مؤتمر شرم الشيخ: "الاقتصاد أولاً" لتحصين نظام السيسي

مؤتمر شرم الشيخ: "الاقتصاد أولاً" لتحصين نظام السيسي

12 مارس 2015
المؤتمر ترويج لنظام السيسي (getty)
+ الخط -
لا يمثل نجاح مؤتمر دعم الاقتصاد المصري، الذي يفتتح غداً في منتجع شرم الشيخ بجنوب سيناء، عاملاً لجذب الاستثمارات الخليجية والأوروبية إلى مصر فحسب، وإنما قد يكون ورقة مهمة لتحصين نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي. أما فشل المؤتمر، فمن شأنه بالتالي أن يشكل ضربة قاسية تهزّ من شرعية السلطة القائمة.

بحسب السيسي، فإنّ الهدف الأول للمؤتمر يتمثل في جذب الاستثمارات للبلاد. وقال إنّه سيعرض خلاله الأنظمة التشريعية الجديدة التي وضعتها الحكومة لفتح الأسواق أمام المستثمرين العرب والأجانب، بما في ذلك تسهيل حصولهم على الأراضي وممتلكات الدولة العقارية بنظام حق الانتفاع لثلاثين سنة قابلة للتجديد، بالإضافة إلى استحداث منظومة تصالح مع المستثمرين في قضايا الاستيلاء على المال العام والأراضي والفساد، وتشكيل لجان للحد من وصول مشاكل الدولة مع المستثمرين إلى التحكيم الدولي.
يعتقد السيسي أنّ هذه المحفزات ستؤدي إلى دخول رجال الأعمال من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا إلى السوق المصرية بقوة، مما يحسن صورة نظامه أمام هذه الدول، وبصفة خاصة العواصم التي لم يزرها أو ماتزال متحفظة على أدائه في بعض الملفات، مثل واشنطن وبرلين ولندن.


اقرأ أيضاً (مصر تعتزم طرح 20 مشروعاً خلال المؤتمر الاقتصادي)

ويصف مسؤول في وزارة الخارجية المصرية المؤتمر، بأنّه ترويجي في المقام الأول. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ إبراز مصر كدولة منفتحة اقتصادياً، وعلى استعداد لتحويل جزء من أراضيها إلى مركز لوجيستي واقتصادي عالمي، يساهم في إعادة الحيوية إلى بعض العلاقات الثنائية التي أُصيبت ببعض القصور، سواء عقب الإطاحة بنظام "الإخوان المسلمين" أو قبل ذلك، وبالتالي إبراز الملفات الاقتصادية كالعنصر الأبرز والأكثر أهمية في عهد السيسي كرئيس للبلاد.

وحول سبب استضافة المؤتمر الاقتصادي لدول أفريقية فقيرة، قال المسؤول نفسه الذي فضل عدم نشر اسمه، إن "الدولة تسعى لاستعادة مكانتها الأفريقية والظهور أمام الدول الأوروبية كرائدة للقارة السمراء، وهو الدور الذي يزيد من ثقل مصر إقليمياً، وكانت قد تخلت عن أدائه منذ منتصف التسعينيات وحاول الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لعبه حتى اندلاع الثورة الليبية".
واستطرد "وفي سبيل استعادة هذه الريادة على المستوى الاقتصادي، لعب دور الوسيط في اتفاقيات محتملة بين المستثمرين ودول أفريقية، أو الدخول كطرف ثالث في بعض الاتفاقيات كدولة وسيطة أو مركز إمداد لوجيستي، وهو ما ستركز عليه الوزارات المعنية خلال المؤتمر، وستطرحه صراحة، على أن تتم الاستفادة من المشروعات المرتقب تنفيذها لتنمية منطقة قناة السويس".

ويتابع المصدر نفسه، أنّ "ذلك سيترافق مع محاولة التقليل من طرح المسائل الخلافية المرتبطة بالعلاقات مع المعارضة والحريات وحقوق الإنسان، ومن باب أولى كيفية الوصول إلى الحكم ومدى ملاءمة المسار الذي تعيشه مصر مع الأهداف الديمقراطية للثورة الشعبية في يناير/ كانون ثاني 2011".

وفي ظل لافتة "الاقتصاد أولاً"، ينوي السيسي التوسع في الحرب ضدّ "الإرهاب"؛ ففي الحوار الأخير الذي أدلى به لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية، أشار إلى أنّ بلاده جزء من التحالف الدولي ضدّ الإرهاب بحربها على تنظيم (ولاية سيناء) التابع لتنظيم "داعش"، لكن كونه مع هذا الحديث الذي يصبّ في خانة أن مصر لن تحارب خارج أرضها، فإنه فتح الباب مرة أخرى لتشكيل قوات عربية مشتركة، وهو المقترح الذي يتبناه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ويحاولان إقناع الدول الخليجية به.

وتحت عنوان "الاقتصاد أولاً" أيضاً، يريد السيسي إرجاء بعض الملفات العالقة التي تلح في طلبها بعض الدول، أبرزها الانتخابات البرلمانية التي تحدثت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، عقب صدور الحكم القضائي بوقفها، عن أنّ نجاح المؤتمر الاقتصادي في كسر الجمود الذي يكتنف العلاقة مع الولايات المتحدة وألمانيا سوف يؤجل الانتخابات إلى أمد بعيد، وربما إلى نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل.


ولا يزال نظام السيسي منقسماً بشأن الانتخابات. وبحسب مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، فأنّه يبدو راضياً لوجود برلمان هادئ تطغى عليه نزعة "دولتية" بعيدة عن الثورية والمباركية، إلا أنّ جناحاً متشدّداً في النظام مثل الذي يقوده مستشاراه فايز أبوالنجا وأحمد جمال الدين، وصهره رئيس أركان القوات المسلحة محمود حجازي؛ صاحب اليد العليا في الاستخبارات الحربية، لا يرى داعياً لوجود برلمان منتخب قد يعوق تنفيذ أفكار الرئيس. وهذا الجناح تسانده شخصيات بارزة أخرى في القوات المسلّحة والحكومة.

يأتي ذلك في وقت يتلقى السيسي نصائح من مقرّبين كعمرو موسى وكمال الجنزوري ومحمد حسنين هيكل، بضرورة انتخاب برلمان يقلّل من الضغوط الدولية عليه، ويكون متنفساً للأحزاب التي بدأت تتسرّب من مظلة تحالف 30 يونيو/ حزيران 2013 بتكرار صدور تصريحات نقدية لسياسات الدولة.

غير أنّ إرجاء الانتخابات لعدّة أشهر ليس مضرّاً لهذه الأطراف جميعاً؛ فهي فرصة جيدة حتى للحكومة لإعادة صياغة قوانين الانتخابات على نحو لا يسمح للمحكمة الدستورية بالتدخل مرّة أخرى لبعثرة الأوراق، أو تدخل من حيث لا يحتسب النظام من خلال دوائر القضاء العادي والإداري التي يصعب السيطرة عليها جميعاً.
أما الملف الثاني الذي يريد السيسي تأجيله فهو الخاص بالحريات، ويشمل عدداً من المحاور، في مقدّمتها تنفيذ وعوده بالإفراج عن الشباب المحبوسين، وهو ما أعاقه جمال الدين الذي يتولى منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن خلال شهر فبراير/ شباط الماضي. وأكّدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ جمال الدين "حذّر السيسي من غضب في أوساط القضاء والداخلية إذا شمل العفو أيّاً ممن صدرت ضدّهم أحكام جنائية ولم ينظر الطعن فيها حتى الآن".

المحور الآخر في الملف نفسه، يتعلق بتنفيذ توصيات دولية وأوروبية وأميركية، عديدة وصريحة، بتعديل قانون التظاهر وقوانين وقرارات أخرى يمكن وصفها بـ"سيئة السمعة"، كالتي تعوق عمل منظمات حقوق الإنسان في البلاد، وهو ما لا يتحمس السيسي ومستشاروه شخصياً له في الوقت الحالي، من باب إحكام القبضة الأمنية والحدّ من تأثير المنظمات التي ساهمت في تحريك الشارع ضدّ مبارك ثم المجلس العسكري و"الإخوان".

المساهمون