خطة أوباما لتدمير "داعش" تمرّ بالتحالف مع "غير الحلفاء"

خطة أوباما لتدمير "داعش" تمرّ بالتحالف مع "غير الحلفاء"

07 ديسمبر 2015
وردت الخطة الجديدة في خطاب أوباما عن حال الأمة(Getty)
+ الخط -
يبدو أنّ هجوم كاليفورنيا، أخيراً، ومن قبله اعتداءات باريس الشهر الماضي، وما تلاهما من اتهامات للرئيس الأميركي باراك أوباما بالتخاذل والعجز عن مواجهة الخطر الذي يمثّله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على أمن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، فرض عليه إعلان تعديلات جديدة تتعلّق باستراتيجيته لمكافحة الإرهاب، وإنْ لاقت هي الأخرى انتقادات من معارضيه في الداخل.

وتضمّنت هذه التعديلات أربعة بنود؛ أبرزها، ملاحقة الإرهاب في أي بلد وليس في سورية والعراق فقط. أمّا البند الأكثر غموضاً، فيتعلّق بوقف لإطلاق النار في سورية بين أطراف لم تحدّدها الاستراتيجية التي تضمّنت في الوقت ذاته تصعيد الحرب الميدانية مع "داعش" باستهداف المنشآت النفطية في الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم. كما فتحت الاستراتيجية الجديدة باب الاحتمالات بأنّ إدارة الرئيس الأميركي في طريقها إلى التعاون مع روسيا، وربما مع حلفاء روسيا في سورية من أجل تحقيق الهدف المشترك المتمثل في القضاء على التنظيم.

وأعلن أوباما عن بنود النسخة المحدّثة، في سياق خطابه إلى الأمة، أمس الأوّل الأحد، وهو الثالث الذي يلقيه الرئيس الأميركي من المكتب البيضاوي منذ توليه المنصب. ومن المعروف، أنّ مخاطبة الشعب الأميركي من مكتب البيت الأبيض تحمل أهمية كبرى لارتباطها بالأحداث الكبرى.

لم يحصر أوباما الهدف من الاستراتيجية في تقويض إمكانات "داعش" تمهيداً لإلحاق الهزيمة به في نهاية المطاف، بل استخدم مصطلحاً أكثر قوة، هو "الإسراع" في تدميره. وعلى الرغم من هذا التعهد الرئاسي بـ"تدمير داعش وكل التنظيمات التي تحاول إلحاق الأذى بأمن البلاد"، لم يفلح في تطمين أصحاب المخاوف الحقيقية، ولا إرضاء أصحاب المصالح من دعاة الحرب، إذ إن خطابه استُغلّ على الفور في المنابر الإعلامية القوية التابعة لخصومه الجمهوريين، لتوجيه المزيد من الانتقادات، واتهامه بالاستمرار في مراضاة المسلمين حرصاً على مشاعرهم أكثر من حرصه على أمن بلاده، بحسب وصف الطامحين الجمهوريين البارزين لخلافته.

أبرز الإضافات

طرح أوباما في معرض خطابه "التطميني"، بضع نقاط، قال في نهاية تعدادها، "هذه هي استراتيجيتنا لتدمير داعش"، مؤكداً أنّها تحظى بدعم جنرالات الجيش الأميركي ومسؤولي مكافحة الإرهاب في أجهزة الاستخبارات الأميركية، فضلا عن 65 بلداً من أعضاء التحالف الدولي في الحرب الدائرة على تنظيم "الدولة".

ومن أبرز عناصر البنود الجديدة في تعديلات الاستراتيجية، الإشارة إلى أنّ "القوة العسكرية الأميركية ستُستخدم في ملاحقة الإرهابيين في أي بلد في العالم"، في مواكبة للتوسع الذي يحرزه "داعش" خارج سورية والعراق. ويندرج تحت هذا البند، الجهد الجاري لمحاربة التنظيم في سورية والعراق، إذ قال أوباما، إنّه "سيتم تصعيده"، مضيفاً عنصراً جديداً إليه، هو استهداف منشآت النقل والإنتاج النفطية التي تمثّل عصب الحياة لتمويل التنظيم مادياً. وكانت القوات الأميركية تتجنب، سابقاً، اللجوء إلى هذا الخيار خوفاً من التسبب في كارثة بيئية في المنطقة، بحسب ما علمته "العربي الجديد" من مصادر موثوق بها. ولم يهمل أوباما الأهداف الأخرى المدرجة في استراتيجيّته الأصليّة، مثل استهداف قادة التنظيم وأسلحته الثقيلة.

اقرأ أيضاً: أوباما يبشر بوقف إطلاق النار في سورية..تمهيداً لحل سلمي

هناك عنصر آخر في البند ذاته من الاستراتيجية الجديدة، يكمن في الاستفادة من تكثيف المساهمة الأوروبية في الجهد العسكري الذي تعهدت به كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا عقب هجمات باريس، وهو ما قال عنه أوباما، إنّه "سيساعد على التعجيل بتدمير داعش".

أما البند الثاني من التعديلات، فيتمثل في رفع رقم القوات السورية والعراقية التي سيتم تدريبها وتجهيزها إلى عشرات الآلاف بدلاً من "الآلاف"، بحسب التعهدات السابقة. ويبدو واضحاً أنّ الخلط بين القوات السورية والعراقية، لم يكن سوى محاولة من أوباما للهروب من مواجهة حقيقة الصعوبات التي تقف عائقاً أمام إدارته في تدريب قوات سورية موالية للولايات المتحدة. وقال أوباما، إنّ "مهمة هذه القوات ستكون حرمان عناصر داعش من ملذاتها الآمنة في البلدين".

وتحت البند الثاني، يأتي أيضاً العنصر الجديد الذي فرضته هجمات باريس، بحسب ما ورد في خطاب الرئيس الأميركي، وهو إرسال قوات نوعية من الوحدات الخاصة لتنفيذ عمليات خاطفة، ملمّحاً إلى أنه سيتم تصعيد العمليات البرية الخاصة بحسب الحاجة إليها ووفقاً للتقديرات الميدانية.

ويشمل البند الثالث من الاستراتيجية، مضموناً مكرّراً من خطابات سابقة يتعلق بالعمل الأمني مع الشركاء والأصدقاء لتجفيف مصادر تمويل التنظيم وإجهاض خططه وحرمانه من القدرة على تجنيد واستقطاب أتباع جدد. لكن الجديد في هذا العنصر، هو إشارة أوباما إلى أنّ حجم التعاون الأمني وتبادل المعلومات في هذا المجال مع الدول الأوروبية شهد تحسناً ملحوظاً بعد هجمات باريس، مشيراً كذلك إلى التعاون مع تركيا في تأمين حدودها مع سورية، فضلاً عن التعاون مع الدول ذات الأغلبية المسلمة والتعاون مع مسلمي أميركا لمجابهة التنظيم فكرياً، ودحر أيدولوجيّته التي تلقى رواجاً عبر الإنترنت.

وقف غامض لإطلاق النار

في البند الرابع من النسخة الجديدة لاستراتيجيته، بشّر الرئيس الأميركي بقرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سورية تمهيداً لحل سياسي يضمن وقف الحرب السورية، قائلاً إنّ "جدولاً زمنياً في هذا الخصوص يتم حالياً التفاوض عليه بين الولايات المتحدة والقوى الفاعلة الأخرى في المجتمع الدولي. وأضاف، "من أجل تحقيق هذا الهدف سنتيح المجال للشعب السوري وأي دولة أخرى من حلفائنا ومن غير حلفائنا مثل روسيا، للمساهمة في تحقيق الهدف المشترك وهو تدمير داعش".

وفي ختام استعراض أوباما للبنود، أشار إلى أنّه أصدر توجيهات إلى وزارتَي الخارجية والأمن الداخلي في إدارته لمراجعة برنامج التأشيرات، قائلاً، إنّ "المرأة الإرهابية المشتبه بمشاركتها في تنفيذ هجوم كاليفورنيا دخلت الأراضي الأميركية بموجبه". وحثّ أوباما الجهات المسؤولة عن الأمن والتقنيات بتكثيف جهودها لحرمان الإرهابيين من تسخير التكنولوجيا للهروب من مواجهة العدالة.

إجراءات داخلية مزعجة

على المستوى الداخلي، أثار أوباما في خطابه القضية التي تزعج خصومه الجمهوريين أكثر من غيرها، وهي مناشدته للكونغرس بإدخال تعديلات على قوانين حمل الأسلحة، بما يضمن حرمان المدرجين في قائمة الممنوعين من السفر جواً من القدرة على شراء الأسلحة. واعترف أوباما بأن مثل هذا الإجراء يثير غضب البعض، لكنّه استقوى في طرحه بأجهزة الاستخبارات المتعددة التي قال إنّها "مهما وصلت إمكاناتها لن تكون قادرة على التحديد المسبق لهوية كل شخص يحتمل أن يقرر إطلاق النار عشوائياً على مجموعة من الأبرياء، بغض النظر إنْ كان دافع مطلق النار فردياً أو كان مدفوعاً بأيدولوجية الكراهية التي ينشرها التنظيم".

اقرأ أيضاً موسم التعهدات بمحاربة "داعش"... أهداف مختلفة تنتظر النتائج

وتشمل الإجراءات الجديّة التي لمّح إليها أوباما في خطابه، العمل على تصعيب الدخول إلى الولايات المتحدة من دون تأشيرة. ومن الواضح أنّه لا يقصد هنا المهاجرين غير الشرعيين، وإنما مواطني الدول الأوروبية وغيرها من المسموح لهم بالحصول على تأشيرات دخول عند الوصول إلى المطارات الأميركية، ومن بينهم عرب أو مسلمون يحملون جنسيات أوروبية وبعضهم من مواليد أوروبا، ويخشى الأميركيون من قدرة المتطرفين منهم على اختراق الأراضي الأميركية لتنفيذ عمليات إرهابية.

وعمد أوباما إلى إحراج خصومه الجمهوريين في الكونغرس بتحدّيهم إنْ كانوا يعتقدون كما هو الحال معه، بأنّ بلاده في حالة حرب مع تنظيم الدولة الإسلامية، فإنّ عليهم أن يثبتوا ذلك بالتصويت لتمديد قرار استخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين، مشيراً إلى أنّ قراراً كهذا، يمكن أن يظهر للعالم أنّ الأميركيين موحّدون وجادّون في المعركة.

ومن خلال ردود الفعل الأولية على ما طرحه الرئيس الأميركي، من بنود وتعهدات في استراتيجيته الجديدة، يبدو أنّها لم تغيّر من حدّة المعارضة التي يقابله بها خصومه الجمهوريون، باعتبار أنّ الاستراتيجية جاءت على ما يبدو خالية مما كانوا ينشدونه، وهو التحضير لخوض حرب بريّة ضد "داعش". وأكّد أوباما في خطابه، أنّه لا يزال حتى الآن مصمّماً وبقوة على تجنيب بلاده تبعات التورط البري بأي ثمن. بل حذر من أنّه "لا يجب جرّ البلاد مرة أخرى إلى حرب برية في العراق أو سورية، لأنّ ذلك ما يرغب به التنظيم".

وقال أوباما في هذا السياق، إنهم (التنظيمات المتشددة) "يعرفون أن لا قدرة لهم على هزيمتنا، لكنهم يدركون أنّ احتلالنا لأرض أجنبية، يجعلهم قادرين على الاستمرار في حرب عصابات ضدنا لسنوات"، لافتاً إلى أنّ "مقاتلي داعش، هم أنفسهم متمردو المقاومة العراقية التي واجهتها القوات الأميركية في العراق"، في إشارة غير مباشرة إلى القوات التي كانت تمثّل عصب الجيش العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وجرى اتخاذ قرار بحلّه عقب سقوط بغداد، وأصبح مئات الآلاف من المنتسبين السابقين له من دون مصدر دخل يعينهم على تقبّل الوضع الذي نجم عن احتلال العراق عام 2003.

لن نحارب الإسلام

لم تقتصر الاستراتيجية المحدّثة على ما يمكن فعله، بل تضمنت عدداً من المحظورات التي شدّد الرئيس الأميركي على ضرورة تجنّبها، ومن بينها، تفادي مواجهة الأميركيين بعضهم لبعض (في إشارة إلى المسلمين)، وتحويل الحرب إلى مواجهة بين أميركا والإسلام، قائلاً، إن "هذا أيضاً ما يسعى إليه التنظيم ويتمناه".

وكرّر أوباما ما كان ذكره مراراً في السابق، وهو أنّ "داعش" لا يمثّل الإسلام"، واصفاً المنتمين إليه بـ"أشرار وقتلة وجزء من عصابات الموت، ولا يمثلون سوى نسبة صغيرة جداً من بين أكثر من مليار مسلم في العالم"، مضيفاً أنّ "من بين مسلمي العالم يوجد الملايين من الأميركيين المسلمين المفعمين بالوطنية والرافضين لأيديولوجية الكراهية"، لافتاً إلى أنّ غالبية ضحايا الإرهاب هم من المسلمين. واعتبر أنّ مسلمي أميركا، هم أقوى الحلفاء في الحرب الدائرة على التطرف "ولا يجب وضعهم محل اشتباه أو كراهية".

في المقابل، ناشد الرئيس الأميركي التجمعات الإسلامية وقادتها في الولايات المتحدة والعالم ككل، بعدم التنصل من المشكلة ومواجهة حقيقة أن الأيديولوجية المتطرفة انبثقت من أوساطهم وتقع عليهم مسؤولية محاصرتها واستئصالها.

اقرأ أيضاً: أوباما يردّ على اتهامات التخاذل في مكافحة "الإرهاب"

المساهمون