أوكرانيا مهدّدة بالتفكك: هل الكونفدرالية هي الحل؟

أوكرانيا مهدّدة بالتفكك: هل الكونفدرالية هي الحل؟

15 مارس 2015
حرب الجميع ضدّ الجميع تتهدّد أوروبا (أندرو بورتن/getty)
+ الخط -
يأخذ الإسفين الروسي بشق أوكرانيا والسياسة الأميركية بشكل أعمق؛ فمن حقوق قومية تتعلق باللغة والثقافة في الدرجة الأولى، إلى مطالب في تمثيل سياسي يعكس وزن شرق أوكرانيا سكانياً، مروراً بمطالب دولة لا مركزية ثم كونفدرالية، يراها سياسيون في الغرب حلاًّ أمثل لأوكرانيا التي لم يعد ممكنا أن تعيش كدولة موحدة بعد الشرخ الذي شق شعبها نصفين.

اقرأ أيضاً (شبح حرب فوق أوروبا: الأطلسي إلى لاتفيا والسلام ينهار)

دبلوماسية ونيران
وفي إشارة واضحة إلى أن موسكو يمكن أن تمضي حتى النهاية في دعمها لإقليم دونباس إذا اضطرها الواقع ودفعتها سياسات خصومها إلى ذلك، أعلن رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الفيدرالية الروسي، قسطنطين كوساتشيوف، في السادس من مارس/آذار الجاري، في لقاء على موجة إذاعة "كوميرسانت إف إم" في ردّ على سؤال عما إذا كان ينبغي على روسيا دعم استقلال نوفوروسيا أو جمهورية دونيتسك ولوغانسك، "إذا ما استنفدت جميع الإمكانات الأخرى للوصول إلى تسوية سياسية، فإنني لا أستبعد هذا الخيار". وعن سؤال حول الخيار الأمثل لروسيا في أوكرانيا، من وجهة نظر جيوسياسية، قال إن "استعادة وحدة أراضي أوكرانيا على أساس الحد الأقصى من اللامركزية مع إمكانية إعادة النظر بالاتفاقات المعقودة في حال لم تعد صالحة".


وفي إقرار واضح لعمق الانقسام الأوكراني واستحالة رأب الصدع، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان، إيفان شيمونوفيتش، قوله في السابع من مارس/آذار الجاري، أثناء اجتماع المجلس بخصوص أوكرانيا، إن "هناك شواهد دقيقة تدل على أن الانقسام في المجتمع الأوكراني يتفاقم. فمع كل هجمة جديدة على السكان المدنيين، ومع كل حادثة احتجاز خارج القانون وتعذيب، ومع كل امتناع عن تقديم الخدمات الاجتماعية للناس في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، ومع كل موجة نزوح، يتعمق الانقسام أكثر فأكثر".

وفيما يصمت سياسيو الغرب عن أسباب ذلك ويستسهلون تحميل المسؤولية للكرملين، ترى موسكو أن الأسباب تكمن في سياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وفي أن واشنطن تشعل الحروب وتغذيها حتى تأتي على كل شيء، إذ لا تستطيع تحقيق مصالحها بطرق أخرى، لتستثمر في الفوضى بعد ذلك.

وفي هذا السياق، نقل موقع "وولدأندوي.كوم" عن الباحث السياسي ومدير مركز التحليل المنهجي والتنبؤ، روستيسلاف إيشينكو، قوله إنه "مضى الوقت الذي كان فيه الأميركيون قادرين على استخدام أوكرانيا كدولة واحدة بفاعلية أكثر أو أقل لتحقيق أهدافهم. فلم يعد لديهم كمية كافية من الموارد والرغبة في دعم وحدة أوكرانيا". وأضاف أن "المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا لم تنته، بصرف النظر عن الكيفية التي تتطور عبرها الأحداث في أوكرانيا. الولايات المتحدة خسرت المعركة الأوكرانية، ولذلك فمن الأفضل لها أن تندلع في أوكرانيا حرب الجميع ضد الجميع. ولا أظن أنها ستبذل جهوداً كبيرة لإشعال هذه الحرب، لأنها تندلع من تلقاء نفسها".

أوروبا نحو الشراكة
ومما يدل على نضوج الأزمة الأوكرانية نحو تحرك أوروبي باتجاه قد لا يرضي واشنطن، يتواتر الحديث عن ضرورة التعاون مع روسيا في أوساط السياسيين الألمان بصورة خاصة، وطمأنة موسكو إلى أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي غير ممكنة، إضافة إلى تراجع الفرنسيين عن موقفهم المتشدّد حيال موسكو، نحو اقتراح حلول أبعد حتى من المطالب التي كان إقليم دونباس يناضل لتحقيقها سياسياً قبل اللجوء إلى السلاح.


وبعد تصريح لوزير خارجية ألمانيا، فرانك والتر شتاينماير، لمجلة "دير شبيغل" في نوفمبر/تشرين الثاني، العام الماضي، قال فيه "أرى أن علاقات شراكة بين أوكرانيا والأطلسي ممكنة ولكن ليس عضويتها (في الحلف)"، جرى تداول آراء فرنسية حول إعادة تنظيم الدولة الأوكرانية بما يأخذ بعين الاعتبار مصالح روس أوكرانيا. وفي مقابلة أجرتها معه مجلة "بوليتيك إنترناسيونال" الفرنسية، في أواسط فبراير/شباط الماضي، عبّر عميد السياسيين الفرنسييين المتقاعدين، رئيس فرنسا بين 1974 و1981، فاليري جيسكار ديستان، عن وجهة نظره حيال الأزمة الأوكرانية، فقال إن "أوكرانيا، في شكلها الحالي، غير قادرة على أداء وظائفها بصورة ديمقراطية. ولذلك فهناك ضرورة لإعادة تنظيمها. وأريد أن تترأس الدبلوماسية الفرنسية جهود الأوروبيين الموجهة لإيجاد تسوية سياسية في أوكرانيا. ويتشكل لديّ انطباع بأن أوكرانيا يمكن أن تصبح كونفدرالية متعددة القوميات، تجمع ذلك الجزء الناطق بالروسية مع الجزء البولوني مع المركز". وأضاف "ما يمكننا أن نكون متأكدين منه هو عدم تكامل أوكرانيا مع المنظومة الأوروبية. هذا غير ممكن؛ فهي لم تنضج اقتصادياً لذلك، وليس لديها التجربة السياسية الكافية. ومكانها بين فضاءي روسيا والاتحاد الأوروبي، وعليها أن تحافظ على علاقات طبيعية معهما".

إلى ذلك، تتداول الصحافة الروسية آراء سياسيين فرنسيين آخرين لا تختلف في الجوهر عن رأي ديستان، في تركيز واضح على أن لدى فرنسا فرصة لأن تلعب دوراً مركزياً في تسوية الأزمة الأوكرانية، نحو سلام ينقذ أوروبا من الحرب القابلة للانتشار والتفاقم، والتي تخشى أوروبا أن تُجر إليها خارج إرادتها، الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة وروسيا على الأرض الأوكرانية، وينبغي إيقافها قبل فوات الأوان. ويبدو رأي الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، كما أفاد خطابه في مؤتمر حزبه الأخير "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، قريباً من رأي جيسكار ديستان، نحو دور لفرنسا في حل الأزمة الأوكرانية يأخذ بالاعتبار مصالح روسيا وحلفائها.

ومع التسليم بأنّ أوكرانيا لم تعد قابلة للعيش كحالها قبل عام مضى، ولم يعد للحديث عن مركزية السلطة مكان، فهل يكون رأب الصدع بين المكونين الأوكرانيين الأساسيين بفدرالية أم كونفدرالية، أم ينتصر المشروع الأكثر شرّاً: حرب الجميع ضدّ الجميع؟

المساهمون