لجنة التحقيق بسقوط الموصل ستدين المالكي

لجنة التحقيق بسقوط الموصل ستدين المالكي

26 فبراير 2015
المالكي حاول تصوير حراك العشائر بأنه إرهاب (Getty)
+ الخط -
تعود أصابع الاتهام مرة أخرى لتُوجَّه إلى رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، حول مسؤوليته المباشرة أو غير المباشرة عن سقوط الموصل ومدن عراقية مجاورة لها بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في يونيو/حزيران الماضي، لكن الاتهامات هذه المرة تأتي من لجنة التحقيق البرلمانية التي شُكّلت للتحقيق بهذه القضية، وهي أضافت معلومات وقرائن جديدة تعزز سيناريو تورّط المالكي في هذه القضية التي خلّفت عشرات الآلاف من القتلى العراقيين وملايين المهجرين.

ويرد في تحقيق اللجنة أيضاً أسماء شخصيات أخرى مقرّبة من المالكي، أبرزها صهره المدعو حسين المالكي، المعروف بأبو رحاب، والذي كان يشغل منصب سكرتير المالكي الشخصي، ونجل رئيس الوزراء السابق، أحمد الذي كان يتولى عدداً من الملفات الأمنية والعسكرية خلال حقبة رئاسة والده للحكومة.

وبدأت اللجنة قبل شهرين بعملها، وهي مؤلفة من 25 عضواً ويترأسها رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حاكم الزاملي، وقامت باستضافة 50 شخصية، أبرزها رئيس أركان الجيش بابكر زيباري ومعاونه الفريق الأول الركن عبود قنبر، وقائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان، وقائد قوات الجيش في الموصل الفريق الركن مهدي الغراوي، وقادة فرق وألوية عسكرية، فضلاً عن ضباط برتب مختلفة وأعضاء الحكومة المحلية في نينوى. كما تم جلب سجل اتصالات القادة العسكريين مع مكتب رئيس الوزراء ومقر وزارة الدفاع في بغداد قبل 72 ساعة من سقوط الموصل، بعد صدور أمر قضائي ألزم شركات الاتصال بإرسال نص المكالمات الهاتفية تلك.

وتستعد اللجنة ذاتها الى إكمال عملها في الشهرين المقبلين، باستدعاء باقي الشخصيات ذات الصلة وأبرزهم المالكي نفسه، ووزير دفاعه سعدون الدليمي ومحافظ نينوى أثيل النجيفي، وسط شكوك بامتناع المالكي عن الحضور لجلسات التحقيق.

ويكشف وزير عراقي في حكومة حيدر العبادي لـ"العربي الجديد"، عن وجود "معطيات جديدة لدى لجنة التحقيق تكشف عن تسبّب المالكي بإسقاط الموصل بيد داعش من خلال أوامر أصدرها للجيش والشرطة الاتحادية تتعلق بانسحابهم من الحدود مع سورية والجهة اليمنى من الموصل، وعدم الاستجابة لنداءات الجيش بتعزيزه بقطعات إضافية وغطاء جوي، بحسب مجالس التحقيق الانفرادية التي تمت مع الضباط العسكريين المفروض عليهم الإقامة الجبرية لحين انتهاء التحقيق".

ويقول الوزير، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "اللجنة بغالبية أعضائها خلصت إلى نتيجة واحدة، هي أن المالكي شكّل عامل مساعدة لداعش بقصد أو غير قصد، لاحتلال الموصل من قِبل مئات المقاتلين الذين توافدوا على المدينة من محاور ربيعة والجزيرة والحضر المحاذية لسورية، والتي يسيطر عليها التنظيم منذ أشهر طويلة، وساهم بمنع قوات الفرقة الثانية ممثلة باللواء الثامن واللواء الثاني والأربعين بالجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية من منع داعش من دخول العراق".

اقرأ أيضاً: حزب الله يتوسط بين العبادي والمالكي

ويضيف الوزير أن ستة من الضباط الذين تم استجوابهم في البرلمان بتواريخ 13 و18 و21 و29 من الشهر الماضي، أكدوا أنه تم إبلاغ المالكي بطبيعة الموقف في الجانب الأيمن من الموصل يوم الثامن من يونيو/حزيران الماضي، ووجود جيوب مسلّحة من غير أبناء العشائر، مطالبين بتحريك قطعات عسكرية من مدينة الشرقاط المجاورة للموصل للسيطرة على الموقف.

كما أبلغوه بوجود المئات من مقاتلي "داعش" على الحدود مع سورية مطالبين بغطاء جوي، لكنه بدلاً من ذلك أمر بسحب اللواء الثامن واللواء الثاني والأربعين من الحدود والإبقاء على حرس الحدود "وهم من المنتسبين العرب السنة ومن أهالي نينوى ومن عشائر الحمدان وشمر وعنزة والجبور حصراً"، وقد تشكلت تلك الفرقة زمن الاحتلال الأميركي على حد تعبير الوزير نقلاً عن أجواء لجنة التحقيق البرلمانية. واستمر الحال على ما هو عليه حتى لحظة انهيار الحدود ومقتل العشرات من حرس الحدود، من دون أن يكون هناك أي ردة فعل من المالكي، الذي اكتفى بمشاهدة سقوط كامل الجانب الأيمن من الموصل، ليخرج ويفاجئ الجميع بقوله إن ما يشهده العراق ليس ثورة عشائرية، بل هم إرهابيون يسعون إلى السيطرة على الموصل، وسنقوم بسحقهم خلال ساعات. ولكن خلال ذلك كان "داعش" يستقطب العديد من أهالي الموصل الغاضبين من المالكي وسياساته، حتى تضخم عدد التنظيم بالتزامن مع توافد أعداد أخرى من سورية، بحسب المصدر الوزاري دائماً.

وينقل الوزير عن محاضِر لجنة التحقيق المسربة، أن "المالكي أعطى أوامر مباشرة لثلاثة من قادة الجيش بالانسحاب من شوارع وطرقات الجانب الأيسر من الموصل، بعد سقوط جانبها الأيمن، والتمركز في قاعدة الغزلاني العسكرية، لإعادة وضع خطة عسكرية ومعالجة الوضع، وهو ما سبّب ابتلاع داعش للجانب الأيسر خلال ساعات، ليُهاجم معسكر الغزلاني ويوقع عدداً كبيراً من القتلى في صفوف الجيش، ويصادر أكبر مخازن الجيش العراقي، والذي يضم أسلحة ومعدات وعربات أميركية" حصلت عليها بغداد ضمن صفقة في العام 2010، وكانت مخصصة لأمن الموصل بالذات.

ويكشف الوزير أن "اللجنة وجدت أوامر المالكي التي أصدرها بسحب الجيش من الحدود المشتركة مع سورية، ومثلها في الجانب الأيسر، غير منطقية ولا مقبولة"، مشيراً إلى أن "تقرير اللجنة النهائي الذي صدر بعد انتهاء استجواب القادة والضباط الخمسين، قضى بضرورة استدعاء المالكي، ليس باعتباره شاهداً، بل متهماً كباقي الذين تم استدعاؤهم، وهناك إشارات إلى تورطه بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما ستحدده اللجنة".

ويلفت الوزير العراقي إلى أن "عضوين من أصل ستة أعضاء في مجلس محافظة نينوى ممن تم استدعاؤهم، اتهما المالكي بتسهيل سقوط الموصل لأسباب أبرزها محاولة إكساء حراك العشائر المسلح ضده ثوب الإرهاب بعد الموقف الدولي الذي دعاه إلى التحاور مع العشائر وتلبية مطالبها الأربعة عشر، فضلاً عن أن اختلال الأمن في الموصل سيعني خسارة منافسيه السنّة في الانتخابات نحو مليوني صوت انتخابي في المحافظة، وهو ما ينص عليه قانون الانتخابات العراقية بإلغاء الانتخابات في المدينة التي لا تتوفر فيها شروط الأمن والسلامة للناخبين وموظفي الاقتراع".

وتشدد شهادات أعضاء من محافظة نينوى على أن "الأمور خرجت عن سيطرة المالكي، فالجيش الذي انسحب على مشارف الموصل سرعان ما انهار مع كمّ الانتحاريين الهائل والأسلحة التي استولى عليها داعش من قاعدة الغزلاني في الموصل، وتقدُّم مسلحي التنظيم لابتلاع مدن الشرقاط والجزيرة وتل الرمان وتلعفر ومخمور ومكحول وصولاً إلى حدود أربيل غرباً وحدود الأنبار المنهارة أصلاً جنوباً، ثم تلتها عملية سقوط تكريت وأجزاء من كركوك ثم مدن العوجة والحويجة وحمرين وبلد والعلم والضلوعية ونحو 40 في المائة من ديالى، ليكمل داعش حلقته العراقية بربط تلك المدن مع مدن الأنبار الغربية الخارجة أصلاً عن سيطرة المالكي منذ مطلع عام 2014".

وما زال القضاء العراقي يمنع 63 قائداً في الجيش العراقي ومسؤولاً محلياً في الموصل من السفر، ويفرض عليهم الإقامة داخل العراق إلى حين انتهاء اللجنة من أعمالها، فيما يحظى المالكي الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية بحصانة سيادية تمنع بموجبها فرض عقوبات بحقه كالآخرين لكنها تجيز استجوابه في تلك اللجنة.

ويؤكد عضو لجنة التحقيق أحمد الجبوري، أنها قررت استدعاء المالكي للتحقيق معه بعد اكتمال التحقيق مع جميع الأشخاص المتصلين بملف الموصل، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "اللجنة ستستضيف وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي خلال الفترة القريبة المقبلة، لاستكمال ملف التحقيق"، معلناً أنه "لن يتم إعلان أي نتائج قبل اكتمال التحقيق، كما لن يتم محاباة أحد وستُعلن النتائج من قِبل رئاسة البرلمان وليس من اللجنة المكلفة".

وكان نائب رئيس اللجنة شاخوان عبد الله، أعلن في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، وجود "أسماء جديدة ظهرت خلال استجواب القيادات الأمنية والإدارية"، معتبراً أنه "لا يمكن تبرئة القائد العام السابق نوري المالكي من المسؤولية، باعتباره القائد ومصدر الأوامر"، مشدداً على أن "القيادات التي فشلت في إدارة المعركة تم اختيارها من قبله، فضلاً عن ملفات أخرى توصلنا اليها وإن صحت الدلائل والمعلومات، فسيكون المالكي من الأسماء التي سيتم التحقيق معها".

إقرأ أيضاً: ائتلاف المالكي يهدّد بحقائق تقلب مجريات تحقيق الموصل
إقرأ أيضاً: هكذا سُلّمت الموصل لـ "داعش"