اتصالات "المصالحة" التركية-الإسرائيلية غير المجانية: غاز وإيران وروسيا

اتصالات "المصالحة" التركية-الإسرائيلية غير المجانية: غاز وإيران وروسيا

23 ديسمبر 2015
أنهت جريمة "أسطول الحرية" العلاقة التركية الإسرائيلية(فرانس برس)
+ الخط -
تشهد المنطقة إعادة ترتيب واسعة للعلاقات بين مختلف الأطراف الإقليمية الفاعلة، والتي لم تكن مدفوعة فقط برغبة مختلف الدول للاستفادة من الاحتياطات الضخمة من الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في شرق المتوسط، بل لأسباب جيوسياسية أيضاً. وتأتي في مقدمة هذه الأسباب، مواجهة العودة الإيرانية إلى المجتمع الدولي، إثر الاتفاق النووي، فضلاً عن التوتر في علاقات حلفاء الغرب التاريخيين، وتحديداً تركيا وروسيا.

في هذا السياق، ومنذ أيام عدّة، عاد الحديث عن لقاءات جمعت مسؤولين إسرائيليين وأتراك في سويسرا، للعمل على إعادة إصلاح العلاقات بين البلدَين. هذا الأمر، أكّده كبار المسؤولين من الجانبَين، وكان آخرهم من الطرف التركي، نائب رئيس الحكومة التركية، نعمان كورتولموش.
وأوضح الأخير، خلال مؤتمر صحافي عقده أخيراً عقب الاجتماع الحكومي، في العاصمة التركية أنقرة، أنّ موقف بلاده تجاه إسرائيل لم يتغيّر، والشروط لا تزال كما هي لإصلاح العلاقات بين الجانبَين. وقال كورتولموش، "لقد تحقق الشرط التركي الأول المتمثّل في الاعتذار، إذ تستمر اللقاءات والمحادثات بين الفنّيين من الطرفَين لتحقيق الشرطَين الآخرَين"، في إشارة إلى الاعتذار الذي قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مارس/ آذار 2013.

وأضاف نائب رئيس الحكومة التركية "لا أستطيع القول إن هذه اللقاءات أفرزت اتفاقاً سياسياً نهائياً بعد، لكنّها تجري باتجاه إيجابي. لم يتغيّر شيء في موقفنا، سواء في ما يخص التعويضات للضحايا، أو تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، أو إزالته، إذ لا زلنا نطالب بكل إصرار بذلك خلال اللقاءات".

وتوترت العلاقات بين إسرائيل وتركيا في مايو/ أيار عام 2010، إثر هجوم القوات الخاصة الإسرائيلية على سفينة "مافي مرمرة" التركية، التي كانت جزءاً من حملة "أسطول الحرية" الذي تم تنظيمها لفكّ الحصار عن قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح العشرات.

وأمام رغبة المعارضة التركية في إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل مجاني أو على الأقل من دون أن يكون فكّ الحصار عن قطاع غزة جزءاً منها، وجدت دولة الاحتلال نفسها مضطرة للتعامل مع شروط أنقرة الثلاثة القديمة أو الاستمرار في الوضع الحالي المنخفض التنسيق، وذلك بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي التشريعية التركية، التي أفزرت فوزاً ساحقاً لحزب "العدالة والتنمية"، أتاح له التفرّد بالحكم مرة أخرى لغاية 2019.

ويأتي هذا، بينما يتعزز موقف إيران الإقليمي بعد الاتفاق النووي، في ظلّ الارتباك الحاصل في علاقات إسرائيل بالاتحاد الأوروبي، ما قد يدفعها للتخلي عن مشروعها بتصدير الغاز الطبيعي إلى القارة العجوز. وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، خلال تسريبات نقلها خلال اجتماعات اللجنة المركزية لحزب "العدالة والتنمية". وقال داود أوغلو، "هناك حاجة لتوخّي الحذر. لقد كان لنتائج انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني تأثير كبير على الموقف الإسرائيلي، فرضخ الأخير في بعض القضايا بعدما رأى أن العدالة والتنمية سيستمر في الحكم لغاية 2019".

اقرأ أيضاً: شروط تركيا كما هي لإصلاح العلاقة مع إسرائيل

في غضون ذلك، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المحادثات بين الجانبين، بدا واضحاً أنّ المفاوضات لا تزال عالقة على أمر فكّ أو تخفيف الحصار عن قطاع غزة، الأمر الذي أكدته المعلومات ذاتها على لسان داود أوغلو. وأشار رئيس الوزراء التركي إلى أنّ "هناك بعض الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها باتجاه فكّ الحصار عن قطاع غزة، ودفع التعويضات لضحايا سفينة "مافي مرمرة". فقد وصل الإسرائيليون إلى النقطة التي اقتنعوا فيها بأنه من الممكن تخفيف الحصار على القطاع من أجل تركيا". وأضاف: "قالوا إنهم لا يمانعون المساعدات للفلسطينيين. وبالنسبة للتعويضات، هناك قواعد دولية في هذا الشأن، ونحن نبحث عن المواءمة مع هذه القواعد، إذ إن الجانب الإسرائيلي أبدى مرونة في هذا الشأن أيضاً".

من جانبها، رحّبت واشنطن بالتطورات الأخيرة في العلاقات بين الجانب التركي والإسرائيلي، إذ قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، "نرحب باللقاءات التي تمّت بين اثنين من أهم حلفائنا في المنطقة، لحمل العلاقات بينهما إلى نقطة أفضل".

ويرى مراقبون أن تحسين العلاقات بين إسرائيل وأنقرة يحمل الكثير من الفوائد للطرفَين. من الناحية السياسية، سيشكل الاتفاق، إنْ تمّ متضمّناً تخفيف الحصار على قطاع غزة، اعترافاً آخر من قبل إسرائيل بأهمية أنقرة كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية، بعدما كانت مصر هي المعنيّ الأول في تحسين أوضاع قطاع غزة. وتحوّلت مصر في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي لدور الحليف الكامل لإسرائيل، متخلّية عن دورها القومي التاريخي في القطاع لصالح تركيا. أمّا بالنسبة لإسرائيل، فهي تعلم أنّ أي اتفاق سلام في قبرص، سيجعلها خارج المعادلة الإقليمية في شرق المتوسط، لأنّه لن يعود من الممكن حينها بالنسبة لنيقوسيا تجاوز أنقرة أو التحالف ضدها مع أي دولة تعاديها، وذلك في ظل النقلة النوعية التي شهدتها العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي أخيراً.

من الناحية الاقتصادية، تبدو المصالحة الإسرائيلية التركية جزءاً من مشروع أميركي كبير في المنطقة لصالح تنويع مصادر الطاقة بالنسبة لأوروبا ووقف اعتمادها الكبير على الغاز الروسي. وهو الأمر الذي أشار إليه كيري في زيارته إلى قبرص، بداية الشهر الحالي، ولقائه بكل من رئيس الشطر اليوناني، نيكوس أناستاسياديس، ومن ثم رئيس الشطر التركي، مصطفى أكينجي. وأكّد كيري خلال اللقاءَين دعم واشنطن الكبير للمفاوضات القائمة حالياً بين الجانبين للوصول إلى اتفاق سلام نهائي. وقال وزير الخارجية الأميركي "الحل أمر ممكن، وسيؤثر على المنطقة برمتها. فبعد تحوُّل قبرص إلى جزيرة سلام في شرق المتوسط، ستصبح بدورها مركزاً للطاقة إذا تم النظر إلى الاحتياطات القبرصية وأيضاً الغاز الإسرائيلي". وأضاف "لهذه الأسباب، على المجتمع الدولي أن يدعم الوصول إلى حلّ في الجزيرة". وبالتالي، تبدو التطمينات التي ساقها نتنياهو لكل من اليونان وقبرص، يوم الثلاثاء، في ما يخص عدم تأثر العلاقات بهما، واقعية للغاية.

وعلى الرغم من أنّه تم اكتشاف احتياطات الغاز في شرق المتوسط بين عامي 2009 و2010، لم توضح حكومة الاحتلال أية استراتيجية لتصدير الغاز حتى يونيو/ حزيران 2013، بالقرار الذي أصدرته والذي سمح بتصدير 40 في المائة من الغاز المستخرج.

وفي الوقت الذي تتوتر فيه العلاقة بين موسكو من جهة والاتحاد الأوروبي وتركيا من جهة أخرى، بدأ الأخيران بالبحث عن مصادر أخرى للطاقة لا تبقيهما تحت الرحمة الروسية. وبالتالي، فإن هذين السوقَين (الاتحاد وتركيا) مرحّب بهما للغاية لدى أي مصدّر آخر للغاز الطبيعي. وبينما تحتاج تركيا إلى حوالي 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لفك اعتمادها بشكل نهائي عن موسكو، تستطيع إسرائيل أن تستخرج سنوياً من الغاز في كل من حقلَي تامار وليفيتان، حوالي 950 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن اقتصار أسواق تل أبيب على كل من سوقَي مصر والأردن لا يبدو خياراً ذكياً.

ولا تتوقف أهمية تركيا بالنسبة لإسرائيل على كونها سوقاً لتصدير الغاز، بل باعتبار الأولى معبراً لمشاريع أنابيب الغاز التي من المخطط لها أن تتوجه إلى أوروبا، إذ يبدو تجاوز تركيا في هذه المشاريع مكلفاً للغاية أو غير ممكن. إذاً، أمام إسرائيل خياران لتصدير الغاز: إما أن تمد خط أنبوب غاز أو أن تعمل على إسالته وشحنه عبر السفن. لكن الطريقة الأخيرة، تبدو غير آمنة على الإطلاق لأسباب كثيرة، أهمها أن بوليصة تأمين هذه السفن ستكون مرتفعة للغاية بسبب إمكانية تعرضها لهجمات من قبل حزب الله اللبناني في حال اندلعت المواجهات بين الجانبَين لأي سبب كان، وخصوصاً أن لبنان يتهم إسرائيل بسرقة غازه.

أما تجاوز تركيا في مشروع أنابيب الغاز، سواء عبر مدّ أنبوب إلى اليونان مباشرة أو عبر جزيرة قبرص، فتبدو غير مجدية اقتصادياً. وعلى الرغم من عدم وجود تقديرات حول كلفة خط الغاز من إسرائيل إلى اليونان سواء عبر قبرص أو بشكل مباشر، يؤكد بعض خبراء النفط، وجود الكثير من العقبات التقنية المتمثلة في المنحدرات العميقة الموجودة في قاع المتوسط في تلك المنطقة. كما أنّ كلفة خط الغاز بين قبرص واليونان فقط، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عام 2012، تصل إلى 17 مليار دولار.

في غضون ذلك، لم تتحمّس الحكومة الإسرائيلية للمشروع الذي عُرض عليها من قبل القبارصة اليونانيين، بإنشاء خط غاز من إسرائيل إلى ميناء فاسيليكوس الواقع قرب مدينة ليماسول القبرصية، ومن ثم العمل على بناء منشأة مشتركة لتسييل غاز الطرفين في قبرص، قبل شحنه بالسفن. ذلك لأنّه لا يبدو خياراً استراتيجياً، إذ لا توجد دولة في العالم تعمل على ضخ كل هذه الاستثمارات المكلفة في مشروع تسييل غاز على أراضي دولة أخرى.

اقرأ أيضاً: لقاء أردوغان ـ مشعل: تطمينات حول "مصالحة إسرائيل"؟

المساهمون