سورية: انتصارات المعارضة تحاصر النظام

سورية: انتصارات المعارضة تحاصر النظام

28 مارس 2015
قرابة 7 آلاف مقاتل يشاركون في معركة إدلب(فراس تقي/الأناضول)
+ الخط -
شهدت الأيام الماضية تعزيز المعارضة السورية من تحركاتها الميدانية على أربع جبهات أساسية في إدلب، بصرى الشام، داريا وأخيراً القلمون، محققة تقدماً ميدانياً بشكل متلاحق ضد النظام السوري والمليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانبه، في تطورات لا تبدو بعيدة عن التغييرات التي يشهدها الوضع الإقليمي والذي من المرجح أن لا يكون المشهد السوري بعيداً عن تداعياته.


استراتيجية معركة إدلب

قبل أيام أعلنت مجموعة من الفصائل العسكرية المعارضة في ريف إدلب، في مقدمتها جبهة النصرة وأحرار الشام، عن تشكيل "جيش الفتح"، بغرفة عمليات مشتركة وجيش قوامه 7 آلاف مقاتل هدفه تحرير مدينة إدلب. ومنذ انطلاق المعركة، تواصل فصائل المعارضة في المحافظة تقدمها باتجاه قلب مدينة إدلب، فيما لا يزال الحدث الأبرز سيطرة الفصائل على فرع المخابرات الجوية جنوب شرق المدينة يوم الجمعة، بالإضافة إلى سيطرتها على كل من حاجز بنش، المتمركز على مدخل إدلب الشرقي من طرف طريق إدلب حلب القديم، وحاجز صباح قطيع الذي يقع على مدخل إدلب الشمالي، على الطريق الوحيد الذي يصل بلدتي الفوعة وكفريا بمدينة إدلب. ومكنت السيطرة على هذين الحاجزين فصائل المعارضة من إطباق حصارها على بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين وفصلهما عن مدينة إدلب، الأمر الذي يسهل اقتحامهما والسيطرة عليهما من قبل فصائل المعارضة.

اقرأ أيضاً: معركة إدلب: المعارضة تفصل بين مناطق النظام وتستهدف حواجزه

وأكد الناشط مراد الإدلبي، لـ"العربي الجديد"، أن المعارضة تمكنت من السيطرة على حاجز "صباح قطيع" الذي يقع في مدخل مدينة إدلب الشمالي، ويحمي الطريق الواصل بين مدينة إدلب وبلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام شمال المدينة، واللتين أصبحتا الآن تحت حصار كامل من قبل المعارضة. وكانت قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها قد حولت البلدتين إلى ثكنتين عسكريتين ضخمتين.

وأوضح الإدلبي أن المعارضة سيطرت أيضاً على حاجز "بنّش" والذي كان يعتبر أكبر حواجز النظام في مدخل مدينة إدلب الشمالي الشرقي ليفصل بين مناطق سيطرة المعارضة في ريف إدلب وبين مناطق سيطرة النظام في مدينة إدلب خلال العامين الماضيين. وجاءت سيطرة المعارضة على هذا الحاجز لتفتح الطريق لتقدمها نحو الأحياء الشمالية والشرقية داخل مدينة إدلب.
في سياق متصل، واصلت المعارضة تقدمها على جبهات القتال في أحياء مدينة إدلب الشرقية، إذ مشطت المنطقة الصناعية وتمكنت من السيطرة على ثكنة الكازية العسكرية وعلى منطقة المساكن المواجهة مباشرة لدوار "المحراب" لتصبح قوات النظام المتمركزة في الدوار في مرمى نيرانها.

ورد النظام على تقدم المعارضة باستهداف معظم البلدات والمدن المحيطة بمدينة إدلب، وبشكل خاص مدن بنش وسرمين وتفتناز، وبعض بلدات جبل الزاوية التي تتواجد فيها مقرات لفصائل المعارضة المشاركة في المعركة. وألقى النظام براميل محملة بالكلور على كل من بنش وسرمين وقميناس، ولأكثر من مرة، تسببت بإصابة العشرات بحالات اختناق.
ويشير التقدم السريع الذي أحرزته فصائل المعارضة المسلحة في محافظة إدلب منذ اليوم الأول لإعلان معركة السيطرة على المدينة، إلى أن هناك تحضيرات منها حشد كبير لقوى المعارضة قد سبق إعلان المعركة، يختلف كلياً عن كل المحاولات السابقة. كما يعكس رد فعل النظام على هذا الهجوم إدراكه بأنه حيال هجوم لا طاقة له على صده سوى باستخدام سلاح الجو والأسلحة المحرمة دولياً على مواقع المعارضة وحواضنها الشعبية. وفي الوقت نفسه يبدو أن الانسحاب من المدينة يقع ضمن حسابات النظام الذي بدأ فعلياً بنقل الكثير من مؤسسات المحافظة إلى مدينة جسر الشغور.

ويبدو أن فصائل المعارضة التي أطبقت حصارها على المدينة بعد أن كسرت معظم خطوط دفاع النظام الأمامية بزمن قياسي، قادرة على التقدم نحو المدينة، إلا أن هناك لها حسابات، منها ما يتعلق برهانها على تسليم المدينة بأقل قدر من الخسائر ومنها ما يتعلق برهانها على حصول انشقاقات داخل صفوف النظام تكسبها المزيد من العتاد. كما تعتمد المعارضة على استراتيجية في اقتحامها تقوم على الحفاظ على المدنيين وتجنب وقوع ضحايا منهم.
وفي السياق، أكد مصدر عسكري مسؤول في جبهة النصرة، فضل عدم الإفصاح عن اسمه، لـ"العربي الجديد" أن مجموع المقاتلين المشاركين في القتال بقيادة غرفة عمليات "جيش الفتح" التي تقود المعارك في إدلب يبلغ نحو سبعة آلاف مقاتل بينهم نحو ثلاثة آلاف مقاتل من جبهة النصرة وحدها، مبيناً أن "جيش الفتح" قادر متى شاء على الدخول إلى مدينة إدلب وأن تأخره في دخولها إنما بسبب خوفه على المدنيين داخل المدينة. وأضاف "لذلك فهو يتبع استراتيجية تقلل قدر الإمكان إلحاق الضرر بالمدنيين، وهذه الاستراتيجية تقوم على حصار قوات النظام من جميع الجهات وترك ثغرة لهم للهرب باتجاه جسر الشغور، أو الانشقاق عن قوات النظام، وذلك لأن الحصار من جميع الجهات يجعلهم أكثر شراسة ويطيل أمد المعركة وبالوقت نفسه يعرض المدنيين لعمليات انتقامية".
وأوضح المصدر أنه في حال لم تنجح هذه الطريقة فستلجأ قوات جيش الفتح إلى من سماهم "الانغماسيين والاستشهاديين"، مضيفاً "لدينا نحو 500 انغماسي ستكون مهمتهم فتح ثغرات داخل صفوف قوات النظام والشبيحة، ضمن ما يشبه حرب الشوارع، بحيث نستطيع الدخول بسلاحنا الثقيل من دون الحاجة للرمي عن بعد وإصابة أهداف مدنية، أما الاستشهاديون فلدينا نحو مئة عنصر منهم نفذ خمسة فقط منهم عمليات حتى الآن". ولفت إلى أن هذه العمليات "ستبتعد عن استخدام المفخخات وستقتصر على الأحزمة الناسفة لتقليل الأضرار المادية قدر المستطاع، وتوجيهها باتجاه العناصر المعادية فقط".
وبيّن المصدر العسكري أن "جيش الفتح" يمتلك أسلحة ثقيلة بكل أنواعها من دبابات ومدافع جهنم المحلية الصنع، وصواريخ غراد، بالإضافة مدافع الهاون التي أشار إلى أنهم يمتلكون 70 ألفاً من قذائفها.

جبهات مفتوحة

لكن المعركة في إدلب، على أهميتها، ليست الوحيدة، إذ ما أن تم الإعلان عنها حتى انطلقت معركة لا تقل أهمية في الجنوب السوري استهدفت مدينة بصرى الشام في محافظة درعا. وأعلنت المعارضة عن تحرير تلك المدينة التي حُيدت فترة طويلة عن المعارك وكانت بمثابة خزان بشري لانطلاق المليشيات الإيرانية إلى مدن وقرى محافظة درعا.

ولم تمض 48 ساعة على معارك الجنوب والشمال حتى عادت داريا المحاصرة إلى واجهة الحدث لتنقض مجموعة من الفصائل المقاتلة فيها على عناصر حزب الله اللبناني ومليشيات إيرانية يسيطرون على مقام السيدة سكينة وتعلن تحريره في خطوة مثيرة للجدل من ناحية التوقيت، ليقابلها تحرك عسكري من جهة القلمون تمكّنت من خلاله فصائل المعارضة المسلّحة في ساعات مبكرة من صباح يوم الخميس الماضي، من السيطرة على نقاط عدّة لقوات النظام وقوات "حزب الله" اللبناني الداعمة لها، في الجبل الشرقي لمدينة الزبداني، الواقعة ضمن سلسلة جبال القلمون، في ريف دمشق الغربي. تلك الجبهة التي قليلاً ما تفتح، كما تعتبر خزاناً لحزب الله باعتبارها منطقة حدودية مع الأراضي اللبنانية، ليأتي فتح المعركة كخطوة استباقية ضد قوات النظام وحزب الله التي تنوي بحسب التسريبات إطلاق معركة "الربيع" للسيطرة على القلمون وتأمين المنطقة الحدودية مع لبنان.
من خلال هذا التزامن في فتح المعارك على تلك الجبهات الأربع لا يمكن القول إنه لا يوجد تنسيق بين فصائل المعارضة على مختلف الجبهات في سورية، وخصوصاً أن أغلب الفصائل التي تقود تلك الجبهات إسلامية. لكن اللافت في معارك تلك الجبهات هو التركيز على استهداف المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني فضلاً عن قوات حزب الله اللبناني، في كل من درعا والقلمون وداريا، بشكل أشبه بإطلاق عاصفة في سورية لا تقل أهمية عن مثيلتها التي أعلنت عنها السعودية في اليمن تحت مسمى "عاصفة الحزم".
وكان إطلاق "عاصفة الحزم" الذي لاقى تأييداً دولياً بالإجمال، لا سيما من واشنطن، قد طرح تساؤلات عدة عن طبيعة هذه العملية ومداها، لا سيما أنّ إيران وصفت العملية بـ"الاعتداءات"، وحذّرت السعودية من أنّها ستكون طرفاً متضرراً من هذه الحرب مستقبلاً".

تطورات إقليمية
كما أن تقدم المعارضة السورية يأتي في ظل تطورات على صعيد العلاقات بين الدول الإقليمية وتحديداً بين تركيا والسعودية. فقد أعلنت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى السعودية/ خلال الشهر الماضي، عهداً جديداً في العلاقات التركية السعودية وتقارباً مهماً بعد القطيعة السياسية التي عاشها الطرفان خلال الفترة الماضية، ليبدأ هذا التقارب بفتح الأبواب على احتمالات واسعة بخصوص القضايا العالقة في المنطقة وفي مقدمتها الثورة السورية والملف اليمني.
كما ترافقت هذه التطورات مع اجتماع رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو بوفد واسع من المعارضة السورية في أنقرة بتاريخ 13 مارس/ آذار الحالي، على الرغم من أنه لم يكن هناك أي مبرر بروتوكولي أو مناسبة سياسية لجمع الائتلاف بكل أعضائه والحكومة المؤقتة بوزرائها في أنقرة، وإنما كان الأمر بمثابة رسالة علنية من تركيا بزوال وتجاوز الخلافات العالقة بين جهات من المعارضة.
لكن اللافت في الاجتماع يومها، ما أطلقه داود أوغلو من تصريحات أكد فيها أن "بلاده لن تقف عاجزة أمام الهجمات الشرسة التي تشنها قوات النظام السوري مصحوبة بمليشيات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، في كل من حلب ودرعا وريف اللاذقية"، لافتاً إلى أن "تركيا لاتزال تتبنى فرض منطقة آمنة في شمال سورية، وهناك جلسات تباحث طويلة ومستمرة مع الجانب الأميركي للوصول إلى خطة قابلة للتطبيق".
ولم يمض أسبوع واحد على تصريح داود أوغلو الناري، حتى أعلنت الحكومة التركية إغلاق حدودها مع سورية في خطوة غير واضحة. وحددت تركيا أن إغلاق الحدود لحين فترة انتهاء الانتخابات النيابية، إلا أن الانتخابات لا تبدو مبرراً كافياً لإغلاق كل المعابر، إذ شهدت تركيا خلال الثورة السورية انتخابات رئاسية وأخرى للبلديات التي لا تقل أهمية، ولم تغلق خلالها المعابر بين البلدين. ولعل ما تبع كلمات داود أوغلو من تحركات ميدانية وعسكرية على الأراضي السورية واندلاع معارك الجبهات الأربع قد يكون بداية تفسير لتلك التصريحات.

اقرأ أيضاً: محاصرو سورية ثلاثة أضعاف التقديرات الأممية

المساهمون