التحالف الدولي في سورية: النظام المستفيد الأول

التحالف الدولي في سورية: النظام المستفيد الأول

19 مارس 2015
معظم ضربات التحالف كانت في عين العرب (Getty)
+ الخط -

يبدو أن التحالف الدولي الذي عمد إلى توسيع هجومه من العراق إلى سورية في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول العام الماضي، بعد تبني مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع لقطع مصادر التمويل عن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، و"جبهة النصرة"، ونزع سلاحهما وتفكيكه، قد تحوّل إلى جزء من المشكلة، خصوصاً مع تأكيد البنتاغون منذ البداية عدم نية التحالف ضرب النظام السوري في الوقت الحالي، وذلك على الرغم من لعب التحالف دوراً كبيراً في منع سقوط مدينة عين العرب (كوباني)، في يد "داعش".

ومن الواضح مدى استفادة النظام السوري جراء غارات التحالف على الرغم من إضعافها تنظيم "داعش"، إذ أنها مهّدت الطريق أمام النظام للتوسّع في كثير من الأحيان في مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية. وما يزيد الطين بلة، أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان والتي قالت إن ضحايا قتلى ضربات التحالف بلغت مئة وثلاثة مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وتحوّل سياسة التحالف في الآونة الأخيرة إلى سياسة انتقامية من "جبهة النصرة"، على خلفية طرد الأخيرة فصائل عسكرية كانت تتلقى دعماً من الولايات المتحدة، كـ"حركة حزم" و"جبهة ثوار سورية"، علماً أن المتوسط اليومي لفاتورة قتال مسلحي التنظيم بلغت نحو 580 مليون دولار في الفترة الممتدة بين 8 أغسطس/آب وحتى 16 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بمعدل 8,3 ملايين دولار يومياً، ما يعني أن تبعات الحرب على "داعش" و"النصرة" قد تفوق سلبياتها على إيجابياتها بكثير، على المستوى الإنساني والاقتصادي والسياسي.

تقدّم النظام

أحد الأهداف الرئيسية للتحالف الدولي كانت تجفيف منابع التمويل، هذه السياسة وجدت ضالتها في تركيز طائرات التحالف على ضرب المنشآت النفطية في شرق البلاد وشمالها، بهدف إضعاف القدرة الاقتصادية لـ"داعش"، وقطع إمداده، وتجلى ذلك في قصف المنشآت النفطية وصوامع الحبوب للتنظيم في مدينة منبج والباب في ريف حلب الشرقي.

اقرأ أيضاً: رئيس "الاستخبارات الأميركية": واشنطن لا تريد انهيار النظام السوري

في هذه الأثناء، رسم النظام خطة للسيطرة على ريف حلب الشمالي، نجح من خلالها في ضمان المناطق القريبة من سجن حلب المركزي، وكان له ما أراد عبر السيطرة على سيفات وفيما بعد على قرية باشكوي مع طموحه في ضمان حندرات وريتان وحريتان والتي سيطر عليها مؤقتاً، تمهيداً لهدفه في فك الحصار عن قريتي نبل والزهراء المحاصرتين من قِبل المعارضة السورية، وقطع الطريق بين مدينة حلب وريفها، وفصل الريف الشمالي (معقل المعارضة) عن مدينة حلب، لولا يقظة المعارضة التي استعادت السيطرة على حندرات وريتان وحريتان وأجزاء من باشكوي أخيراً.

ومع انشغال التحالف في بحث استراتيجية لتدريب المعارضة المعتدلة، لملء الفراغ الذي تولده الضربات وتمكينها من السيطرة على أماكن "داعش"، ارتاح النظام لذلك، واستعاد السيطرة على معظم ريف حماة الشمالي كمورك وخطاب، بعد ما استعان بالعقيد سهيل الحسن، واستقدمه مع رتله العسكري من حلب إلى قيادة العمليات العسكرية في حماة، ووضع المطارات تحت إمرته، وذلك بعد مرور نحو شهر ونصف الشهر على بدء الغارات الجوية للتحالف.

وفي هذا السياق، يؤكد رئيس المجلس العسكري في حلب العميد زاهر الساكت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يكن هناك تنسيق بين ضربات التحالف والجيش السوري الحر"، مبيّناً أن "التحالف يكيل بمكيالين، فالغارات كان لها تأثير إيجابي، لأنها خفضت من حجم قوة داعش، لكن النظام استفاد من هذه الغارات، من خلال تشديد القصف على المدن الأخرى واستعادة السيطرة على مناطق أخرى".

ويشير الساكت إلى أنه "بعد إنهاء قوى الاعتدال المتمثلة بالجيش الحر من قِبل النظام وداعش، ستقضي قوى التحالف على الأخير وبذلك ينتصر (الرئيس السوري بشار) الأسد، بينما إيران تظهر الآن بوجه الاعتدال بسبب جرائم داعش، ولذلك رغب المجتمع الدولي بها، ولكن سرعان ما سيكتشفون أن الإرهاب مصدره الأسد وإيران".

اقرأ أيضاً: سورية: "داعش" يحاول التقدم بالحسكة وطيران التحالف يستهدف قواته

وتكفلت غارات التحالف على التنظيم بعد نحو شهرين على بدئها، في ثنيه عن التوجه للسيطرة على المطارات والتي كان يهدف من خلالها لتعزيز الحظوظ المكانية لخلافته، إذ كان من المقرر توجّهه للسيطرة على مطار دير الزور العسكري، ومطار كويرس في ريف حلب الشرقي، في حين وسّع سلاح الجو السوري التابع لنظام الأسد ضرباته ضد المعارضة بمعدل يفوق ضعفي الضربات المعتادة في كثير من الأحيان.

هذا الأمر دفع بوزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هيغل نفسه للإقرار بأن النظام السوري قد يستفيد من الهجمات التي تُنفذ ضد مقاتلي "داعش" على الرغم من إعلانه في ذلك الوقت، أن ذلك لا يغير من السياسة الأميركية التي ما زالت تؤيد تنحي الأسد، ولكن هذا الأمر بات مشكوكاً فيه، بعد إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخيراً، إن بلاده ستضطر للتفاوض مع الأسد بشأن انتقال سياسي في سورية، مشيراً إلى أن واشنطن تبحث سبل الضغط على الأسد لقبول المحادثات.

أكثر من ذلك، اعترف مسؤولون أميركيون في البنتاغون لموقع "ديلي بيست" (The Daily Beast) بـ"سيطرة التنظيم على أراضٍ جديدة في بعض المناطق، على الرغم من زعم البنتاغون أنه حصل على أراضٍ في مناطق أخرى، معظمها حول مدينة عين العرب الشمالية، التي كانت محور تركيز الحملة ذات القيادة الأميركية، والتي لم تسمح لـ"داعش" بالسيطرة عليها".

سياسة انتقامية

مع طول أمد الغارات الجوية للتحالف على سورية، بدأت تتحول سياسات التحالف إلى ما يشبه ردة فعل على مواقف وفصائل بعينها، بدل أن تكون خطة شاملة تحقق الأهداف التي وضعت من أجلها، وتجلى ذلك أخيراً في سياسة التحالف مع "جبهة النصرة"، الفصيل المستهدف الآخر مع تنظيم "داعش"، إذ لم يُسجل استهداف من التحالف للجبهة في بداية الغارات، سوى في اليوم الأول، عندما ضرب منطقة المهندسين في ريف حلب الغربي، وأدت الضربات إلى مقتل 20 عنصراً، بينهم أحد أشهر قناصة "النصرة" أبو يوسف التركي.

بعد هذه الضربة، بقي تنظيم "داعش" الهدف الأول للتحالف، واستُهدف بمئات الغارات، إلا أن هذه السياسة تحوّلت فجأة ضد "النصرة"، عند سيطرة الأخيرة على مقرات حركة "حزم" المدعومة من الولايات المتحدة، إذ تعرّض مقر الجبهة قرب بلدة سلقين في ريف إدلب الشمالي إلى القصف في 27 فبراير/شباط الماضي، غداة توجّه "النصرة" للسيطرة على مقرات "حزم" في ريف حلب الغربي. وأدت الغارة إلى مقتل مسؤول الخرائط في "النصرة" أبو مصعب الفلسطيني، بينما أصيب إصابة بالغة القائد العسكري العام أبو همام الشامي، بحسب ما ذكرت مصادر "النصرة" لـ"العربي الجديد" في ذلك الحين.

وعاد التحالف الدولي بعد عشرة أيام ليستهدف مقراً لـ"النصرة" في بلدة أطمة المحاذية للحدود التركية شمالي سورية، وأسفرت الغارة التي استهدفت خمسة مباني إلى مقتل سبعة عشر شخصاً، فيما بدت هذه الغارات وكأنها سياسية انتقامية وردة فعل على إنهاء "النصرة" لحركة "حزم" التي كانت تعوّل عليها الولايات المتحدة، بعد أن أضحت هذه الحركة قوة كبرى في حلب، وتم تزويدها بمدرعات ومضادات دروع.

على أن رئيس الحكومة السورية المؤقتة أحمد طعمة، يرى في هذا السياق "أن أي جهة من الجهات تهاجم الجيش السوري الحر وتتسبب بانتقاص قدراته وإخراجه من الساحة، هي جهات مواجهة للمشروع الوطني السوري الذي نسعى إلى ترسيخه، ولمفهوم الدولة المدنية الديمقراطية التعددية"، معبراً في حديث لـ"العربي الجديد" عن قلقه مما يجري في إدلب، "وما يمكن أن يحصل في المستقبل القريب في حلب".

100 مدني ضحايا غارات التحالف

على الرغم من أن التحالف الدولي انطلق من مجلس الأمن لضرب تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، بهدف تحقيق الأمن والسلام للشعب السوري، إلا أن هذا التدخل بدأ يعكس نتائج وخيمة في معطياته، لتسهم غارات التحالف في زيادة الموت على السوريين. فمع تركيز التحالف على المنشآت النفطية، سقط ضحايا كثر من المدنيين، ومع قصفه لمقرات التنظيمين الإسلاميين، لم يراعِ المدنيين في هذا القصف، فيما بدا وكأن التحالف يسير على خطى النظام، إن لجهة القصف، أو لجهة التنسيق، كما جرى في مدينة الرقة، والتي تعرضت إلى مجازر عدة من قبل النظام السوري.

وفي هذا الإطار، تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان "مقتل 103 مدنيين، بينهم 11 طفلاً، و11 سيدة، منذ بداية ضربات التحالف الدولي في 23 سبتمبر/أيلول العام الماضي". وقد قُتل معظم ضحايا الغارات خلال استهداف التحالف للمنشآت النفطية، ففي التاسع من ديسمبر/كانون الأول، أكدت مصادر "العربي الجديد" مقتل عشرة عمال مدنيين يعملون في حقل التنك، في بادية قرية أبو حمام بريف دير الزور الشرقي، بعد استهداف التحالف بغارتين إحدى آبار النفط.

في هذا الوقت، لا تزال القيادة المركزية لقوات التحالف تنكر وقوع ضحايا مدنيين، على الرغم من تلقيها 18 شكوى بشأن ضحايا مدنيين في سورية والعراق بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، وكأنها تخشى من الإقرار بفشل التدخل الدولي، فلا هو أنقذ السوريين من تنظيم "داعش" و"النصرة"، ولا أوقف القتل والموت، بل العكس من ذلك ساهم فيهما، حسب التقارير السابقة المرفقة بتحقيقات واسعة تحتوي شهادات وصوراً وفيديوهات وأسماء الضحايا.

هذا الأمر قد يؤكد أن التحالف الدولي قد أصبح جزءاً من المشكلة وليس حلاً، على الرغم من إنقاذه عين العرب من "داعش"، والتي بدت هي الأخرى سياسة يريد التحالف توجيه أنظار العالم إليها.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات كاملة لعدد الغارات التي شنّها طيران التحالف الدولي، إلا أنها بلغت حسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بين الفترة من 7 أغسطس/آب إلى 30 ديسمبر/كانون الأول 2014، نحو 559 غارة في سورية، منها في مدينة عين العرب وحدها 428 غارة، بمعدل 76 في المائة من الغارات، ما يدل على أن التحالف كان منحازاً لجهة المكوّن الكردي في عين العرب ومنعها من السقوط بحكم طبيعة التحالف معه في العراق، على حساب مكونات الشعب السوري الأخرى، إذ لم تسهم بقية الغارات المحدودة على المنشآت النفطية في إحداث أي أثر يذكر على المدن السورية الواقعة تحت سيطرة "داعش" و"النصرة".