعاملهم العنيف وارتكاب انتهاكات".

من جانبه، قال العميد السابق، محمود قطري، إن "جهاز الأمن الوطني الحالي وفقاً لتعديل نظامه، الذي يظل سريّاً على الجميع، ومجرّد هيئة جمع معلومات وهيئة استشارية فقط". وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "جهاز الأمن الوطني الآن بات أسوأ مما كان عليه الوضع في عهد مبارك، فنفس الممارسات التي كانت تحدث، تجددت الآن". وتابع "لا يُمكن أن تنهض دولة بقتل وتعذيب أبنائها، في مخالفة واضحة للقانون، خصوصاً أن الجهاز ليس إلا جهة جمع معلومات فقط". ولفت إلى أن "الظرف الحالي الذي تمر به مصر صعب صحيح، ولكن ليس إلى الحدّ الذي يُنتهك فيه القانون بهذه الصورة"، محذّراً من "ثورة جديدة حال استمرار سياسات الجهاز".

من جانبه، قال محامٍ في قضايا الاعتقالات إن "الأحكام تصدر من المحاكم بمحضر تحريات الأمن الوطني من دون أدلة أو شهود أو أي شيء". وأضاف المحامي، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الأمن الوطني يتحكم في مجريات الأمور داخل النيابات والمحاكم، وهو أمر أكثر سوءاً مما كانت عليه الأوضاع في عهد مبارك". وتابع "كيف يتم السكوت عن اقتحام ضباط الأمن الوطني لمنزل أحد المطلوبين واقتياده إلى مكان غير معلوم والتحقيق معه وهو مقيد ومعصوب العينين؟". وشدد على أن "عمل جهاز الأمن الوطني مخالف للقانون تماماً، فأغلب من يتم القبض عليهم من منازلهم فجراً لا يوجد إذن من النيابة بالقبض عليهم، ومع ذلك النيابة تتعاطى مع الأمر". ولفت إلى أن "هذا الجهاز يتعامل بالشبهة مع المتهمين"، مشيراً إلى أن "أغلب المعتقلين، اعتُقلوا لخلافات شخصية مع جاسوس ما أو مخبر الداخلية".

اقرأ أيضاً: أسبوع دامٍ لسجناء مصر

المساهمون