"النهضة" ومواجهة الجماعات الجهادية: سحب الشرعية لعزلها

"النهضة" ومواجهة الجماعات الجهادية: سحب الشرعية لعزلها

21 مارس 2015
"النهضة" انخرطت في الحرب ضد الجماعات الجهادية (فرانس برس)
+ الخط -

شكّل الهجوم الإرهابي على متحف باردو في العاصمة التونسية، تحدّياً كبيراً أمام حركة "النهضة"، لتعلن موقفها من الجماعات السلفية الجهادية، وكان رد رئيس الحركة راشد الغنوشي واضحاً، إذ قال في مؤتمره الصحفي مساء الأربعاء، إثر انتهاء العملية في باردو، "أنتم متوحشون، وإرهابكم سيداس بأقدام الشعب التونسي، ونحن نقول لكم: لن تكسروا شوكتنا ولن تنتصروا على وحدتنا".

وعلى الرغم من أن بعض الأطراف السياسية لا تزال تشكك في نوايا الرجل وحركته، فإن ما جاء على لسانه كان واضحاً وحازماً وصادقاً. وهو ما يبرر طرح السؤال التالي: ما الذي يمكن أن تقوم به حركة "النهضة"، باعتبارها حركة إسلامية في هذه الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، ضد التنظيمات الإرهابية التي تستند إلى رؤية أيديولوجية تعتمد على قراءة خاصة للنصوص التأسيسية للإسلام؟

وصف الغنوشي هذه الجماعات بما في ذلك "أنصار الشريعة" و"القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلى جانب "كتيبة عقبة ابن نافع"، بأنها نتاج "عقل مريض" و"انتساب زائف للدين"، واعتبرها "في حالة قتال مع شعب مسلم". وتدل هذه العبارات على أن الغنوشي حريص في هذه المرحلة، على سحب كل نوع من أنواع الشرعية عن هذه التنظيمات، بما في ذلك الشرعية الدينية أو الشرعية النضالية.

تضررت حركة "النهضة" كثيراً من أعمال هذه الجماعات، فعندما كان ما يُسمى بالتيار الجهادي في تونس يستعد لهيكلة أنصاره، ويعمل على توسيع قاعدته بعد مغادرة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي السلطة، وعلى إثر تمتع رموز هذا التيار بالعفو التشريعي العام الذي شمل جميع المساجين، بمن فيهم الذين تورطوا في قضايا بتهمة الإرهاب، جاء موقف حركة "النهضة" مائعاً، في سياق محاولة استدراج هذا التيار ومحاولة إقناعه بأن الوضع العام قد تغيّر في تونس، والاستفادة من قدراته التعبوية لصالح "مشروع سياسي يديره الإسلاميون من أجل الوصول إلى الحكم". ولكن بدا واضحاً أن قيادة هذا التيار لها أجندة مختلفة عن تلك التي تحملها "النهضة"، وأن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالدستور، وأن مشروعهم يتجاوز دائرة الدولة الوطنية، وارتباطاتهم وولاءاتهم تجعلهم جزءاً من آلة متشابكة تتجاوز الحدود، ولا تعترف بمفاهيم ما يسمى بحركات "الإسلام الوسطي".

اقرأ أيضاً: التونسيون في عيدهم الوطني: لن نخاف

في البداية، رفع زعيم "أنصار الشريعة" أبو عياض، شعاراً اعتبره أتباعه "اجتهاداً في العمل الإسلامي"، وصاغه بالطريقة التالية: "تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد". حصل ذلك عندما بدأت الأجهزة الأمنية تكتشف عمليات تهريب أسلحة والتدرب عليها. ولم تكن مرحلة الترويكا حازمة في مواجهة هذا التنظيم المزدوج الذي يجمع بين الخطاب الوعظي وتأسيس جهاز سري ومسلح. لكن عندما تكررت المواجهات المسلّحة، ومارست المعارضة دورها الاحتجاجي، قرر رئيس الحكومة حينها علي العريض، اتخاذ موقف جريء وهام عندما أدرج تنظيم "أنصار الشريعة" ضمن قائمة الحركات الإرهابية. عندها بدأ موقف "النهضة" يتجه نحو القطيعة الكاملة مع هذه التنظيمات الراديكالية، والدخول معها في حرب استنزاف مفتوحة.

وسبق للغنوشي أن اعتبر في سياق الدفاع عن حركته، أن "النهضة" هي أكبر متضرر من "التيار السلفي الجهادي" الذي استُعمل ضدها، من أجل إحراجها والتشكيك في كونها متناقضة معه دينياً وسياسياً.

اليوم، وأمام اتساع رقعة الحرب المفتوحة بين هذه الجماعات والدولة التونسية، صعّد الغنوشي في نقده الجذري لهذه الظاهرة، بعدما كان هاجم بقوة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري واتهمه بالعمل على تهديد الإسلام. وها هو بعد هجوم باردو، يتهم "أنصار الشريعة" و"داعش" بالسعي إلى إجهاض الانتقال الديمقراطي في تونس، قائلاً إن هؤلاء "يستهدفون الآن أيقونة الربيع العربي تونس، ويريدون تدمير انتقالها الديمقراطي"، معتبراً أن عملية المتحف دليل ضعف، وأنها في الحقيقة ليست سوى "رقصة الديك المذبوح".

ويُعتبر انخراط "النهضة" في المعركة ضد هذه الجماعات، عاملاً هاماً في اتجاه عزل التنظيمات الإرهابية داخل تونس. وحذر الغنوشي من توظيف الهجوم على المتحف سياسياً لاستهداف حركته، داعياً إلى "اعتبار ما حدث يوماً فاصلاً، حرصاً على حماية الوحدة الوطنية".

التحدي المطروح على حركة "النهضة" في السياق الراهن، هو وضع رؤية عملية للانخراط في هذه الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، ودعم الحكم والالتفاف حول الدولة، وهو ما أكده الغنوشي في أكثر من مناسبة، باعتبار أن "النهضة" جزء لا يتجزأ من الائتلاف الحاكم.

كما أن دعوتها إلى تنظيم حوار وطني ضد الإرهاب خطوة عملية ضرورية، لكن هناك مجالات أخرى تتعلق بأهمية المواجهة الثقافية والدينية ضد الغلو الديني ورموزه، وهذا يُعتبر من ضمن خصوصيات الحركات الإسلامية التي تنتمي إليها "النهضة". فهل يمكن أن تقوم الحركة بإعلان التعبئة العامة لأنصارها، من أجل مواجهة ما أصبحت تعتبره "سرطاناً" حسبما جاء على لسان الغنوشي، وذلك قبل فوات الأوان؟

المساهمون