شتاء إيراني انتخابي ساخن: المواجهة المزدوجة الكبرى في فبراير

شتاء إيراني انتخابي ساخن: المواجهة المزدوجة الكبرى في فبراير

29 ديسمبر 2015
أكثر من 12 ألف مرشح للاستحقاق التشريعي (مجيد سعيدي/Getty)
+ الخط -
تحمل الانتخابات التشريعية وانتخابات أعضاء مجلس خبراء القيادة في إيران، المقررتان في 26 فبراير/شباط المقبل، أهمية كبيرة، وستكونان بمثابة اختبار لحكومة "الاعتدال" التي تسعى جاهدة بشتى الطرق للتخفيف من سلطة الرقيب المحافظ المتشدد عليها، والذي سيطر على غالبية مقاعد البرلمان خلال السنوات الثماني الماضية ووقف بالمرصاد للإصلاحيين و"المعتدلين" على حد سواء.

وبعد انتهاء تسجيل أسماء الراغبين بالترشح للاستحقاقين الانتخابيين يوم الجمعة الماضي، ينتظر هؤلاء في الوقت الراهن تجاوز امتحان أعضاء لجنة صيانة الدستور الذين سيقرون أهلية المرشحين، ليعلنوا قريباً عن لائحة الأسماء النهائية والتي سيخوض أصحابها غمار السباق الانتخابي لكلا المجلسين.

ومن الجلي أن تيار "الاعتدال" يريد تشكيل برلمان أكثر توازناً، كما يطمح للحضور في مجلس الخبراء. فيما يدرك الإصلاحيون من جهة ثانية أهمية الانتخابات المقبلة بشقيها، فهذه هي الفرصة الأولى لعودتهم بقوة بعد غيابهم وحتى تغييبهم قسراً عن ساحة العمل السياسي بسبب احتجاجات عام 2009، حين خرج مناصرو المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي للشوارع حينها، احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي شككوا بنزاهتها وأسفرت عن فوز الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية، فتفرّق زعماء التيار الإصلاحي، وابتعدوا عن المشهد السياسي في البلاد، وعادوا تدريجياً بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث فتح فوز "المعتدل" حسن روحاني المجال نسبياً أمام عودتهم.

في الوقت ذاته، يبدو أن المحافظين لن يكونوا أقل ضراوة من غيرهم من المنافسين، ووفق المعطيات فهؤلاء لن يتخلوا عن مقاعد الخبراء أولاً، وهو المجلس المكوّن من رجال دين يشرفون على عمل المرشد الأعلى في البلاد، ويملكون صلاحيات تعيينه وعزله وتقييم أدائه، كما أنهم سيحاولون الاستفادة من ثغرات عمل الحكومة الحالية للحفاظ على نصيب مرتفع في البرلمان المقبل.

وما أعلنت عنه وزارة الداخلية الإيرانية أخيراً حول عدد المسجلين للترشح، يشير إلى أن التنافس سيكون على أشده بين الأطراف الثلاثة، التي تتوزع بدورها إلى عدة جبهات وتيارات وتكتلات، وستصبح الأسماء أكثر وضوحاً بعد الإعلان عن المرشحين المؤهلين. وقد نقلت المواقع الرسمية الإيرانية عن وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي، أن عدد المسجلين للترشح للانتخابات التشريعية بلغ 12 ألفاً و123 مرشحاً، كما بلغ عدد الراغبين بالمشاركة في انتخابات الخبراء 801 شخص، ما يعني أن الأرقام فاقت تلك المسجلة خلال انتخابات السنوات الفائتة، وتجاوزتها بكثير.

ولما كان البرلمان يُمثّل السلطة التشريعية التي تراقب عمل الحكومة في إيران بشكل دائم، وله الحق في سن قوانين، والإشراف على اتفاقيات البلاد مع الخارج وصكها وتمريرها وحتى إلغائها، ستكون الانتخابات التشريعية المقبلة استحقاقاً هاماً في وقت تراكمت فيه ملفات إيران مع الخارج حتى مع توصّل البلاد لاتفاقها النووي، الذي لم يُطبّق عملياً حتى الآن. وتشير التوقعات إلى أن التنافس على مقاعد العاصمة طهران سيكون هو الأشد، فمن بين 290 مقعداً برلمانياً، تبلغ حصة العاصمة ثلاثين مقعداً، ووفق أرقام الداخلية الإيرانية فقد ترشح ثمانون شخصاً عن كل مقعد منها.

في الوقت ذاته، يبدو أن حصة المرأة من سباق التنافس ستكون أكبر، فقد سجلت ألفا إيرانية أسماءهن للترشح، فضلاً عن تقديم 21 شخصاً من الأقليات الدينية ترشيحاتهم راغبين بخوض غمار السباق التشريعي عن مقاعد الأقليات المسيحية واليهودية والزرادشتية. كما سجّل 467 شخصاً أسماءهم وهم من النواب الحاليين أو السابقين، وأبرزهم رئيس البرلمان السابق غلام علي حداد عادل، وعضو لجنة الأمن القومي إسماعيل كوثري، فضلاً عن الرئيس الحالي للبرلمان علي لاريجاني الذي لم يتقدّم كمرشح محافظ، بل كمستقل، وهو ما أثار التعجّب لدى كثيرين. فتوقّع البعض وجود خلاف بين المحافظين الذين لم يعلنوا عن مشاركتهم بجبهة واحدة موحدة، فيما رأى البعض الآخر أن لاريجاني المقرب نسبياً من كافة الأطياف السياسية الإيرانية، يتطلع لكرسي رئاسة المجلس المقبل أياً كان شكله، لذا تقدم كمرشح مستقل.

اقرأ أيضاً: إيران في مواجهة الاستحقاقات الداخلية

إلا أن وجوهاً بارزة أخرى لم تُقدّم ترشحها، وهو ما أثار الاستغراب أيضاً، على الرغم من أن حظوظها بالفوز تبقى جيدة، وأهمها نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي محمد رضا باهنر، المحسوب على دائرة المحافظين، والذي كان عضواً في البرلمان الإيراني لثمانية وعشرين عاماً، وتولى منصب نائب رئيس المجلس ثلاث مرات. إضافة إلى النائب علي رضا مرندي المقرّب من المرشد الأعلى والذي كان وزيراً في حكومة الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني.
ومع الحضور الكبير للمحافظين، تعالت أصوات عديدة تدعو لتوحّدهم وتقدّمهم في جبهة واحدة لضمان الفوز في الانتخابات التشريعية والصمود بوجه "المعتدلين" والإصلاحيين. وعلى الرغم من عدم ترشح وجوه محافظة بارزة، منها باهنر الذي قال إنه يجب فتح الباب أمام مرشحين جدد وبأنه واثق من فوز المحافظين بالأغلبية، إلا أن المشهد سيبدو أكثر وضوحاً بعد الإعلان عن الأسماء النهائية من قِبل لجنة صيانة الدستور. هذه اللجنة تُعدّ العقبة الأولى أمام مشاركة الإصلاحيين، فعلى الرغم من تسجيل عدد لا بأس به من المحسوبين على تيار الإصلاح في قوائم الراغبين بالترشح لانتخابات البرلمان، لكن لجنة صيانة الدستور قادرة على تقليص هذا العدد، وهذا ما حدث في الانتخابات التشريعية الماضية قبل أربع سنوات من الآن، وتكرر في انتخابات الرئاسة قبل أكثر من عامين أيضاً.

وتقدّمت شخصيات إصلاحية عدة بأسمائها للترشح، منها وكيل حزب اعتماد ملي رسول منتجب نيا، والمسؤول في حكومة محمد خاتمي السابقة محمد رسولي، والإصلاحي المعروف محمد جواد حق شناس، والنائب الإصلاحية السابقة سهيلا جواد زاده، وغيرهم ممن تُعدّ حظوظهم أكبر هذه المرة، ولكن عليهم تجاوز لجنة صيانة الدستور أولاً، ومن ثم الاستفادة من الأجواء الإيجابية التي وفرتها إنجازات حكومة روحاني "المعتدلة" لهم. وأخيراً عليهم التقدّم بجبهة واحدة تحت إشراف المرشح الرئاسي السابق محمد رضا عارف الذي يقود جبهة الإصلاحيين في الوقت الحالي. وفي هذه الحالة قد تصبح حظوظ المرشحين عن أحزاب وجبهات إصلاحية عدة أوفر، في وقت يبدو فيه أن مرشحي تيار "الاعتدال" سيكونون منافسين شرسين، وفي حال تضاءلت الخيارات أمام الإصلاحيين، سيكون بإمكانهم الاتحاد مع "جبهة الاعتدال"، وهو ما فعلوه عندما انسحب عارف من السباق الرئاسي الماضي ليمنح أصواته كلها لروحاني.

وبين كل هؤلاء لا يمكن تجاهل وجود تيار المقربين من نجاد، وهم من يسميهم البعض بالمحافظين الجدد، هؤلاء على خلاف مع المحافظين المتشددين ومع الإصلاحيين أيضاً، وقد تقدّمت شخصيات كانت تتولى مناصب في حكومة نجاد السابقة بترشحها، فضلاً عن أخرى مقربة منه، وستبدو صورة مشاركة هذه الشخصيات أوضح بعد قرار لجنة صيانة الدستور. كما أن ترشّح كل من فاطمة هاشمي رفسنجاني ومحسن هاشمي رفسنجاني، وهما محسوبان على تيار الاعتدال، يشير إلى أن السباق التشريعي المقبل سيحظى بتأييد قوي وواضح لتيار الاعتدال من قبل مؤسسه الأصلي أكبر هاشمي رفسنجاني، حتى وإن لم يمر ولداه بنجاح في امتحان لجنة صيانة الدستور.

أما حساسية انتخابات مجلس خبراء القيادة، فتأتي كون هذا المجلس هو المسؤول عن اختيار المرشد الأعلى، وهي الانتخابات التي تجري مرة كل ثماني سنوات، ويدور التنافس فيها بين رجال دين من التيارات الثلاثة، المحافظة والمعتدلة والإصلاحية. وسجّل 75 شخصاً معروفاً أسماءهم من بين المرشحين، منهم الرئيس الحالي حسن روحاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء الحالي محمد يزدي، فضلاً عن وزير الاستخبارات محمود علوي. وهناك 32 مرشحاً جديداً، و26 شخصاً يُعتبرون من المحافظين، و17 إصلاحياً.

وكان لترشح حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، الصدى الأكبر، فهو المقرب من رفسنجاني ومن تيار الإصلاح، وبحال تأييد أهليته سيكون ضمن الجبهة الأقوى وهي جبهة "المعتدلين" التي تضم أبرز الأسماء، في وقت يبدو فيه قلق اليمين المتشدد واضحاً مع كل هذا التقدّم لـ"الاعتدال" ولخط الوسط من المحافظين.

كل هذه التجهيزات والاستعدادات تأتي في وقت يحذر فيه البعض من استغلال الأجواء الانتخابية المقبلة لإثارة ما بات يسمى اصطلاحا في إيران بـ"الفتنة"، كتلك التي وقعت عام 2009، وقد بدأ بعض المسؤولين بالفعل وخصوصاً من المحافظين، بالتحذير ممن يريدون استغلال الاختلافات بين المرشحين والمسؤولين لجر البلاد نحو إثارة بلبلة كما يقولون. وحتى تاريخ الاستحقاق الانتخابي، من المتوقع أن تشهد البلاد تنافساً كبيراً، وأن يختلف تدريجياً شكل التركيبة التي ستجمع المرشحين عن التيارات المتعددة، وهذا ما سيحدده أولاً قرار لجنة صيانة الدستور.

اقرأ أيضاً: البرلمان الإيراني يصك تفاصيل مشروع تطبيق الاتفاق النووي