إليزابيت غيغو: زيارة النواب إلى الأسد جعلتهم موضوع سخرية

إليزابيت غيغو: زيارة النواب إلى الأسد جعلتهم موضوع سخرية

15 مارس 2015
تقف غيغو وراء قرار الاعتراف الفرنسي بفلسطين (فرانس برس)
+ الخط -
ما رأيك في الزيارة التي أجراها برلمانيون فرنسيون إلى دمشق أخيراً؟ هل كانت لجنة الشؤون الخارجية على علم بها؟

لو طلب النائبان اللذان ذهبا إلى دمشق، برفقة عضوين في مجلس الشيوخ، رأيي مسبقاً، لنصحتهما بعدم الذهاب بشكل قطعي، لأنه من البديهي أن الرئيس بشار الأسد ونظامه كانا سيتلاعبان بهذه الزيارة، ويستغلانها لمصلحتهما. وذلك ما حدث بالفعل. آسف لهذه الزيارة، لكن النائبين حرّان، طالما أن الزيارة مبادرة خاصة، ولم تندرج ضمن لجنة العلاقات الخارجية، وتمت من دون موافقة هذه اللجنة. لا يجب المبالغة في شأن هذا الحدث. إنها مبادرة شخصية لم تكن محبذة في رأيي، وهي لم تلمّع سمعة هؤلاء النواب، بل على العكس، جعلت منهم موضوع سخرية.
 

هل هذا يعني أيضاً أنّ البرلمان لم يكن على علم بالزيارة، وأنّ الحكومة الفرنسية، بدورها، لم تكن تعرف بالأمر؟
 
جرت شائعات بأنهم سيتوجهون إلى دمشق، ولكن هؤلاء النواب لم يثيروا المسألة معي بشكل مباشر. كان بإمكانهم فعل ذلك، لو أرادوا، أثناء فرصتين؛ إحداهما خلال إفطار عمل نظمناه مع سفيرنا السابق لدى سورية، إريك شوفالييه، لكنهم لم يتطرقوا إلى الزيارة. ولم أكن أتوقع أبداً أنهم سيلتقون الأسد، خصوصاً أنّهم يعرفون أن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة مع سورية.
 
كنت وراء القرار التاريخي للبرلمان الفرنسي بالاعتراف بدولة فلسطين. ماذا يمكن أن تفعلي كرئيسة للجنة الشؤون الخارجية من أجل إحياء عملية السلام؟
 
لا شيء أسوأ من الشلل الحالي. وبطبيعة الحال، حين لا يحدث تطور على الصعيد السياسي، فإنّ ذلك يرجّح كفة التطرف والعنف. من جهة ثانية، فإن الاستيطان الإسرائيلي متواصل، ويتزايد بشكل خاص في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة. ومعنى ذلك، أنّ هناك تهديداً متزايداً لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، كما تنص اتفاقيات أوسلو، التي قامت على مبدأ الدولتين. هذه الفكرة أصبحت مشروعاً افتراضياً بسبب الاستيطان، فضلاً عن الوضع المشين في غزّة، التي تعيش حرباً تلو حرب، وتدميراً متواصلاً، وتزايداً لا يحتمل في معاناة السكان.

من هذا المنطلق، بادرنا إلى فعل شيء كبرلمانيين. لسنا في موقع القرار الدبلوماسي، لكننا أردنا أن نصوّت على هذا الاقتراح المتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين، ليس لإملاء ما يجب فعله على حكومتنا، بل للتعبير عما نطمح إليه ونتمناه. وذلك ما فعلنا بغالبية واسعة.

وقد تجاوبت الحكومة مع طلبنا بشكل إيجابي، ولم تتدخل لمنع قرارنا، وكان بإمكانها فعل ذلك، لو لم تكن موافقة على القضية في جوهرها. كما أن (وزير الخارجية) لوران فابيوس اغتنم فرصة النقاش الذي فتحناه كي يتقدم بمقترح عقد مؤتمر دولي يساعد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في توقيع السلام. القرار كان مبادرة صائبة، ثم تحركت فرنسا بقوة داخل مجلس الأمن الدولي للمساعدة في تبني مشروع القرار الفلسطيني، لكن للأسف تم رفضه. وأعتقد أن هناك ضرورة لاستئناف المفاوضات وإنجاحها في أجل معقول. وعلى الأوروبيين أن ينشطوا أكثر حيال هذا الملف، وخصوصاً أن الاتحاد الأوروبي هو المانح الرئيسي الذي يقدم المساعدات إلى الفلسطينيين.
 
اقرأ أيضا: نواب فرنسيون: الاعتراف بدولة فلسطين خطوة إلى الأمام

هل يعقل أن يكتفي الاتحاد الأوروبي بدور المانح؟
 
بالطبع لا يمكن ذلك، ولا يمكن للاتحاد الأوروبي إعادة بناء غزة بعد كل حرب. هذا أمر عبثي. آمل أن يتغير الوضع، وأن تتحرك أوروبا أكثر، وأن يكون هناك مبعوث أوروبي جديد قريباً للمنطقة يتواجد على الأرض بشكل فاعل، كما كان عليه الأمر مع ميغيل انخيل موراتينوس، المبعوث الأوروبي السابق.
 
قمتم في لجنة الشؤون الخارجية بمهمة حيال إيران عام 2014. ووجهت شخصياً الدعوة إلى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني للمجيء إلى فرنسا. هل يتعين على فرنسا أن تغير لهجتها، وأن تجعل مواقفها أكثر مرونة في حوارها مع إيران، خصوصاً في هذه الفترة التي تشهد المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران تقدّماً؟
 

السياسة الفرنسية حيال إيران متوازنة، وتستند إلى فصل الملف النووي عن الملفات الإقليمية الأخرى. ومن الواضح أن إيران شريك لا غنى عنه، ويمكنه تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وبالتالي، من المهم التمسك بالعلاقات مع إيران، ولدينا اتصالات معها باستمرار، سواء مع سفير إيران في باريس، وهو نشيط جداً، أو مع المسؤولين الإيرانيين الذين يزورون باريس. وضمن هذا السياق، زار وفد موسع في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي إيران عام 2014. من الضروري جداً التوصل إلى اتفاق نووي. وأعتقد أنّ المنظومة الدولية على حق، حين تطلب من إيران أن تتنازل عن السلاح النووي. صحيح أن دولاً أخرى، ليست بعيدة عن إيران تمتلك السلاح النووي، ولكن الخطر الأكبر يكمن في أن يكون هناك تخصيب نووي في عدد من الدول الكبرى في المنطقة، وذلك من شأنه أن يخلق احتمالات توتر هائلة، من شأنها أن تتسبب في المزيد من الزعزعة لأمن المنطقة. إيران بلد كبير، ولديه تاريخ وثقافة عريقان، ولكن عليه أن يتخلى عن السلاح النووي، وآمل أن تؤدي المفاوضات إلى ذلك.
 
كيف تنظرين إلى خطاب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي؟

لا أفهم على الإطلاق الأسلوب الذي تصرّف به نتنياهو. وهو تصرف لا ينبع إلا عن رجل سياسي يجد صعوبة في إعادة انتخابه، ويريد أن يبرز نفسه من خلال ظهوره أمام الكونغرس. لكن المعضلة أن نتنياهو تلقى دعوة فقط من قبل البرلمانيين الجمهوريين. لذا، فإن ما جرى كان أشبه بحلف انتخابي بين الليكود والجمهوريين في الكونغرس ضد سلطة الرئيس الأميركي باراك أوباما. منذ أكثر من عشرين عاما، يحذر نتنياهو باستمرار من أن إيران ستمتلك القنبلة الذرية قريباً، وهذا الأمر يتكرر دوماً في خطابه، مما يفقده الكثير من المصداقية. وهذا الأمر يطرح تساؤلات إن كان يقوم بذلك من أجل تضليل الرأي العام الإسرائيلي، وصرف انتباه الناخبين عن المشاكل الحقيقية، مثل بعض الفضائح التي تطارده، بالإضافة إلى الإشكاليات التي تهدّد أمن إسرائيل، بسبب مواصلة الاستيطان، واستمرار النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني.
 
منذ الهجمات التي شهدتها باريس في مطلع العام الحالي، تشهد فرنسا تزايداً في أعمال العنف والإسلاموفوبيا ضدّ الجاليات المقيمة. ألم تصدمك الطريقة التي تم بها توجيه الاتهامات للإسلام والمسلمين؟
 
أتفهّم تماماً الألم الذي أصاب المسلمين وأتعاطف معهم. لكن من المهم التذكير بأن السلطات الفرنسية انتبهت إلى الأمر، وشدّدت منذ البداية على ضرورة عدم الخلط. لا أكف عن القول إن الخلط بين المسلمين والإرهابيين أمر لا يطاق، فالمسلمون هم أول ضحايا الاٍرهاب، ومثل هذه العمليات تتخذ من المسلمين جميعاً رهائن، لمجرد أنهم ينتمون إلى هذا الدين. يجب قول هذا بوضوح وتكراره دائماً. وهذا يحتاج منا إلى رصّ الصفوف جميعاً، لمكافحة هذه الآفة.  
 
لكن صدرت تصريحات مسيئة للمسلمين كـ"الفاشية الإسلامية" وغيرها، وهي تصريحات لا تساعد على التهدئة؟  
 
أعتقد أن رسالة السلطات الفرنسية كانت واضحة: لا خلط بين الأمور. والجمهورية الفرنسية منفتحة على الجميع، والدستور قائم على مبدأ العلمانية وحماية حقوق جميع الديانات ومن ليس لهم ديانة. لدينا رؤيتنا للأشياء، ولا نسعى إلى تصدير نموذجنا إلى الدول الأخرى. ولكن، على المقيمين في فرنسا احترام رؤيتنا القائمة على العلمانية وحرية الرأي.

المساهمون