وزير العدل التونسي لـ"العربي الجديد": قانون الإرهاب يحمي الحريات

وزير العدل التونسي لـ"العربي الجديد": قانون الإرهاب يحمي الحريات

19 مارس 2015
هناك ملفات قضائية مستعجلة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو وزير العدل التونسي محمد صالح بن عيسى، واقعياً في حواره مع "العربي الجديد"، عن التطوّر القضائي والحكومي في بلاده، خصوصاً حين يدعو إلى تحقيق التوازن بين التضحيات والمطالب.
* كيف وجدتم الوزارة عندما تولّيتم مسؤوليتها؟

وُجدت ملفاتٍ تراكمت على مدى سنوات طويلة، تأتي ظروف عمل العاملين في السلك القضائي من قضاة وكَتَبَة في طليعتها. كما يتوجب إعادة هيكلة إطار العمل، لأننا لا زلنا في الزمن الورقي، ولم نبدأ بعد عهد المكننة، تحديداً على مستوى إنجاز التقارير وتبادلها، في حين أن الدول المتقدمة قطعت أشواطاً كبيرة في هذا المجال.

* هل يعني هذا أننا لا زلنا متأخرين عن غيرنا من الدول؟

هذا صحيح، لأننا متخلّفون كثيراً عن غيرنا من الدول، ونحتاج إلى إمكانيات كبيرة غير موجودة، قياساً بظروف البلاد، والمجال ضيّق أمامنا من أجل القيام بإصلاحاتٍ واسعة، ما يستوجب التعويل على مساعدة الأصدقاء والأشقاء، الذين أبدوا استعدادهم لدعمنا على مستوى تطوير وتحديث المنظومة القضائية، كما علينا ألا ننسى مشاكل المؤسسة السجنية.

* كم يلزمنا من الوقت لنرى محاكمنا عصرية وحديثة وسريعة؟

أعتقد أنه يلزمنا عقدٌ من الزمن كي نحقق هذا الهدف، ولكن هناك قضايا أخرى لا بدّ من الاهتمام بها للوصول إلى هذا المبتغى، مثل تأهيل القضاء، خصوصاً أنه تمّ تقليص مدته أخيراً.

* ألا ينعكس تقليص التأهيل على جدوى الأحكام؟

صحيح لكن هناك احتياجات سريعة للقضاة، من أجل التخفيف من حدّة الملفات المتراكمة، فتقليص نوعية ومدة التأهيل ينعكس مباشرة على الحكم وتعليله، بالتالي نحن أمام ضرورة مراجعة المنظومة التكوينية.

* ماهي الأولويات في ظلّ تراكم الضغط اليومي؟

عملت كثيراً على مسألة الانتقال الديمقراطي، ونحن اليوم أمام صراعات متعددة بين المرحلة القديمة والمرحلة الجديدة، وبين المتنفذين والضعفاء، وبين الفساد والقِيَم. وهي صراعات لا تنتهي بمجرد وضع دستور ومؤسسات، بل عبر استنباط القِيَم الديمقراطية وقِيَم الأنظمة السياسية العصرية الحداثية، فالانتقال إلى الدولة المدنية يلزمه كثير من الوقت، والذين سبقونا لم يحققوا هذا الانتقال بسرعة. كما تبعثرت أفكارنا وتوجّهاتنا وساهمت المستجدات الإقليمية والدولية في إعادة ترتيب أولوياتنا، فنحن مثلاً مجبرون على مواجهة الإرهاب الدولي، لأن الأمن هو أولويتنا القصوى، وللإعلام التونسي دور مركزي في ترشيد التفكير في هذه المسائل.

اقرأ أيضاً: القضاء التونسي ينتصر لفلسطين: قرار بمنع التطبيع مع الاحتلال

* هل الإعلام بصدد أداء هذا الدور؟

بصراحة، تحاول قلّة من الإذاعات والقنوات التلفزيونية أداء هذا الدور، وأعتقد أن هناك قطيعة بين الأجيال الإعلامية، فنحن في عصر مختلف بالكامل، وليس هناك أي تواصل أو حالة انتقال اجتماعية وفكرية سلسة بين الأجيال والمفاهيم الإعلامية.

* لكن فعل الثورات يعني القطع بالفعل مع الماضي، لأنها تنقل المجتمعات والشعوب من لحظة تاريخية إلى أخرى؟

هذا نظرياً فقط، فلا بد من العودة إلى لحظة ما قبل الثورة لنفهم، لأن زمن الديكتاتورية عطّل التفكير ومنع بروز النخب والأفكار، و(الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي قتل الكفاءات والأجيال السياسية، ولم يسمح لها بالظهور لأنه كان يعتقد بأن الحلّ لا يكون إلا أمنياً، مع العلم أن شبابنا ظلّوا طيلة عقدين من الزمن في حالة من الكبت، ولم يجدوا الفضاء الضروري للنمو والتطور.

* هناك الآن ملفات مستعجلة، وأهمها المجلس الأعلى للقضاء وصراع القضاة والمحامين وبقية مكونات المنظومة القضائية، هل يندرج هذا في إطار صراع مواقعٍ بينها؟

هناك بالفعل جزء من الصراع يدور حول المواقع، انطلق بعد الثورة (في العام 2010) بقليل، وأرجو أن ينتهي قريباً، لأن قدرهما هو التفاهم والتوافق، وأعتقد بأن القضاة رأوا بعد الثورة أن المحامين احتلّوا حيزاً كبيراً من المشهد التونسي، وهو ما سبّب بداية الخلاف، وازداد في شأن الخلاف على المجلس الأعلى للقضاء. وبما أن المجلس مكوّن من ثلثين يشغلهما القضاة المنتخبون، وثلث يدور حوله الخلاف، أقترح بأن يكون الثلث الباقي مكوّناً مثلاً من أربعة محامين وثلاثة من ذوي الاختصاص المستقلّين يكونون من الأساتذة الجامعيين. وأعتقد بأن الأغلبية مُشكّلة من القضاة، ولا خوف بالتالي على استقلالية القرار داخل المجلس، وأشاطر القضاة رأيهم، بأن يتضمّن المجلس ممثلاً عن المجتمع المدني للمراقبة، على أن تحسم السلطة التشريعية، أي مجلس نواب الشعب المسألة برمتها.

* ماذا عن بقية مكوّنات المشهد القضائي مثل كتّاب العدل والتنفيذ وغيرهم؟

أنا أُقدّر جهودهم وأهميتهم في العمل القضائي، ولكنني لا أرى أن على كل المكونات أن تكون ممثلة في المجلس لضمان حقوقها، ولا أتصوّر أن القضاة والمحامين سيتناسون أو يتعدون على حقوق كتاب العدل، لأنهم مدركون لأهميتهم وأهمية عملهم ودورهم.

* هناك أيضاً من يرى أن دخول المحامين المجلس الأعلى، مع حفاظهم على عملهم في المحاكم، فيه تضارب للمصالح؟

يُمكن تجنّب تضارب المصالح من خلال إدراج ضمانات في النصوص التطبيقية التي ستُصدر تباعاً، ففي الدول المتقدمة تمّ تجاوز مفهوم التصريح بالمكاسب إلى التصريح بالمصالح، أي أن المسؤول مُطالَب اليوم بالتصريح بالمصالح، وتداخل شركات أقاربه وعائلته القريبة والبعيدة في مجاله.

* يلومكم القضاة بأنكم أدخلتم تعديلات على مشروع المجلس الأعلى للقضاء، في حين أن هناك لجنة عملت عليه قبلكم؟

صحيح، وأعتقد أن من مسؤولياتي كمتخصص في القانون، أن أُبدي رأيي في مثل هذه المسائل، وبكل صراحة أعتقد أن مشروع المجلس الأعلى للقضاء، بات جيداً بعد إدخال التعديلات عليه. ونحن لا نتشبث بالقشور لأن لكل جهة مشروعاً وتصوّراً، ولكن الفصل سيكون لمجلس نواب الشعب، ولا ينبغي أن تُلهينا الاختلافات العرضية عن المكسب الأساسي، الذي تجلّى بإنشاء مجلس أعلى للقضاء، والذي كان حلماً في السابق. وبغضّ النظر عن الخلاف حول التركيبة، هناك أيضاً تباين في كيفية اختيار المحامين الممثلين في المجلس، لأن القضاة منتخبون. وأرى أنه لا بدّ أن نوكّل مهمة اختيارهم للهيكل الذي يُنظّم المهنة وهو عمادة المحامين، وكذلك بالنسبة للأساتذة الجامعيين. ولكن القضاة يريدون أن يتولّوا مهمة الاختيار، أو تركها لمجلس نواب الشعب، وبرأيي يجب ألا ندع فرصة لتسييس الاختيار.

* هناك ملف آخر وهو السجون، وكنتم متأثرين جداً بعد زيارتكم لسجن المرناقية، ما السبب؟

كرامة الانسان، لأن السجين وإنء كان أكبر مجرم، إلا أنه في النهاية إنسان، ولا ينبغي المسّ بكرامته، فقد لاحظت أن الاكتظاظ وظروف السجن وغياب الإحاطة الصحية والنفسية، تزيد من تعكير وضع السجين. وأنا التقيت شباناً بعمر الزهور، سُجنوا بسبب استهلاكهم للحشيش، وهم كثر، كما تفوق نسبة الموقوفين الذين لم يحاكموا بعد، الـ50 في المائة. وأتمنى على قضاة التحقيق، الذين أفهم حرصهم على استكمال الأبحاث وأحترم استقلاليتهم، مراعاة مسألة الإيقاف والسجن، لأنها تُشكّل حرماناً من الحرية، ولو مؤقتاً.
وأعتقد بأنه لا بدّ من إعادة النظر في السلسلة الجزائية، وفي قانون تعاطي المخدرات، تحديداً في حال كانت المرة الأولى لأي شاب، والتفكير بعقوبات بديلة، ولا أتحدث هنا عن المروّجين أو الذين يعودون لارتكاب نفس الخطأ. وعلينا الإسراع في مراجعة هذا القانون، من أجل إنقاذ الشباب المغرّر به، وهو ضحية الفقر والحرمان والتهميش. وأعتقد أيضاً أنه ينبغي منح القاضي حرية التقدير في إصدار الأحكام.

* عندما نتحدث عن السجون نتحدث أيضاً عن التعذيب، فهناك أصوات حقوقية كثيرة تتحدث اليوم عن وجود تعذيب في السجون التونسية؟

لا بدّ من أن نتصدّى جميعاً للتعذيب ولا بدّ من التشهير بكل حالة تعذيب، وهذا الأمر متروك على عاتق الإعلام والمجتمع المدني. بالنسبة لي، لن أتسامح مع التعذيب، وتصلني بعض الأخبار عن حالات محددة، وإذا توافرت الحجج والبراهين عن أي حالة فسأتصدى لها.

* تأخر قانون مكافحة الإرهاب كثيراً أيضاً؟

صحيح، وأعتقد بأننا سننتهي منه هذا الأسبوع، على أن نحيله إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليه، ونحاول فيه تدارك نقائص مشروع العام 2003، خصوصاً بما يتعلق بتعريف الاٍرهاب والابتعاد عن المفاهيم الفضفاضة القابلة للتأويل، ولا بدّ من التحديد الدقيق للجريمة الإرهابية. ويتضمّن مشروع القانون الجديد أيضاً مسألة حماية الحريات والحقوق، وكذلك حماية المُبلّغ عن الجريمة الإرهابية، ويتضمن أيضاً كل مستجدات المعاهدات والمواثيق الدولية.

* ألا يجب أن يُراعي القانون الجديد، حقوق المواطنين، في ظلّ ما أُثير أخيراً حول التنصت على المكالمات؟

حقوق الإنسان أولوية، ولا بدّ من احترام الحقوق الدستورية، ولكنه ينبغي الإدراك بأننا أمام خطر إرهابي كبير، لأن هناك من يرفع السلاح أمام الدولة والمواطنين ويقتلهم بدمٍ بارد. ولا بدّ من تحقيق معادلة النجاعة الأمنية من دون المساس بالحقوق الأساسية التي يتضمّنها الدستور، ومشروع القانون تعرّض لمسألة التنصت وحددّها أيضاً.

* ألا ترون أن محاكمة المتشددين دينياً، والمتهمين في قضايا إرهابية، طالت كثيراً؟

أعتقد بأن سبب البطء يعود إلى كثرة القضايا، وأتفهم حرص القضاة على تحديد وإثبات الجريمة بصفة دقيقة، وسنمنحهم كل الامكانيات والوسائل، من أجل ممارسة عملهم في ظروف طيبة.

* تواجه حكومتكم ظروفاً صعبة جداً، ما هي حظوظكم في النجاح، إزاء كل هذه الملفات المتراكمة والإمكانيات المحدودة والظرف الاقتصادي الصعب؟

نحن في وضعية سياسية فريدة، إذ أنه على الرغم من فوز عدد من الأحزاب تشريعياً، إلا أن رئيس الحكومة شخصية مستقلة، كما أن الحكومة تتضمن عدداً من الوزراء المستقلّين، والأحزاب غير ممثلة وفق نسبة فوزها، مع ذلك سنحدد برنامجنا وأولوياتنا، وسنبدأ العمل بعد الاطلاع عن قرب على الملفات الهامة، ولكنه ينبغي أن يكون هناك توافق وطني حول ملف التنمية.

* هل نحتاج إلى هدنة اجتماعية؟

بالتأكيد، لأننا سنكون في مرحلة تسديد ديوننا الدولية في عامي 2016 و2017، التي سنواجه فيها مراحل صعبة، ونحن مُطَالَبون في هذا الصدد بتقديم التضحيات والحدّ من المطالب والعودة إلى العمل وترشيد الإنفاق العام وتحريك الاستثمار. سيحتاج العمل الحكومي إلى إسناد سياسي كبير، مرفقاً بالوثوق بالحكومة، وسنصارح الناس دائماً، لأن كل القرارات، ولو كانت صعبة، تهدف لخدمة المجموعة ككل.

* انشغلت النخبة السياسية في تونس وأحزابها ومنظماتها والحكومة بالتجاذبات السياسية بدلاً من الالتفات إلى مشروع الثورة في تغيير حياة الناس؟

تفسير هذا، لا تبريره، يعود إلى تعطّش النخبة السياسية إلى العمل السياسي، فقد خرجنا من حالة تصحّر سياسي إلى انفجارٍ أدّى إلى ارتجاج وارتباك سياسي ومؤسساتي. ودفعت قلّة خبرة الأحزاب الجميع إلى البحث عن ذاته، وخلنا أن الدستور الجديد والانتخابات، ستضع حداً لحالة الارتباك، ولكن الممارسة الديمقراطية وعودة جدوى المؤسسات تحتاج إلى وقتٍ، ولا يُمكن أن تطلب من الديمقراطية الجنينية أن تكون منضبطة. ولا بدّ للجميع من ترتيب أولوياته مجدداً والانتباه إلى خطورة الوضع، خصوصاً الاقتصادي والاجتماعي والأمني، وربما كان من المفروض التوافق على خياره، وأنا قلت ذات مرة إنني أميل إلى اقتصاد حربٍ إذا اقتضى الأمر، ولكنه خيارٍ يستوجب سلطة قوية وتوافقاً واسعاً.

* ألا يمسّ هذا الخيار بالحريات؟

لا سبيل للمسّ بالحريات والمكاسب، ولكن على القوى السياسية إثبات شيء من التواضع، وما أقصده هو تقديم الأولويات الحيوية للمجتمع، أي تقديم التضحيات على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.

* أشرتم إلى الإسناد السياسي الكبير للحكومة، كيف تتابعون أزمة الحزب الأول، نداء تونس، وهل سيكون لها تأثير على العمل الحكومي؟

خطر الانزلاق إلى هذه الفرضية قائم، ولكنني أتصور أن الحزب الأول وقياداته سيقدرون حقيقة الخطر، لأن تأثيرات عدم استقرار الكتلة النيابية الأكبر ستكون كارثية على الوضع السياسي التونسي وعلى الحكومة، وأنا كمستقل ومتابع للتطورات من بعيد، أُعوّل على عودة الوعي بحجم هذه المخاطر.

اقرأ أيضاً: تونس: إضراب المحامين يسبب شللاً في المحاكم