معارضة السودان إلى مصر: تأجيج أزمة القاهرة والخرطوم

معارضة السودان إلى مصر: تأجيج أزمة القاهرة والخرطوم

20 مارس 2015
المهدي لجأ إلى مصر بعد إطلاق سراحه (فرانس برس)
+ الخط -
في تطور جديد ينذر بتأثيرات سلبية على العلاقة بين السودان ومصر، افتتحت قوى تحالف المعارضة السودانية مكتباً في القاهرة لإدارة نشاطاتها السياسية هناك، وانتخبت لجنة تنفيذية لتسيير أعماله، ليكون بذلك المكتب الثاني الذي افتتحه التحالف خارج البلاد، بعدما سبقه مكتب في الولايات المتحدة الأميركية.

وتُعدّ هذه الخطوة نوعية لتحالف المعارضة الذي يضم في عضويته 21 حزباً، بينها الحزب "الشيوعي"، وحزب "البعث العربي الاشتراكي"، وحزب "المؤتمر السوداني"، إذ إنها المرة الأولى التي يفتتح فيها مكتباً له في دولة عربية منذ تكوينه في عام 2008.

لكن القيادي الناصري في تحالف المعارضة، ساطع الحاج، ينفي لـ"العربي الجديد" أي صلة تنظيمية لمكتب القاهرة بتحالف الداخل، لكنه يقرّ بأن المكتب شُكّل من أحزاب التحالف في مصر.

ويوضح أن "أحزاب التحالف الموجودة في مصر قررت أن تُشكّل مكتباً في القاهرة، وهذا اجتهاد منهم، ولا علاقة عضوية أو تنظيمية لنا بهم، ونحن غير مسؤولين عنهم، فلسنا منظمة لنفتح مكاتب خارجية".

وتحتضن القاهرة حالياً زعيم حزب "الأمة" المعارض، الصادق المهدي، الذي اختار مصر كمنفى اختياري منذ خروجه من البلاد قبل ثمانية أشهر. ولعبت مصر دوراً محورياً في تغذية المعارضة السودانية، إذ احتضنت جزءاً كبيراً من المعارضين، كما وُقّع في القاهرة في 2005 اتفاق المصالحة بين النظام الحالي في الخرطوم والمعارضة السودانية المنضوية تحت "التجمع الوطني المعارض".

ويرى مراقبون أن خطوة افتتاح المكتب من شأنها أن تؤثر سلباً على علاقة السودان ومصر، والتي شهدت تحسناً نسبياً خلال الفترة الفائتة، بالاستناد إلى الدور القديم الذي لعبته مصر في استخدام المعارضة كورقة ضغط على الخرطوم، لا سيما أن هناك ملفات مفتوحة بين البلدين، كقضية سد النهضة والأزمة الليبية، فضلاً عن قضية "الإخوان المسلمين" في مصر، واتهامات القاهرة غير الرسمية للخرطوم باحتضان بعضهم، على الرغم من نفي الأخيرة، فضلاً عن عدم رضا السودان عن احتضان مصر للصادق المهدي.

ويقول الخبير في الملف المصري السوداني، عبدالمنعم أبوإدريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الإعلان عن افتتاح مكتب للمعارضة في القاهرة سيؤثر قطعاً في علاقة الدولتين، لا سيما أن عدداً من المسؤولين السودانيين كثيراً ما تحدثوا عن ضرورة امتناع الطرفين عن استضافة المعارضة في البلدين.

ويوضح "أن الخطوة تُمثّل مؤشراً إلى بعض الخلافات المكتومة بين الدولتين، وإن كان الظاهر على السطح أن العلاقات جيدة"، مشدداً على أن "الخطوة سيكون لها أثر سلبي، وإن أصبح المكتب صورياً".

اقرأ أيضاً: حلفاء مصر يسعون لضم السودان إلى معركتهم مع "داعش"

وتُعدّ الخطوة استباقية من قبل المعارضة التي عادة ما تشتكي من أنها تواجه هجمة شرسة خلال الفترة الأخيرة، لا سيما بعد توقيعها اتفاق "نداء السودان" مع الحركات المسلحة في أديس أبابا وتنسيق مواقفهما معاً، وإطلاقها حملة "إرحل" كنشاط موازٍ لمعارضة الانتخابات العامة التي ستنطلق منتصف أبريل/نيسان المقبل.

وتُعتبر الخطوة برمتها إعادة للمشهد القديم الذي ظلت تنتهجه المعارضة السلمية لمواجهة الحكومة. فمع وصول النظام الحالي إلى الحكم، عبر انقلاب عسكري في 1989، بدأت المعارضة العمل على إسقاطه بوسائل كثيرة، بينها تنظيم نفسها داخل تحالف عريض، ونجحت مطلع تسعينيات القرن الماضي في تكوين تحالف واسع أطلقت عليه "التجمع الوطني الديمقراطي"، وضم كافة الأحزاب التاريخية واليسارية واليمينية المعارضة، فضلاً عن الحركات المسلّحة، وأكبرها "الحركة الشعبية" بقيادة جون قرنق.

ولكن سرعان ما تضعضع التحالف، بخروج حزب "الأمة" منه، وميول "الحركة الشعبية" إلى قيادة مفاوضات ثنائية مع النظام، بعد الضغوطات الدولية التي فرضت عليها، ليكتب بنفسه شهادة وفاته بتوقيع اتفاق المصالحة الوطنية "اتفاق القاهرة"، ليعود رموز ذلك التحالف إلى الخرطوم ويشارك بعضهم في الحكومة والآخر في البرلمان إبان الفترة الانتقالية التي أعقبت اتفاقية السلام الشامل "نيفاشا" بين الحكومة و"الحركة الشعبية"، لتبدأ تلك الأحزاب قيادة معارضة من الداخل تنتهي بتشكيل تحالف عريض آخر (تحالف قوى المعارضة) ضم ذات القوى، بما فيها "الحركة الشعبية"، فضلاً عن "المؤتمر الشعبي" بقيادة حسن الترابي.

وبدا التحالف قوياً، وشكّل حراكاً كبيراً في الساحة السياسية، قبل أن ينتكس مرة أخرى بخروج "الحركة الشعبية" التي استقلّت في الجنوب وشكّلت دولتها هناك، وتجميد حزب الصادق المهدي نشاطه فيه، بعد خلافات بشأن هيكلته، إضافة إلى تجميد التحالف حزب الترابي، بسب مشاركته في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السوداني عمر البشير في يناير/كانون الثاني من العام الماضي.

واستطاع النظام الحاكم الاستفادة من تجارب الأنظمة السودانية السابقة التي نجحت المعارضة في إسقاطها عبر انتفاضة شعبية، فعمل على تدجين الشارع السوداني، وجعل الأخير ينشغل بحياته الخاصة، من دون أن يجد مجالاً للتفكير في أمر البلد، فضلاً عن تغذية الخلافات داخل المعارضة باللعب على تناقضاتها، إضافة إلى تفتيتها.

كما أن النظام نجح في اختراق المعارضة، وكثيراً ما عمد إلى تسريب محاضر اجتماعات خاصة بها للإعلام، لزيادة الخلافات في صفوفها.

ويقول القيادي في حركة "الإصلاح الآن" المعارضة، أسامة توفيق، إن "الدعوة إلى إسقاط النظام تصطدم بالدولة العميقة التي جُيّرت لصالح الإسلاميين، الأمر الذي يجعل من الحوار خياراً مفضلاً لانتقال سلس وسلمي للسلطة".

ويرى توفيق في حديث لـ"العربي الجديد" أن "السيناريوهات الموجودة، بخلاف الحوار، جميعها خطرة، فالثورة الشاملة قد تُواجَه بعنف من قِبل النظام، ما قد يُكرر المشهد السوري أو اليمني أو الليبي، أو تتطور إلى ثورة جياع يصعب على الجميع السيطرة عليها"، مشيراً إلى "أننا لم نجد في تاريخ البلاد عسكرياً أسقط حاكماً عسكرياً، وكل المحاولات في هذا الشأن تفشل".

ويعتبر أن "القوى الدولية لن تسمح بتغيير النظام بالعنف، فضلاً عن أن السودان يمكن أن يُصدّر التوتر إلى دول تشاد وإريتريا وأوغندا وغيرها من الدول، وهذه العوامل كلها تقف عائقاً أمام إسقاط النظام".

في المقابل، يبدو القيادي المعارض، ساطع الحاج، واثقاً من نجاح مساعي المعارضة في إسقاط النظام، رافضاً وصفها بالفاشلة.

ويقول في حديثه لـ"العربي الجديد": "نحن لسنا معارضة دستورية، فضلاً عن أننا نقاوم نظاما يمسك بقوة كل مفاصل السلطة، ونعمل بلا إمكانات من إعلام وخلافه، وبالتالي فالمتوفر لدينا هو العمل السري"، مشدداً على أن "النظام سيسقط في لحظة تاريخية ما، ولن يتسرب الإحباط إلى قلوبنا يوماً".

ويرفض الحاج محاسبة التحالف، بسبب فشله في تحقيق برنامج المائة يوم الذي سبق وأعلنه قبل عامين لإسقاط النظام في تلك المدة، موضحاً "أننا لم نقل سنُسقط النظام في مائة يوم، وإنما كانت تلك دعاية مضادة من النظام نفسه"، مؤكداً أن "المعارضة في حراكها طوال الفترة الماضية حققت نجاحات، من بينها الحد من إحداث تطبيع مع ديكتاتورية وفساد النظام".

من جهته، يقول المحلل السياسي، محجوب محمد صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأعوام التي عاشها السودان منذ استقلاله في 1956 وحتى الآن تحت حكم ديمقراطي، لا تتعدى الـ13 عاماً وعلى فترات متباعدة، فيما الأعوام الباقية كانت تحت حكم عسكري، الأمر الذي عرّض الأحزاب السياسية إلى تآكل أحجامها وانهيارها تحت ضربات الأنظمة الشمولية المتعاقبة".

ويشير إلى أن "الأحزاب التاريخية (الأمة والاتحادي) لا تستند على ولاء سياسي، وإنما طائفي يبعد عن العمل السياسي المباشر، الأمر الذي يخلق واقعاً مأزوماً لتلك الأحزاب".

من جهته، يلفت الخبير في شؤون المعارضة ماهر أبوالجوخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "افتقار المعارضة للأجسام التنظيمية الفاعلة القادرة على التواصل الجماهيري مع القطاعات الشعبية المباشرة، ومع التضييق على أنشطة الاحزاب المعارضة وخنقها اقتصادياً، استعصى عليها القيام بأي فعل يشكّل تهديداً حقيقياً للنظام".

كما يرى أن "المعارضة تتكوّن من مجموعات متباينة في الرؤى والخلفيات، ولا يجمعها عملياً إلا معارضة النظام. وطبقاً لذلك، فإن الدوافع والرؤى للتغيير تختلف من مجموعة إلى أخرى، لذلك في بعض الأحيان فإن قوى المعارضة تخشى من عواقب تغيير النظام أكثر من استمراره. لذلك تفضل الاتفاق معه بدلاً من إسقاطه".

المساهمون