إسرائيل وانهيار السلطة الفلسطينية: قلق العسكر ولا مبالاة السياسيين

إسرائيل وانهيار السلطة الفلسطينية: قلق العسكر ولا مبالاة السياسيين

07 ديسمبر 2015
تخوّف إسرائيلي من شرارة تؤدي لانهيار السلطة (شادي حاتم/الأناضول)
+ الخط -


في خطوة مفاجئة، اختار وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الدورة السنوية لمنتدى سبان، (على اسم رجل الأعمال الإسرائيلي-الأميركي حاييم سبان)، للتحذير من أن إغلاق الطريق أمام حل الدولتين يعني، في نهاية المطاف، الاتجاه نحو حل دولة ثنائية القومية، ولكن ليس قبل انهيار السلطة الفلسطينية، وانتشار الفوضى الأمنية في الضفة الغربية، مما سيضطر جيش الاحتلال إلى نشر عشرات آلاف الجنود في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن تحذيرات كيري هذه، لم تكن الأولى من نوعها، إلا أنه استدرك في محاولة لمنع خوض صدام تام مع حكومة الاحتلال، عندما قال إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه، كرئيس للحكومة، لا يزال يعلن تأييده حل الدولتين، مع وجود وزراء آخرين في الحكومة يكررون رفضهم مبدأ حل الدولتين.

ومع أن تحذيرات كيري هذه، ليست جديدة، إلا أنها أعادت إلى دائرة الضوء سيناريوهات إسرائيلية، قوامها الأساسي تقديرات من المستوى العسكري في إسرائيل وليس السياسي، تحذر من انهيار مطلق للسلطة الفلسطينية بعد انهيار وتوقف التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية وبين جيش الاحتلال.

وكان الكابينيت السياسي والأمني، قد ناقش، باعتراف صحيفة "هآرتس" في 27 من الشهر الماضي، احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية، حيث تبين في المداولات، أن بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً من حزب "البيت اليهودي"، يعتبرون أن مثل هذا الخيار قد يكون، في نهاية المطاف، في صالح إسرائيل في المرحلة الحالية، لجهة تحللها من التزامات تجاه السلطة الفلسطينية، من جهة، وتسهيل مسألة ضم المنطقة "سي" من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل بصورة نهائية مع منح سكانها الفلسطينيين جنسية إسرائيلية.

وعلى الرغم من أن نتنياهو اعتبر في تلك الجلسة التي انعقدت، على ما يبدو في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول، أن هذا الأمر سيء للغاية، وعاد وكرر التصريحات نفسها، خلال قمة المناخ العالمية في باريس، عندما أعلن أن إسرائيل لا تحبذ انهيار السلطة الفلسطينية وتسعى لمنع حدوث ذلك، إلا أنه يبدو أن هذه القضية تشغل بشكل أساسي المستوى العسكري، وتحديداً قادة الجيش في إسرائيل، الذين أشادوا أكثر من مرة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، بالدور المهم الذي تقوم به أجهزة الأمن الفلسطينية في إخماد نار الانتفاضة وخفض ألسنتها ومنع انتشارها في مختلف أنحاء الضفة الغربية.

مع ذلك اعتبر موقع "والاه" الإسرائيلي، أن التصريحات الأخيرة لكيري، بمثابة وضع الأصبع على "الجرح الإسرائيلي"، وأن مثل هذا الانهيار بات حقيقياً وممكناً، وكل ما ينقصه شرارة واحدة كفيلة، أن تجر خطوات رد فعل إسرائيلية شديدة على هيئة خطوات ضد السلطة الفلسطينية حتى تنهار الأخيرة كلياً.

وبحسب تقرير الموقع الإسرائيلي، فإن قيام شرطي أو عنصر من الأجهزة الأمنية الرسمية في السلطة الفلسطينية بتنفيذ عملية توقع ضحايا إسرائيليين، قد تكون القشة التي ستدفع بحكومة نتنياهو إلى فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية كوقف تحويل الميزانيات وأموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، ما من شأنه جعل السلطة في حالة خطرة للغاية، وفي حال اتبعت الحكومة الإسرائيلية ذلك بعملية اجتياح برية فإن ذلك سيعني نهاية السلطة.

واعتبر موقع "والاه" أن "العملية" التي نفذها الأسبوع الماضي، الضابط في الاستخبارات الفلسطينية، مازن حسن عربية، وقيام كبير المفاوضين في السلطة، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، بزيارة تعزية أهل الشهيد، بمثابة دليل على انهيار العلاقات بين السلطة الفلسطينية وبين إسرائيل، لدرجة أن سيناريو انهيار السلطة الذي طرحه كيري أمام منتدى سبان، بات معقولاً ومنطقياً. وبحسب الموقع الإسرائيلي، يبدو أن الإدارة الأميركية وعلى الرغم من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في المنطقة، خلال السنوات الماضية، إلا أنها نجحت في قراءة صحيحة وتشخيص دقيق للحالة الحرجة في الضفة الغربية.

وأقرّ الموقع عبر مراسله آفي سيسخاروف، أن هذا السيناريو هو كابوس بالأساس للأجهزة والمستوى العسكري في إسرائيل، في الوقت الذي يشكّل أمنية لرجال اليمين الإسرائيلي في حزب "البيت اليهودي". مع ذلك رأى سيسخاروف أن هذا السيناريو لن يتحقق دفعة واحدة بل سيكون نتيجة عملية متواصلة من التدهور المستمر حالياً، في مكانة السلطة الفلسطينية من جهة، والخطوات الإسرائيلية الرامية لإضعاف السلطة أكثر فأكثر.

ومع إقرار الأطراف الإسرائيلية المختلفة، بما في ذلك نتنياهو نفسه، بمساهمة أجهزة الأمن الفلسطينية في منع الاحتكاك، وضمان عدم انتقال الانتفاضة، وتحوّلها إلى فعل جماهيري وشعبي، وليس مجرد انتفاضة أفراد، فإن عملية الشهيد عربية عند حاجز حزما أطلقت أجهزة الإنذار عند الجيش الإسرائيلي وقيادته العسكرية الميدانية، تحسباً من وقوع عملية مشابهة ينفذها أحد عناصر الأجهزة الأمنية.

اقرأ أيضاً: نتنياهو: لا أعوّل على عباس ونحاول منع انهيار السلطة

وكشف الموقع، في هذا السياق، أن منسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية الجنرال، يوآف مردخاي، يحافظ على اتصال دائم ومباشر مع قادة الأجهزة الفلسطينية، ناهيك عن اللقاءات المكثفة معهم في محاولة لضمان استقرار عملية التنسيق الأمني، إلا أن ذلك لا يطمس حقيقة الاعتقاد السائد لدى قادة الجيش بشأن وجود علامة تساؤل حول مدى استمرار عمليات التنسيق الأمني ومستواها ومدى الانضباط الذي يمكن أن يبديه عناصر الأجهزة الفلسطينية.

وبحسب السيناريو الذي يرسمه الجيش الإسرائيلي، فإن مسار انهيار السلطة أو انهيار التنسيق الأمني كمقدمة لانهيار السلطة، يبدأ من عمليات مشابهة للتي نفذها الشهيد عربية، ترد عليها إسرائيل بعملية واسعة وأشد عنفاً توقع عدداً كبيراً من الضحايا في الجانب الفلسطيني، مما يؤدي عندها إلى رد عنيف من العناصر الأمنية الفلسطينية من الدرجات الدنيا، يستهدف جنود الاحتلال أو المستوطنين، لتتدهور الأوضاع كلياً، على غرار ما حدث في الانتفاضة الفلسطينية الثانية عندما انضم عناصر من الأجهزة الفلسطينية إلى الانتفاضة، ونقلوها إلى مرحلة الانتفاضة العسكرية.

وبحسب السيناريو الإسرائيلي (لدى الأجهزة العسكرية تحديداً)، فإن ذلك قد يجسّد نقطة تحوّل تتخللها خطوة فرض عقوبات إسرائيلية على السلطة الفلسطينية واحتجاز مخصصاتها ورواتب العاملين فيها، لتتسع رقعة المنضمين من عناصر السلطة إلى الانتفاضة، وقد يدفع ذلك كله برئيس السلطة، محمود عباس، مع تفاقم الأمور، إلى الإعلان عن حل السلطة و"إعادة المفاتيح".

وبحسب سيناريو آخر فإن العملية برمتها قد تكون أقصر من ذلك بكثير في حال قررت منظمة التحرير سحب اعترافها بإسرائيل. عند هذه النقطة ستعم الفوضى وتعود اللجان الشعبية و"حماس" والفصائل إلى النشاط في الضفة الغربية، ما قد يدفع إسرائيل إلى إعادة احتلال الضفة من جديد على غرار ما حدث في عدوان "السور الواقي" عام 2002، مع فارق اضطرار الاحتلال إلى إعادة الحكم العسكري، لتتكبّد إسرائيل من جديدة عبئاً اقتصادياً هائلاً، والاتجاه نهائياً نحو وضع "الدولة الواحدة".

هذا السيناريو يُشكّل رعباً للأجهزة الأمنية وقوات جيش الاحتلال، لكنه ليس كذلك لليمين الإسرائيلي الذي يعتبر ذلك عودة إلى نقطة ما قبل اتفاق أوسلو، ومحو التزامات وتعهدات إسرائيل التي أفرزها الاتفاق، لكن من دون محو الإنجازات التي تحققت لها وفي مقدمتها مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من نحو 150 ألفاً إلى 400 ألف وتكريس فكرة الكتل الاستيطانية في أي اتفاق مستقبلي، من دون أن يكون للفلسطينيين عملياً أي عنوان موحّد قادر على مواجهة الاحتلال، ومن دون قيادة موحدة، ولو حتى مثل التي توفرت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

اقرأ أيضاً: هآرتس: "الكابينيت" يناقش احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية