البشير نحو صفقة جديدة: ترك الإسلاميين مقابل دعم اقتصادي

البشير نحو صفقة جديدة: ترك الإسلاميين مقابل دعم اقتصادي

28 فبراير 2015
البشير رفض ظهور الطابع الدولي لـ"الإخوان" بالسودان (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن المشهد السوداني سيشهد تغييرات كبيرة، تتمثّل باتخاذ النظام الحاكم في الخرطوم مواقف حاسمة، تجاه الحركات الإسلامية في الإقليم والعالم، والتي يُعتبر جزءاً من أفكارها، وإن ظل ينفي مراراً انضمامه لمنظومة التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين".

فالتصريحات الأخيرة للرئيس السوداني عمر البشير في الإمارات، ووصفه التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين" بالمُهدِد، فتح الباب أمام تساؤلات حول تنصّل الخرطوم من حلفائها الاستراتيجيين، من الإسلاميين، وتقديمهم كقرابين تضحية لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً، فضلاً عن دول الخليج، وخصوصاً أن الاتهامات ظلت تلاحقها طوال الفترة الماضية، برعاية ودعم الحركات الإسلامية ومساعدتها للوصول إلى السلطة في دولها.

وأكد البشير من الإمارات، رفضه القاطع لظهور الطابع الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين" في السودان، مشيراً في الوقت نفسه، إلى حق الدول في اتخاذ ما تراه مناسباً لخدمة أمنها واستقرارها، في إشارة لقرارات بعض دول الخليج، وبينها الإمارات في إدراج الجماعة كحركة إرهابية.

في المقابل، فإن الحركة الإسلامية السودانية، تم فصلها من التنظيم الدولي لـ"الإخوان" منذ العام 1977، عندما رفضت مبدأ أن يكون للتنظيم مرشد تتبع له كل الحركات الإسلامية في العالم، كما طالب التنظيم في مؤتمر دولي وقتها، بتحقيق تنسيق متطور في ما بين الحركات الإسلامية، فضلاً عن تبادل المعلومات والتجارب والخبرات والتدريب والتأهيل والرؤى حول العالم والإقليم، ولكن تحفظات السودان، ورفضه لتبعية المرشد، قاد "إخوان مصر" لاتخاذ قرار الفصل. إلا أن علاقات الحركة الإسلامية السودانية ظلت مستمرة ومتطورة مع الحركات الاسلامية بشكل منفصل، في كل من المغرب وموريتانيا وفلسطين واليمن وتونس، والأخيرة تُعدّ وليدة للحركة الإسلامية السودانية.

وبعد عام من وصول الحركة الإسلامية إلى الحكم في السودان، عبر انقلاب عسكري، أوجد زعيم الحركة حسن الترابي وقتها، فكرة تأسيس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، الذي أشرف عليه بنفسه، وعمد إلى دعوة زعماء التيارات الإسلامية العاملة والناشطة سياسياً وعسكرياً، إلى الخرطوم، وفتح البلاد على مصراعيها أمام تلك المجموعات لتدخل من دون تأشيرة دخول، لتدير أعمالها من هناك.

وفي فبراير/شباط من العام 1991، وصل إلى البلاد قائد الجماعة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي، فضلاً عن عباسي مدني وعلي بلحاج من الجزائر، وقادة الجهاد الأفغاني برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار، وكانت دولة المجاهدين الأفغان قد استولت لتوها، على السلطة في أفغانستان عقب اغتيال بابراك كارميل.

كما توجّه أيضاً إلى الخرطوم قائد تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، الذي مكث في الخرطوم لستة أعوام منذ العام 1991، إضافة إلى كارلوس (ثعلب الصحراء)، ورئيس المكتب السياسي الحالي لـ"حماس" حالياً خالد مشعل، وغيرهم من القادة الإسلاميين.

اقرأ أيضاً: القضاء السوداني: سلاح النظام لترهيب المعارضة

لكن المشهد تبدّل في العام 1999، مع خروج الترابي من السلطة وتشكيله حزباً معارضاً، سماه "المؤتمر الشعبي"، عقب الخلافات التي دبت بين الترابي والبشير فيما يتصل بعملية انتخاب حكام الولايات. فبينما كان البشير يتمسّك بتعيين الحكام، أصرّ الترابي على أن يتم انتخابهم بشكل مباشر من قِبل الشعب، وعمد إلى إقرار ذلك عبر تعديلات دستورية في البرلمان الذي كان يرأسه، إلى أن قطع عليه البشير الطريق فيما يُعرف بقرارات "الرابع من رمضان"، عبر حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، فضلاً عن إقالة الترابي لاحقاً من منصبه كأمين عام للحزب الحاكم.

إلا أن المتابع للقرارات وقتها، يجد أنها جاءت بعد إحكام الضغوط الغربية على البلاد، وقصف مصنع الشفاء في الخرطوم من قِبل الطيران الاميركي، بحجة احتوائه على أسلحة نووية، فضلاً عن إدراج الولايات المتحدة اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرض عقوبات اقتصادية عليه، ظل يعاني منها حتى الآن.

إبعاد الترابي عن السلطة، وهو زعيم الإسلاميين والعقل المفكر للحركة في البلاد وقتها، أثار الكثير من الشكوك في السودان، حتى إن البعض ما زال يؤمن أن ما جرى مجرد مسرحية، قام بإخراجها عدد محدود من الأشخاص لفك الحصار الغربي عن السلطة في البلاد، وضمان استمرار الحكم الإسلامي في السلطة، ولا سيما أن علاقات السودان الخارجية شهدت تطوراً عقب هذه الأحداث، وتمكّنت الخرطوم بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الأميركية، من تطوير علاقاتها مع واشنطن، ولعبت دوراً استخباراتياً كبيراً فيما يتصل بجهود الولايات المتحدة لـ"محاربة الإرهاب". وقامت السلطات السودانية بتسليم واشنطن عدداً من الإسلاميين المتشددين، كما عمدت إلى طرد من تبقّى منهم، وأغلقت مركز الأقصى التابع لحركة "حماس"، لتنتقل جميع قيادات الأخيرة إلى اليمن وقتها.

وفي العودة للمشهد الحالي وما يحدث من صعود للجماعات المتشددة، وشنّها عمليات عسكرية في سورية والعراق وليبيا وأفريقيا، فإن السودان يُعتبر دولة محورية خصوصاً في ما يتصل بمصر وليبيا وتشاد ونيجيريا، والدور الذي يمكن أن يلعبه لمحاصرة تلك الجماعات الإسلامية، بما فيها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، باعتباره من الدول القلائل التي تملك معلومات استخباراتية من الدرجة الأولى بشأن تلك الجماعات. وهذا الأمر يفسر المحاولات الأميركية والمصرية والخليجية الأخيرة، لا سيما من قِبل الإمارات والسعودية، لاستمالة الخرطوم نحو المحور الخاص بقتال المتشددين.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت إبان زيارة البشير إلى دولة الإمارات، أن الأخيرة عرضت على الرئيس السوداني، المساهمة بشكل فعال في محاربة المتشددين وتنظيم "داعش"، وخصوصاً في ليبيا، باعتبارها تشكّل تهديداً مباشراً لدول الخليج، وفي المقابل ستعمد هذه الدول إلى مساعدة السودان اقتصادياً، وستشارك في الدفع بعجلة السلام الداخلي في السودان.

هذا الأمر تُرجم في اليوم الثاني من زيارة البشير إلى الإمارات، إذ وقّع الطرفان اتفاقية بقيمة 90 مليون دولار لتمويل سدّين سودانيين، كانت الإمارات ترفض تمويلهما سابقاً.

وأقرّ وزير الخارجية السوداني علي كرتي في تصريحات صحافية، أن الجمود الذي لحق بعلاقة السودان والإمارات، كان بسبب اختلاف المواقف السياسية، قائلاً: "كانت هناك حاجة للحوار حول بعض الموضوعات لإحداث توأمة حولها".

وأوضح أن "الحوار بين البلدين الذي سبق الزيارة، ساعد في تقريب وجهة النظر بين البلدين في قضايا إقليمية وأمنية"، مؤكداً أن زيارة البشير تجاوزت المسائل الأمنية، لتتطرق للمصالح المشتركة والاستثمار واحتياجات الخرطوم في هذه الفترة. وكشف عن وعد إماراتي بأن تكون الحكومة الإماراتية أكبر مستثمر في السودان، لافتاً إلى أن "الزيارة أعطت فرصة للسودان لأن يبرم اتفاقيات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وليس الإمارات وحدها".

وعلى الرغم من أن المؤشرات باتت واضحة، بشأن توجّه الخرطوم للتخلي عن الإسلاميين، منحازة نحو تحقيق مصالحها، ولا سيما أنها تعيش وضعاً اقتصادياً قاسياً، فإن النظام السوداني اتخذ في فترات سابقة قرارات متشددة ضد الإسلاميين، ولكنه ظل محتفظاً بعلاقات قوية معهم. فبعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على أحداث 1999 وإبعاد الترابي، ما زال النظام الحاكم يُتهَم دولياً وإقليمياً بدعم الجماعات المتشددة والإسلامية، الأمر الذي يؤكد أن الحكومة السودانية تعمد للاحتفاظ بالإسلاميين كأوراق ضغط، بسبب عدم ثقتها في الوعود الغربية أو الإقليمية، كما أنه من الواضح أن هناك تيارين داخل النظام، أحدهما لديه علاقات قوية بتلك المجموعات.

ويستبعد المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن تعمد الخرطوم هذه المرة إلى التخلي عن تحالفاتها مع الإسلاميين، قبل أن تقبض ثمن ذلك، أولاً: عبر إحداث تحوّل حقيقي فيما يتصل بالحصار الاقتصادي المفروض عليها، فضلاً عن رفع اسمها عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، باعتبار أنها سبقت وقدّمت الكثير في هذا المجال، من دون أن تجني أي مقابل.

ولا يتوقّع أبو الجوخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "يتخلى السودان عن الإسلاميين بشكل كامل، وإنما سيضمن أن يكونوا في المشهد السياسي، وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه في ليبيا ومصر".

ويؤكد أن هناك خطورة إذا انتقلت الخرطوم إلى المحور السعودي الإماراتي المصري، ولا سيما إذا تم ذلك في ظل حالة الاحتقان الداخلي، بين الحكومة والمعارضة المسلّحة والسلمية، باعتبار أن ذلك قد يترتب عليه ظهور طرف ثالث، ممثّل في الجماعات الإرهابية التي عادة ما تنشط في تلك الحالات، "خصوصاً أن هناك أطرافاً داخل النظام نفسه، لديها أفكار جهادية، ويمكن أن تكون عناصر حقيقة وفاعلة لتلك المجموعات".

من جهته، يرى القيادي في "المؤتمر الشعبي" المعارض أبوبكر عبد الرازق، أن سياسة البلاد الخارجية ظلت تقوم على البراغماتية، الأمر الذي يدفع النظام لتقديم كل شيء من أجل تحقيق مصالحه المتمثلة في الاستمرار في السلطة.

ويعتبر عبد الرازق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أحد أسباب أحداث 1999 الشهيرة، تقديم الحركة الإسلامية كقربان تضحية للتقرّب من الولايات المتحدة والدول النافذة عالمياً، لكي يستمر أركان النظام في السلطة، الأمر الذي جعل النظام الحالي يغادر محطة التوجه الإسلامي، منذ ذلك العهد، مشيراً إلى أنه "لا يمكن التحدّث عن حركة إسلامية حاكمة في البلاد، وإنما حزب سياسي عادي، يمكن أن يقدّم كل التضحيات في سبيل السلطة".

ويؤكد أن علاقة النظام الحالي بالحركة الإسلامية، ظلت تشهد تقارباً وتباعداً منذ العام 1999، إلى أن بدأت تشهد تحسناً بعد ثورات الربيع العربي، ووصول عدد من الإسلاميين إلى الحكم خصوصاً في مصر، لافتاً إلى أنه "بعد إزاحة الإسلاميين عن الحكم في مصر، عاد النظام السوداني إلى سياسة المصالح على حساب العلاقة مع الإخوان".

ويرى عبد الرازق أن "واشنطن تضغط لتحقيق مصالحها، باستخدام الخرطوم في ترويض الإسلاميين أو محاورتهم، بالاستناد إلى علاقات السودان القديمة بالإسلاميين، لا سيما أن الخرطوم تمثّل مركز معلومات، فيما يتصل بالجماعات الإسلامية التي احتضنتها في وقت من الأوقات، وبعضها كان جزءاً من المؤتمر الشعبي العربي، والآخر يُعتبر وليداً شرعياً للحركة الإسلامية السودانية، وتشبّع من أفكارها".